رغم اتفاقية الحبوب.. أردوغان لا يزال مصدر «صداع» لبايدن

الأمة برس - متابعات
2022-07-25

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان(ا ف ب)

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرًا للصحافي مايكل كرولي يتحدث عن أنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يزال يثير قلق واشنطن في جبهاتٍ مختلفةٍ، رغم جهوده في اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.

ويشير الكاتب في مطلع تقريره إلى أنَّ أردوغان لعب دور رجل الدولة الخيِّر، عندما توصلت روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق يوم الجمعة لرفع الحظر عن تصدير الحبوب الأوكرانية.

وقال أردوغان، الذي كان جالسًا بجانب الأمين العام للأمم المتحدة في قصر عثماني بإسطنبول، إن الاتفاقية التي توسطت تركيا في إبرامها ستُفيد «البشرية جمعاء».

ترحيب حذر وإزعاج كبير

ويلفت الكاتب إلى أن إدارة الرئيس بايدن رحَّبت بالاتفاق، الذي يمكنه تخفيف أزمة الغذاء العالمية المتفاقمة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وحصار موانئها، وأعرب المسؤولون عن شكوكهم بشأن مدى حُسْن نية روسيا، ذلك أن الصواريخ الروسية قصفت مدينة أوديسا الساحلية الأوكرانية بعد أقل من يوم من توقيع الاتفاقية، ومع ذلك، أشاد متحدث باسم البيت الأبيض بجهود أردوغان في هذا الصدد.

لكن وراء الأبواب المغلقة، يظل أردوغان مصدرَ إزعاجٍ كبيرًا في عيون مسؤولي إدارة بايدن.

فقبل أيام من ترؤسه اتفاقية تصدير الحبوب، جدَّد «المستبد التركي» بحسب وصف الكاتب، تحذيره من أنه قد يستخدم حق النقض ضد خطط حلف شمال الأطلسي (الناتو) لقبول عضوية السويد وفنلندا الأشهر المقبلة، وهو تصرف يضع الحلف وإدارة بايدن في موقفٍ محرجٍ للغاية في وقتٍ يعكفون فيه على مواجهة روسيا.

وعبَّر الكونجرس هذا الشهر عن مخاوفه بشأن تعهد بايدن في قمة حلف الناتو في إسبانيا الشهر الماضي، ببيع عشرات الطائرات المقاتلة من طراز «إف-16» إلى تركيا.

تحركاتٌ مقلقة

ونوَّه الكاتب إلى أن أردوغان سافر إلى طهران الثلاثاء الماضي لعقد اجتماعات مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال محللون إن صور خصمين رئيسين لواشنطن مع أردوغان، زعيم دولة في الناتو، تتناقض مع الرواية الغربية بشأن عزلة إيران وروسيا.

ثم كرَّرت المتحدثة باسم البيت الأبيض يوم الجمعة، مخاوف واشنطن بشأن تهديدات أردوغان شن «غزو» جديدٍ على شمال سوريا، يستهدف المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة والذين يَعُدُّهم أردوغان إرهابيين.

ويرى الكاتب أن تصرفات أردوغان تلك عند ربطها معًا، وقدرة بايدن المحدودة على كبح جماحها، تبرز الوضع الفريد للزعيم التركي بوصفه حليفًا عسكريًّا على خلاف في كثير من الأحيان مع أجندة حلفائه الغربيين، وفي نظر المسؤولين الأمريكيين، غالبًا ما يثير هذا الدور غضبًا شديدًا.

لا يلتزم بخط الفريق

وينقل الكاتب عن إليزابيث شاكلفورد، موظفة سابقة في وزارة الخارجية، قولها أنَّ: «أردوغان يتصرف في الناتو بالطريقة ذاتها التي يتصرف بها جو مانشين في الكونجرس»، في إشارة إلى السيناتور الديمقراطي المحافظ من ولاية فرجينيا الغربية الذي أعاق أجندة بايدن المحلية، وأوضحت قائلة: «إنه في فريقنا، لكنه يفعل أشياء من الواضح أنها لا تخدم الفريق، وأنا لا أرى أن هذا الأمر سيتغير».

لكن مسؤولي إدارة بايدن يقولون إن استبعاد أردوغان كليةً سيكون هزيمة ذاتية، ذلك أن موقع بلاده عند مفترق طرق بين الشرق والغرب، أكسبها أهمية إستراتيجية، ويسمح ذلك لأردوغان بأن يكون محاورًا مع جيران أكثر إزعاجًا، كما يتضح من صفقة تصدير الحبوب التي خلقت ممرًا منزوع السلاح عبر البحر الأسود للصادرات الزراعية الأوكرانية.

وقال مسؤول أمريكي كبير إن كثيرًا من سلوك أردوغان الإشكالي ينبع من ضعفه السياسي في تركيا، مع ارتفاع معدل التضخم إلى ما يقرب من 80% الشهر الماضي، وعلى أمل تشتيت الانتباه عن إدارته السيئة للاقتصاد، تحوَّل أردوغان إلى الاستعراضات المتغطرسة، التي تُداعب المشاعر القومية الغوغائية بسبب تهديد حزب العمال الكردستاني (وهي حركة انفصالية كردية في تركيا)، والجماعات الكردية في سوريا.

بين الرفض والقبول

ويشير الكاتب إلى أن مبادرات الناتو الرئيسة، مثل التوسيع المقترح للحلف المكون من 30 عضوًا ليشمل السويد وفنلندا، تستلزم موافقة الأعضاء بالإجماع، وقال بايدن في مايو (آيار) إنه يأمل أن ينضم البلَدَان «سريعًا» إلى ما سيكون ضربة إستراتيجية كبيرة لبوتين.

لكن أردوغان أثار اعتراضات على طلبات البلدين، واشتكى من أن كلا العضوين الجديدين المحتملين قدما دعمًا سياسيًّا وماليًّا لحزب العمال الكردستاني، الذي وصفته الولايات المتحدة بأنه منظمة إرهابية بسبب تاريخها في الهجمات العنيفة، وكان مسؤولو الولايات المتحدة وحلف الناتو قلقين من احتمالية انهيار التوسُّع المخطط له، وهو ما قد يوفر نصرًا دعائيًّا كبيرًا لبوتين، الذي عمل منذ مدةٍ طويلةٍ على تقسيم الحلف.

وتنفس قادة الناتو الصعداء في قمتهم الشهر الماضي عندما توصَّل السيد أردوغان إلى اتفاق مع قادة السويد وفنلندا، اللذين تعهدا بالعمل ضد المنظمات الإرهابية، والانضمام إلى اتفاقيات تسليم المجرمين مع تركيا، التي تريد محاكمة أعضاء حزب العمال الكردستاني الذين يعيشون في تلك البلدان.

بدا بايدن ممتنًا للغاية بتحقيق هذا الاختراق، وقال لأردوغان في حضور الصحافيين: «أود أن أشكركم على ما فعلتموه حيال تسوية الوضع فيما يتعلق بفنلندا والسويد».

وقالت الاتفاقية المكونة من صفحتين والتي صيغت بلغة عامة، إن السويد وفنلندا ستعالجان «طلبات الترحيل أو التسليم المعلَّقة للمشتبه فيهم بارتكاب أعمال إرهابية على وجه السرعة وعلى نحوٍ شاملٍ»، لكن مسؤولين أتراك قالوا إنهم يتوقَّعون تسليم أكثر من 70 فردًا، ولم يتضح بعد هل ستقبل السويد وفنلندا ذلك أم لا، وكيف يمكن أن يكون رد فعل أردوغان إذا رفضتا.

وحذَّر أردوغان يوم الإثنين الماضي من أنه لا يزال بإمكانه «تجميد» توسُّع الناتو إذا لم تُلبَّ مطالبه.

السعي وراء الـ«إف-16»

وأضاف الكاتب أن بايدن أخبر أردوغان في إسبانيا، دعمه بيع 40 طائرة مقاتلة أمريكية من طراز «إف-16» طلبتها تركيا الخريف الماضي، إلى جانب ترقيات تقنية لعشرات المقاتلات التي تمتلكها أنقرة بالفعل، وتريد تركيا هذه الطائرات جزئيًّا لأن إدارة ترامب ألغت خططًا لبيع طائرات مقاتلة متطورة من طراز «إف- 35» لتركيا في عام 2019، بعد أن اشترى أردوغان، في واحدة من أكثر تحركاته الأخيرة إرباكًا، نظام الصواريخ الروسية المضادة للطائرات «إس- 400» متحديًا التحذيرات الأمريكية.

ونفى بايدن أنه عرض الطائرات من أجل شراء دعم أردوغان لتوسيع الناتو، وقال: «لم يكن هناك مقايضة في هذا الموقف، والأمر يتلخص فقط في رؤيتنا أن هناك ضرورة للبيع، ولذلك بِعنا»، وأضاف مستدركًا: «لكنني بحاجةٍ إلى موافقة الكونجرس لأتمكن من القيام بذلك، وأعتقد أنه يمكننا تأمين تلك الموافقة».

موافقة صعبة

وألمح الكاتب إلى أن موافقة الكونجرس قد لا تكون أمرًا مفروغًا منه، ولم يتضح بعد هل يمكن أن يمنع أردوغان التوسُّع الذي اقترحه الناتو حتى يتوصَّل إلى اتفاق بشأن طائرات «إف-16» أم لا.

ووافق مجلس النواب هذا الشهر على تعديل لمشروع قانون السياسة العسكرية السنوي، الذي يطالب بايدن بالتصديق على أن أي بيع للطائرات المقاتلة يخدم المصالح الوطنية الحيوية لأمريكا، وأن تركيا لن تستخدم الطائرات لانتهاك المجال الجوي لليونان، جارتها في بحر إيجة، وحليفتها في الناتو التي تخوض أنقرة معها نزاعًا مريرًا بشأن عدد من القضايا.

كذلك استشهد النائب الديمقراطي كريس باباس عن ولاية نيو هامبشاير، وراعي التعديل، بشراء أردوغان نظام الصواريخ الروسي، والموقف الملتبس تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، ووصف أردوغان الغزو بأنه «غير مقبول»، لكنه لم ينضم إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا.

وقال باباس: «هذا يكفي، لقد دعمت تركيا الجانبين في أزمة أوكرانيا، ولم يكونوا الحليف الموثوق به الذي يجب أن نكون قادرين على الاعتماد عليه»، وأضاف «أعتقد أنه من الضروري أن تتخذ إدارة بايدن موقفًا أقوى».

وبمجرد أن يطلب البيت الأبيض رسميًّا من الكونجرس الموافقة على بيع الطائرات، سيحتاج بايدن إلى دعم الأعضاء المؤثرين الآخرين الذين انتقدوا أردوغان بشدةٍ، بما في ذلك السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز من ولاية نيوجيرسي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

وقد تشكك مينينديز سابقًا في ولاء تركيا للناتو بالأساس، وفي جلسة استماع الشهر الماضي بشأن التوسُّع المقترح لحلف الناتو، قال إنه «مع مرور الوقت، سنجد أن مخاوف اللحظة الأخيرة لدى تركيا، التي تقف في طريق هذه العملية، لا تخدم سوى مصالح بوتين».

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلتقي بنظيريه الروسي والإيراني فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي في طهران هذا الأسبوع في محاولة فاشلة إلى حد كبير لتأمين الدعم لهجوم جديد ضد الأكراد في شمال سوريا. (ا ف ب)

تحذيرات أمريكية

وأضاف الكاتب أن مينينديز أصدر بيانًا الشهر الماضي مع نظيره السيناتور الجمهوري جيم ريش من ولاية أيداهو في لجنة العلاقات الخارجية، حذَّرا فيه أردوغان من تهديده بغزو شمال سوريا، وانضم إليهما النائب الديمقراطي جريجوري دبليو ميكس من ولاية نيويورك، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، ونظيره الجمهوري النائب مايكل ماكول من ولاية تكساس.

وقال المشرِّعون في البيان إن الغزو المحتمل ستكون له «نتائج كارثية»، مما يهدد العمليات المحلية ضد فلول تنظيم الدولة، ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا، وأضاف مسؤول في البنتاجون مؤخرًا إلى التحذيرات الأمريكية.

وتنقل الصحيفة عن دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع، قولها هذا الشهر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إننا: «نعارض بشدةٍ أي عملية تركية في شمال سوريا، وقد أوضحنا اعتراضاتنا لتركيا»، مشدِّدة على أن «داعش ستستغل تلك الحملة».

ويحذِّر بعض أشد منتقدي أردوغان من حلقة لا نهاية لها، يفوز فيها الزعيم التركي بتنازلاتٍ من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في الناتو، مثل الحصول على الطائرات المقاتلة الجديدة، وتأمين اتجاه أكثر صرامة ضد مقاتلي الميليشيات الكردية، فقط لتصعيد مطالبه في المستقبل.

ويختم الكاتب تقريره مستشهدًا بمقولة لمارك والاس، مؤسس مشروع الديمقراطية التركية، وهي مجموعة تنتقد أردوغان ونزعته الاستبدادية بحسب وصف الكاتب: «تلك الرقصة حول طائرات «إف-16» تعكس دبلوماسية الطائرات المقاتلة، والتي تُخفي ما يحدث بالفعل هنا»، موضحًا أن «الحليف الجيد، ناهيك عن كونه حليفًا جيدًا في الناتو، لا يستخدم الابتزاز للحصول على ما يريد في اللحظات الحاسمة في تاريخ الحلف».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي