هل تستخدم روسيا الغاز للضغط على تركيا؟

الأمة برس - متابعات
2022-08-01

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين(الأناضول)

جاء الإغلاق المفاجئ من جانب شركة الغاز الروسية العملاقة «غازبروم» لخط أنابيب رئيس يحمل الغاز إلى تركيا لأسباب تتعلق بالصيانة الدورية متزامنًا مع المحادثات بشأن مساعي فنلندا والسويد لنيل عضوية حلف الناتو، وفق ما جاء في تقرير للكاتب ديفيد أوبيرن نشره موقع «المونيتور» الأمريكي.

علاقة معقدة

يشير الكاتب في صدر تقريره إلى أن تركيا، بوصفها دولة خارج الاتحاد الأوروبي، قد تبدو للوهلة الأولى في مأمن مما يَعُدُّه كثيرون في تركيا مشكلة أوروبية بحتة، وذلك في ضوء إقدام شركة الغاز الروسية العملاقة «غازبروم» الأسبوع الماضي على خفض صادراتها من الغاز إلى أوروبا مرةً أخرى، واتهام رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين موسكو بـ«الابتزاز».

والحقيقة، وفق ما يرى الكاتب، هي أن العلاقات التركية الروسية في مجال الطاقة اتَّسمت بنزاعاتٍ متكررة وكانت أحيانًا عدائية للغاية، ذلك أن الخفض الروسي الأخير لتدفق الغاز إلى تركيا، فيما يقول الخبراء إنه جاء بعد إشعار فوري على نحو غير مسبوق، يقدِّم نظرة ثاقبة نادرة حول طبيعة العلاقة المعقَّدة بين البلدين.

ولفت الكاتب إلى أن الشركات التركية تمتلك عقودًا بقيمة 31.75 مليار متر مكعب سنويًّا من الغاز الروسي، والتي استوردت تركيا بموجبها العام الماضي 26.3 مليار متر مكعب، لتلبية 45% من احتياجاتها من الغاز، لافتًا إلى أن التبعية في مجال الغاز تُشكل نقطة ضعف أيضًا، وقد اكتشفت أنقرة ذلك في يناير (كانون الثاني) من هذا العام بعدما أوقفت إيران، التي زوَّدت تركيا العام الماضي بـ16% فقط من احتياجاتها من الغاز، صادراتها من الغاز لمدة ثلاثة أسابيع، الأمر الذي أدَّى إلى نقص تسبَّب في إغلاق محطات الطاقة وكثيرٍ من الصناعة التركية.

وأشار الكاتب إلى أن قرار أنقرة بعدم السير في ركاب الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتطبيق العقوبات المفروضة على روسيا ردًّا على غزوها لأوكرانيا يبدو منطقيًّا، لكن تركيا في الوقت نفسه زوَّدت أوكرانيا بطائرات مسيَّرة جرى نشرها بنجاح لمهاجمة القوات الروسية ونقلت الغاز إلى بلغاريا الشهر الماضي بدلًا من الغاز الروسي الذي تحركت موسكو لقطع إمداداته.

نزاعات حادة خلف الكواليس

وردًّا على السؤال المطروح: لماذا لم تستخدم روسيا الغاز للضغط على تركيا؟ يقول الكاتب إنه من الواضح تمامًا أن موسكو فعلت ذلك، مشيرًا إلى أن واردات الغاز الروسي لتركيا تأتي من خلال عقدين أبرمتهما شركة «بوتاس» الحكومية لاستيراد الغاز مقابل 16 مليار متر مكعب/السنة و5.75 مليار متر مكعب/السنة، على الترتيب، مع تقسيم الـ10 مليار متر مكعب/السنة المتبقية على ثمانية عقود تملكها سبع شركات خاصة.

وفي حين أن المسؤولين الأتراك والروس نادرًا ما يعلِّقون علنًا على النزاعات المتعلقة بشؤون الطاقة، تكررت هذه الخلافات خلف الأبواب المغلقة وكانت في بعض الأحيان عدائية للغاية، وفق الكاتب، مضيفًا: «ومع ظهور عدد قليل فقط من التقارير في وسائل الإعلام التركية التي تُفرَض عليها قيودٌ متزايدة، نجد أن الصورة المعقدة التي تقدمها وسائل الإعلام التركية حول العلاقات التركية الروسية في مجال الغاز تثير أسئلة أكثر مما تقدمه من إجابات».

ويلفت الكاتب إلى أن العذر الحالي الذي تتذرع به شركة «غازبروم» لخفض تدفق الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» الرئيس هو الحاجة إلى أعمال الصيانة الدورية، منوهًا إلى أن أحدًا لم يهتم قبل شهرين لاستخدام العذر ذاته لإغلاقٍ استمر لمدة 10 أيام لصيانة خط أنابيب «بلو ستريم»، الذي ينقل نحو 60% من واردات تركيا من الغاز الروسي، وقد جاء إعلان الإغلاق بإشعار قبل يومين فقط من الإغلاق.

ووفقًا لمسؤول كبير سابق في شركة «بوتاس»، يُعد مثل هذا التحذير العاجل بالإغلاق قبل فترة وجيزة أمرًا «غير مسبوق»، مع إغلاق مماثل للصيانة لخط أنابيب «ترك ستريم» الذي ينقل بقية واردات تركيا من الغاز الروسي التي كانت مجدولة في أواخر يونيو (حزيران) وأُعلِن عنها في بداية مارس (آذار).

الضغط على أنقرة

وألمح الكاتب إلى أنه قد يكون من قبيل المصادفة أن تحرك «غازبروم» جاء في وقتٍ طلب فيه حلف شمال الأطلسي (الناتو) من تركيا الموافقة على انضمام السويد وفنلندا في مواجهة المعارضة الروسية. لكن بالمثل، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها موسكو تخفيضات الغاز للضغط على أنقرة، وفقًا للكاتب.

وفي عام 2014، خفضت شركة «غازبروم» تدفقات الغاز إلى تركيا دون سابق إنذار، ثم أعادتها في الشهر الذي أعقب ذلك فقط بعد أن وقَّعت أنقرة اتفاقية تسمح ببناء خط أنابيب «ترك ستريم» عبر تركيا إلى أوروبا.

ومما يثير المزيد من التساؤلات تجديد عقد بوتاس في أواخر العام الماضي لاستيراد الغاز الروسي الذي يجري تسليمه عبر خط أنابيب «ترك ستريم»، والذي كان من المقرر أن ينتهي في ديسمبر (كانون الأول) 2021. وأكد المسؤولون في عام 2019 أن المفاوضات جارية، لكن لم يظهر هذا التأكيد في شكل توقيع اتفاقٍ جديدٍ إلا في يناير.

ويبدو أن التفاصيل القليلة التي ظهرت لاحقًا تؤكد صحة الشائعات التي تزعم أن المحادثات امتدت حتى اللحظة الأخيرة، وفي مواجهة خطر نقص الغاز، اضطرت شركة «بوتاس» لقبول شروط أسوأ من شروط الصفقة المنتهية الصلاحية. والأمر الأكثر غموضًا هو وضع الشركات السبع الخاصة المستورِدة للغاز الروسي.

وأدَّى مزيج من الأزمة الاقتصادية في تركيا لعام 2018 وما تلاها من انخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى إضعاف الشركات السبع وعدم قدرتها على بيع الغاز. وانخفضت إجمالي واردات الشركات السبع من 74% من 10 مليارات متر مكعب المتعاقد عليها في 2018 إلى 13% فقط في 2019. وعلى الرغم من ارتفاعها إلى 39% العام الماضي، اضطر عدد من الشركات السبع إلى خرق عقودها.

ووفقًا لمصدر مطلع على القضية، اختارت موسكو – على الرغم من انخراط الحكومة التركية – التعامل مع المشكلة على أنها نزاع تجاري، والتي أمرت فيها محكمة التحكيم الدولية مستوردي الشركات الخاصة العام الماضي بسداد ديونها.

وهو ما لم يحدث على ما يبدو، وآية ذلك أن أربع شركات من الشركات السبع لم تجلب أي واردات خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام على الرغم من حاجة تركيا الماسَّة لمزيد من الغاز في يناير وفبراير (شباط) عندما أوقفت إيران صادراتها دون سابق إنذار.

وكأن ذلك لم يكن مربكًا بدرجة كافية، فقد دمج صندوق تأمين الودائع الادخارية التركي في أواخر العام الماضي الشركات الثلاث في شركة واحدة، «أكفال جاز جروب»، والتي أعلن الصندوق بيعها بعد ذلك. وبخلاف الموعد النهائي لتقديم العطاءات الذي مُدِّد لاحقًا حتى فبراير، لم تظهر أي أخبار أخرى، وأزيلت أي إشارة إلى الشركة وبيعها من على الموقع الإلكتروني لصندوق تأمين الودائع الادخارية.

ضبابية المشهد

ويشير الكاتب إلى أن ما يحدث الآن غير واضح، ويتساءل: هل بِيعت الشركات الثلاث المدمجة أم صُرف النظر عن عملية البيع؟ هل ستُسدَّد ديون الشركات الخاصة المستحقة لشركة «غازبروم»؟ وإذا كانت هناك نية لعمل ذلك، فكيف سيحدث؟ وإذا لم تُسدَّد الديون، فما هو الإجراء الذي ستتخذه موسكو؟ وإذا كان هناك مَنْ يعلم الإجابات عن هذه الأسئلة، فهو لا يبوح بها، على الأقل ليس علنًا.

لكن حتى هذا الوضع المعقد يتضاءل إلى جانب وضع المستورد التركي الخاص للغاز الروسي الذي استمر في استيراد أحجامه المتعاقد عليها: شركة «بوسفوروس جاز»، التي كانت حصة الأغلبية فيها مملوكة لشركة «غازبروم» نفسها حتى عام 2018.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ضبطت المخابرات التركية عملية «تجسس»، قيل فيها إن المسؤولين التنفيذيين في بوسفوروس قدموا رشوة لشركة «بوتاس» لتسليم معلومات سرية نُقلت بعد ذلك إلى «شركة طاقة أجنبية» لم تذكر اسمها. ومع التزام المسؤولين الأتراك والروس بالصمت «التقليدي»، لم تتأكد هوية «شركة الطاقة الأجنبية» ولا مكان وجود الرئيس التنفيذي لشركة «بوسفورس ميرت جوكسو»، الذي أفادت تقارير أنه فرَّ من تركيا.

والحقيقة الوحيدة تقريبًا – وفق الكاتب- في القضية التي أعلنت تركيا عنها لاحقًا هي أنه في يناير، رفضت المحكمة الدستورية التركية استئنافًا قدَمته نائبة الرئيس التنفيذي لشركة «بوسفوروس»، إيميل أوزتورك، بأن اعتقالها واستمرار احتجازها في انتظار المحاكمة كان غير قانوني.

ما تخشاه أنقرة

ويضيف الكاتب متسائلًا: إذن، ماذا يعني كل هذا بخلاف تأكيد أنه فيما يتعلق بمبيعات الغاز، نجد أن العلاقة بين تركيا وروسيا بعيدة كل البعد عن علاقة البائع والمشتري فحسب، بل قد يقول البعض إنها علاقة مختلة وظيفيًّا؟

يمكن القول إن الشيء الوحيد الواضح هو أنه في ضوء حقيقة أن ما يقرب من نصف الغاز التركي يأتي من روسيا وما يزيد على 34% من الكهرباء التركية المولَّدة من محطات الطاقة تعمل بالغاز، فإن أي قرار تتخذه موسكو بمعاملة تركيا بالقدر نفسه من تخفيضات الغاز التي تفرضها على أوروبا سيكون له تأثير خطير للغاية.

وأكد ديفيد تونج، رئيس شركة «آي بي إس» للأبحاث والاستشارات ومقرها إسطنبول، أن «تركيا ليس لديها الإمدادات البديلة ولا القدرة التخزينية للتعامل مع خفض إمدادات الغاز من روسيا».

ويختم الكاتب تقريره بالقول إنه بالنظر إلى أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا مقرر إجراؤها في العام المقبل، وكذلك في ضوء نتائج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضعيفة في استطلاعات الرأي الأخيرة، ستحرص أنقرة على تجنَّب خفض إمدادات الغاز خلال فصل الشتاء.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي