بسبب أزمة الغاز.. هكذا يتجلى «النفاق» الأوروبي تجاه أفريقيا

الأمة برس - متابعات
2022-07-23

صورة مؤرخة في 22 أيار/مايو 2022 للمستشار الألماني أولاف شولتس (إلى اليسار) والرئيس السنغالي ماكي سال خلال مؤتمر صحافي في دكار (ا ف ب)

عبدالرحمن النجار

أعدت نُسموت باداموسي، صحافية متخصصة في الشؤون الأفريقية، تقريرًا نشرته مجلة «فورين بوليسي»، تناقش فيه مساعي أوروبا، إحدى أكبر مستهلكي الغاز الروسي، لإيجاد بدائل أفريقية حيث تهدد روسيا بإغلاق صنابير الغاز بشكل دائم.

وأوضح التقرير أن إمدادات الغاز الروسية إلى ألمانيا عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» قد توقفت للصيانة الروتينية منذ أسبوعين، وهناك مخاوف من أن روسيا قد لا تستأنف تشغيله. لقد قطعت موسكو بالفعل إمدادات الغاز الطبيعي عن بولندا، وفنلندا، وبلغاريا، التي رفضت طلب روسيا الدفع بالروبل. وتتوقع رابطة الصناعة البافارية أن تخسر ألمانيا ما يقرب من 13% من أدائها الاقتصادي في النصف الأخير من هذا العام إذا توقف الغاز الروسي عن التدفق.

أوروبا تبحث عن بديل الغاز الروسي

وفي سبيل مواجهة أزمة الطاقة، ذهب المستشار الألماني أولاف شولز إلى السنغال في مايو (أيار) لمتابعة تطوير حقل غاز من المتوقع افتتاحه العام المقبل. كما بدأ دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي محادثات مع المسؤولين النيجيريين في أبريل (نيسان)، سعيًا للاستفادة من البلاد باعتبارها موردًا بديلًا للغاز. في غضون ذلك، أبرمت إيطاليا اتفاقيات مع الجزائر وأنجولا وجمهورية الكونجو.

أضاف التقرير أن الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا زار هذا الشهر العاصمة الموزمبيقية مابوتو لمناقشة التعاون في مجال الطاقة. وأعلنت شركة الطاقة الإيطالية «إيني» مؤخرًا أنه من المتوقع أن يحقق مصنعها للغاز الطبيعي المسال العائم (LNG) قبالة ساحل مقاطعة كابو ديلجادو في موزمبيق، أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال في النصف الثاني من عام 2022.

وبينما تتدافع أوروبا للحصول على إمدادات الطاقة، يستنكر المراقبون والأفارقة أنفسهم ما يرون أنه نفاق في مجال الطاقة، معتبرين أن معظم البلدان الأفريقية تعيش في ظل نقص منتظم في الطاقة وتتأثر بشدة بتغير المناخ. سعت الحكومات الأفريقية إلى تطوير مشاريع جديدة للوقود الأحفوري لتلبية الاحتياجات المحلية، لكن الحكومات الغربية طالبت المقرضين متعددي الأطراف مثل البنك الدولي بالتوقف عن تمويل هذه المشاريع للحد من انبعاثات الكربون العالمية.

قال الرئيس السنغالي ماكي سال في خطاب جريء في اجتماع العام الماضي للجمعية العامة للأمم المتحدة: «لا تستطيع بلداننا تحقيق تحول في مجال الطاقة والتخلي عن الأنماط الملوثة للبلدان الصناعية دون بديل قابل للتطبيق وعادل ومنصف. إن وقف تمويل قطاع الغاز سيكون عقبة كبرى».

وتشير الكاتبة إلى تقرير صدر مؤخرًا يفيد بأن بعض الدول الأفريقية ستضطر إلى خفض الإنفاق العام في مجالات أخرى لتغطية تكلفة التكيف مع كوكب الأرض الذي يزداد احترارًا، مما سيؤدي إلى تجاوز إنفاقها على الرعاية الصحية. لا تتحمل القارة بأكملها سوى 3% فقط من انبعاثات الكربون العالمية، وهذا الرقم يقل كثيرًا بعد استبعاد جنوب أفريقيا كثيفة الاستخدام للفحم، وهي أكبر مصدر لانبعاث الكربون في أفريقيا. كما يستخدم المواطن الأوروبي العادي أكثر من ستة أضعاف ما يستخدمه المستهلك الأفريقي العادي.

يؤكد التقرير أن نائب الرئيس النيجيري ييمي أوسينباجو انتقد في مقال رأي، نُشر مؤخرًا في مجلة الإيكونوميست، أوروبا لإصرارها على قيام الدول الأفقر بتجميد انبعاثاتها الكربونية، وهو ما لم تلتزم به الدول الأكثر ثراءً «بسبب الاعتقاد الساذج في مفهوم القفزة، مثل الكف عن استخدام الهواتف الأرضية لصالح الهواتف المحمولة، يمكن لأفريقيا أن تقفز إلى تقنيات الطاقة الجديدة». ويقول القادة الأفارقة إن هذه المتطلبات ترقى إلى مستوى الرغبة في إبقاء القارة فقيرة.

إحدى الحجج ضد التصنيع المعتمد على الوقود الأحفوري هي جنوب أفريقيا، حيث يصل انقطاع التيار الكهربائي المقرر، المعروف باسم فصل الأحمال، 10 أضعاف بحلول عام 2026 ما لم تضف الدولة مصادر طاقة متجددة، وفقًا لدراسة أجرتها شركة الاستشارات الاقتصادية «ميريديان إيكونوميكس»، ومقرها مدينة كيب تاون عاصمة جنوب أفريقيا.

ويشير التقرير إلى توفير شركة «إسكوم» المملوكة للدولة في جنوب أفريقيا، التي أصبحت محطات الفحم المتقادمة الخاصة بها غير موثوق بها، 90% من الطاقة في البلاد. في مؤتمر المناخ للأمم المتحدة «كوب 26» العام الماضي، تعهدت الدول الغربية بتقديم 8.5 مليار دولار لمساعدة البلاد على التحول إلى طاقة أكثر اخضرارًا.

أفريقيا لا تمتلك رفاهية البحث عن بديل

ولكن على المدى القريب، يشير فيرنر أيوكيجبا، نائب الرئيس الأول في غرفة الطاقة الأفريقية ومقرها جوهانسبرج، إلى أن جنوب أفريقيا يجب أن تستكشف مزيجًا كاملاً جديدًا من مصادر الطاقة، بما في ذلك الغاز، لأنه في حين أن المصادر الأكثر صداقة للبيئة مهمة، فإن سكان نيويورك أو لندن هم من يتمتعون برفاهية التفكير في الطاقة المتجددة. «إذا كنت في جناح الولادة في مستشفى في ضواحي مايدوجوري [في شمال نيجيريا]، فلا يهم حقًا ما إذا كان مستشفاك يعمل بالطاقة باستخدام الفحم. كل ما تحتاجه هو الطاقة».

يشدد التقرير على أن نيجيريا هي ثاني أكبر منتج للنفط في أفريقيا، إلا أن 85 مليون نيجيري – ما يقرب من نصف سكان البلاد – يعيشون بدون شبكة كهرباء. تمتلك نيجيريا أكبر احتياطيات غاز معروفة في أفريقيا، وبسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، أعيد إحياء المشاريع المتوقفة مثل خط أنابيب الغاز عبر الصحراء، والذي سيمر عبر شمال نيجيريا إلى النيجر والجزائر ثم إلى أوروبا.

يجادل أيوكيجبا بأن الحكومات الأفريقية بحاجة إلى التركيز على استثمارات البنية التحتية للأسواق المحلية بدلاً من الأسواق الأوروبية والآسيوية. وأشار إلى أنه نظرًا لأن الحرب الروسية الأوكرانية دفعت أسعار النفط، التي كانت متوقعة في الأصل عند 50 إلى 70 دولارًا للبرميل، فوق 120 دولارًا للبرميل، فقد حققت نيجيريا أرباحًا كبيرة غير متوقعة هذا العام، والتي يرى أنها يجب أن تذهب نحو استثمارات البنية التحتية لاحتياجات الكهرباء المحلية.

قال أيوكيجبا لفورين بوليسي «الشيء الوحيد الذي نحتاج إلى البدء في النظر إليه هو، كيف سيكون الطلب السنغالي والطلب الإقليمي الأفريقي على الطاقة؟ يجب أن ننظر إلى أنفسنا ونتساءل، ما هي الأولويات التي نريد الإنفاق عليها إذا أردنا تطوير قدرة الطاقة في القارة؟».

تصور أيوكيجبا اتفاقية مثل تلك التي أنشأت منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية مع «تركيز أكبر على الاستثمار بدلاً من التجارة فقط». على سبيل المثال، وقع بنك التصدير والاستيراد الأفريقي مؤخرًا مذكرة تفاهم مع منظمة منتجي البترول الأفريقيين بهدف إنشاء بنك للطاقة لدعم مشاريع النفط والغاز الجديدة والقائمة.

تشير الكاتبة في ختام تقريرها إلى أن دول شمال أفريقيا هي الوحيدة في وضع يمكنها من الاستفادة بشكل فوري من زيادة صفقات الغاز الأوروبية، مدللة على ذلك بوصول رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، الإثنين الماضي، إلى الجزائر للتوقيع على اتفاق يهدف إلى تأمين إمدادات غاز إضافية لإيطاليا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي