لماذا فشلت روسيا في تحقيق أهدافها في أوكرانيا حتى الآن؟

الأمة برس - متابعات
2022-07-16

شظايا صواريخ متناثرة على الأرض في شارع في فينيتسيا في وسط أوكرانيا في 14 تموز/يوليو 2022 إثر غارات روسيا (أ ف ب)

نشر موقع مجلة «ريسبونسبل ستيت كرافت» التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد مقالًا لأناتول ليفين، باحث كبير في معهد كوينسي وأستاذ سابق في جامعة جورج تاون بقطر وفي قسم دراسات الحرب في كينجز كوليدج بلندن، حول أسباب فشل روسيا في تحقيق أهدافها السياسية في أوكرانيا. ويرى الكاتب أن تناقص الأهداف هو ما أدَّى إلى فشل السياسية الروسية في أوكرانيا منذ عام 2014، حيث تسعى موسكو إلى جعل أوكرانيا دولة تابعة لها، وفي الوقت نفس تحاول انتزاع أكبر قدر ممكن من أراضيها.

ويستهل الكاتب مقاله بالقول: ليس من المستغرب أنْ كُتِب الكثير عن عدم قانونية وعدم شرعية أهداف الحرب الروسية في أوكرانيا. وعلى أية حال فإن السعي إلى ضم أجزاء من أوكرانيا أو إطاحة حكومتها الشرعية يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. غير أنه لم يكتب سوى القليل عن سبب فشل روسيا فشلًا ذريعًا في الوصول إلى أهدافها السياسية الرئيسة – وليس فقط العسكرية – في أوكرانيا منذ ثورة البلاد في عام 2014.

وأحد الأسباب الرئيسة هو أن الحكومة الروسية سعَت إلى تحقيق هدفين متناقضين في أوكرانيا. فمن ناحية سعَت موسكو إلى الاحتفاظ بنفوذها على أوكرانيا ككل. ومن ناحية أخرى سعَت إلى «إعادة» الأراضي التي تَعُدها تاريخيًّا روسية إلى روسيا.

ولكن الكاتب يرى أن هذا التناقض قد جرى حله. ومن الآن فصاعدًا هدف روسيا هو الأرض في الجنوب والشرق. أما فيما يخص بقية أوكرانيا، فستظل روسيا تحاول منع أوكرانيا من الانضمام رسميًّا إلى حلف الناتو، لكن النُّخب الروسية التي تحدثتُ معها الآن توافق – كما يُفترض أن بوتين نفسه يوافق – على أن أوكرانيا ستكون عدوًّا لروسيا وحليفًا فعليًّا للغرب في المستقبل المنظور.

بوتين تأثر كثيرًا بالروائي الروسي سولجينتسين

ولفت الكاتب إلى أنه يمكن إرجاع أصول هذه السياسة المزدوجة إلى مقال مشهور في عام 1990 كتبه ألكسندر سولجينيتسن – الذي قيل إن كتاباته كان لها تأثير كبير على فلاديمير بوتين – بعنوان «إعادة بناء روسيا». ومع انهيار الاتحاد السوفيتي بوضوح كتب سولجينتسين أن جمهوريات البلطيق، والقوقاز، وآسيا الوسطى (باستثناء كازاخستان التي بها أقلية روسية ضخمة)، يجب أن تنفصل ببساطة لأن لديهم ثقافات مختلفة، ولم يكونوا أبدًا جزءًا من روسيا.

 وكان يأمل أن تظل أوكرانيا وبيلاروسيا، باعتبارهما شعوبًا سلافية شرقية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بروسيا، في شكل من أشكال الاتحاد، ووصف انفصالهما بأنه «تقسيم قاسٍ».

غير أنه وفقًا لسولجينتسين، إذا كانت غالبية الأوكرانيين يرغبون حقًا في الانفصال عن روسيا، يجب السماح لهم بذلك، ولكن لا يشمل ذلك «تلك الأجزاء التي لم تكن جزءًا من أوكرانيا القديمة… نوفوروسيا أي (روسيا الجديدة)، والقرم، ودونباس، والمناطق عمليًّا حتى بحر قزوين». وكتب أنه يجب السماح لهذه المناطق بـ«تقرير المصير»؛ مما يعني ضمنًا أنها ستعود إلى الانضمام لروسيا.

سهوب خالية من السكان

ويرى الباحث أنه فيما يتعلق بمثل هذه المطالبات في التاريخ الحديث، فإن المطالبة الروسية بهذه الأراضي تستند إلى مزيج متناقض من الحجج التاريخية، والعِرقية، واللغوية، وشبه القانونية، مع طرح الديمقراطية عندما تكون مفيدة. والحالة الأساسية هي أنه حتى أواخر القرن الثامن عشر كانت هذه الأراضي عبارة عن سهول فارغة وخالية من السكان بسبب غارات تتار القرم في الجنوب.

ومن ثم غزاها الجيش الإمبراطوري الروسي، ثم استقر فيها مستعمرون مختلفون كانت غالبيتهم من العِرقية الأوكرانية، لكنهم شملوا أيضًا العديد من الروس، والألمان، والصرب، والبلغار، والمهاجرين اليونانيين من الإمبراطورية العثمانية. ولم تكن هناك مدن في هذه المنطقة قبل الغزو الروسي، وأُطلِق على المدن التي تأسست حديثًا أسماء جديدة، معظمها أسماء القياصرة الروس. ودنيبرو اليوم كان يكاترينوسلاف، وكانت كروبنيتسكي اليوم هي يليسافتاجراد، قبل أن تصبح كيروفجراد تحت الحكم السوفيتي. وميكولاييف كانت نيكولاييف، على اسم القيصر نيكولاي الأول. ومن المثير أن دونيتسك كانت تحمل اسم يوزوفكا على اسم مواطن ويلز جون هيوز، الذي طوَّر مناجم الفحم في المنطقة لأول مرة.

وجزئيًّا بسبب التسوية المختلطة في الأصل، وجزئيًّا بسبب الهجرة الصناعية في القرنين التاسع عشر والعشرين، كانت هذه المنطقة إلى حد كبير ناطقة بالروسية، وحتى قيام الثورة الأوكرانية عام 2014 صوتت باستمرار للأحزاب التي تفضل العلاقات الجيدة مع روسيا. وتحتوي هذه المنطقة على ثمانية من بين أكبر 10 مدن في أوكرانيا وساحل أوكرانيا على البحر الأسود بالكامل، وخسارتها ستترك أوكرانيا بقايا دولة.

لم تكن هناك خطة عسكرية جاهزة لغزو أوكرانيا في عام 2014

يضيف الكاتب: ووفقًا لمسؤولين روس سابقين تحدثتُ معهم، فوجئ الكرملين بإطاحة الرئيس يانوكوفيتش في فبراير (شباط) 2014، ولذلك سارع إلى تقديم رد فعل. ولم تكن هناك خطة عسكرية جاهزة لغزو أوكرانيا، على الرغم من الضعف الشديد للجيش الأوكراني وعدم وجود حكومة أوكرانية في ذلك الوقت؛ مما يعني أنه كان من الممكن تحقيق النصر في ظل مقاومة ضئيلة.

ويبدو أن الكرملين توقَّع ثورة مضادة عفوية عامة في المناطق الناطقة بالروسية (مقدمة للوهم بأن هؤلاء السكان سيرحبون بالغزو الروسي هذا العام). لكن هذا حدث فقط على نطاق محدود في دونباس. وحتى دونباس كانت قادرة فقط على الحفاظ على نفسها بدعم شبه سري من القوات الروسية.

دعمت موسكو متمردي دونباس، لكنها وقَّعت أيضًا على اتفاقية مينسك الثانية لعام 2015، والتي بموجبها سينضم دونباس إلى أوكرانيا مع ضمانات بالحكم الذاتي الكامل داخل ذلك البلد. وكان هدف موسكو أن تعمل المنطقة بعد ذلك باعتبارها قوة للدفاع عن مصالح الدولة الروسية، وموقف الأقلية الروسية داخل أوكرانيا. واعترافًا بذلك رفضت الحكومة الأوكرانية على الرغم من توقيع اتفاقية مينسك تعديل الدستور لضمان الحكم الذاتي للمنطقة. ولم تتخذ روسيا من جانبها أية خطوات لنزع سلاح المتمردين.

ويشير الباحث إلى أنه في ثنايا سعي موسكو للتأثير في أوكرانيا ككل، ضمَّت موسكو أيضًا شبه جزيرة القرم، التي كانت جزءًا من جمهورية روسيا السوفيتية حتى نُقِلت إلى أوكرانيا بموجب أمر سوفيتي عام 1954. وتعارض هذا الضم تمامًا مع هدف الحفاظ على النفوذ الروسي داخل أوكرانيا ككل، والذي اعتمد على إبقاء أكبر عدد ممكن من الروس داخل أوكرانيا.

تعبئة القومية الأوكرانية

وأردف الكاتب أن ضم شبه جزيرة القرم، والصراع المستمر في دونباس، ساعد السلطات في كييف على تعبئة القومية الأوكرانية ضد روسيا. وقُطِعت العلاقات الاقتصادية مع روسيا، وبمساعدة الغرب، جرى تحسين المعدات والتدريب والروح المعنوية للجيش الأوكراني على نحو كبير، ووُضِعت سلسلة من القوانين التي تقيد دور اللغة الروسية في التعليم، والثقافة، والحياة العامة تقييدًا كبيرًا.

وبحلول صيف عام 2021 أصبح الكرملين خائفًا من انزلاق أوكرانيا بعيدًا عن روسيا على نحو لا رجعة فيه. وأعلن بوتين عن إستراتيجية الرد على ذلك في مقالته في يوليو (تموز) 2021، «حول الوحدة التاريخية للشعبين الأوكراني والروسي»، والذي دافع فيه عن الوحدة التاريخية للشعبين، وأدان كلًا من القومية الأوكرانية والشيوعيين الروس؛ لأنهم أوجدوا جمهورية سوفيتية أوكرانية منفصلة، وكتب أن السيادة الحقيقية لأوكرانيا ليست ممكنة إلا بالشراكة مع روسيا. ومع ذلك فقد أثار أيضًا مطالبات إقليمية، نقلًا عن رئيسه السابق، عمدة سانت بطرسبرغ، أناتولي سوبتشاك:

«الجمهوريات التي كانت مؤسِّسة للاتحاد، بعد أن شجبت معاهدة الاتحاد لعام 1922، يجب أن تعود إلى الحدود التي كانت عليها قبل الانضمام إلى الاتحاد السوفيتي. وتخضع جميع عمليات الاستحواذ على الأراضي الأخرى للنقاش والمفاوضات، مع التسليم باستعادة الأراضي». وكان بوتين سيصبح أكثر صدقًا لو أضاف «للنقاش والمفاوضات – والحرب».

وألمح الباحث إلى أن خطة الغزو هذه أفسدها التناقض الواضح نفسه منذ عام 2014 والوارد في مقال بوتين. ونشرت روسيا أقل من 200 ألف جندي – وهو عدد قليل جدًّا على أي حال لغزو بلد بحجم أوكرانيا. والأهم من ذلك، في سعيه لتحقيق هدفَيْه السياسيَيْن المتناقضين، قسَّم الجيش الروسي قواته بالتساوي تقريبًا بين قوات تهدف إلى الاستيلاء على كييف، وأخرى تهدف إلى احتلال الأراضي في الشرق والجنوب. وكان قوات الجزء الأول ترمي إلى إخضاع أو استبدال الحكومة الأوكرانية وتحويل أوكرانيا بأكملها إلى دولة عميلة لروسيا. أما الجزء الثاني فكان يهدف إلى الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي الناطقة بالروسية في الشرق والجنوب.

فشل في تحقيق الهدفين

واستدرك الباحث قائلًا: ولكن نتيجة السعي لتحقيق هذين الهدفين في وقت واحد وتقسيم القوات الروسية بهذه الطريقة كانت إلى حد كبير فشل الحكومة الروسية تمامًا في تحقيق هدفها الأول، كما فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق هدفها الثاني. وفي 29 مارس (آذار)، أعلنت الحكومة الروسية أنها ستسحب قواتها من محيط كييف. وبدلًا عن المسيرة المظفرة عبر شرق أوكرانيا وساحل البحر الأسود، دخل الجيش الروسي في حرب استنزاف طاحنة للاستيلاء على مدن صغيرة في دونباس.

وعلاوةً على ذلك قوَّض هذا الفشل الأولي الأهداف السياسية للحرب تقويضًا قاتلًا. لقد اعتمدت قدرة روسيا على جذب سكان شرق أوكرانيا وجنوبها اعتمادًا حاسمًا على نصر سريع وغير مؤلم. ولكن بدلًا عن ذلك لم تكن روسيا قادرة على الاستيلاء على مدن في المنطقة إلا من خلال تحويلها إلى أنقاض في شهور من القتال، وقد أدان معظم المسؤولين المنتخبين المحليين الغزو بشدة.

ومع ذلك يبدو أن روسيا الآن مصممة في النهاية على دمج أكبر قدر ممكن من هذه الأراضي في روسيا. وستُجرى استفتاءات مزورة، لكن يبدو أن الافتراض الأساسي هو أن السكان سينتهي بهم المطاف إلى الهدوء تحت حكم موسكو؛ الأمر الذي قد يكون مجرد وهم، مثل تحليل الكرملين للرأي الأوكراني قبل الغزو.

وكان من الدلائل على الخطط الروسية تعيين بوتين رئيس الوزراء السابق سيرجي كيرينكو حاكمًا فعليًّا للأراضي المحتلة. وعمل كيرينكو سابقًا رئيسًا للإستراتيجية السياسية الداخلية لدى بوتين.

وفي ختام مقاله يخلُص الكاتب إلى أنه ليس هناك شك في أن الحكومة الروسية لا تزال ترغب في الاستيلاء على جميع المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، بما في ذلك الساحل الأوكراني بأكمله. غير أنه نظرًا للخسائر التي تكبدها الجيش الروسي والتقدم البطيء الذي أحرزه، يبدو هذا الاحتمال أقل احتمالًا من الناحية العسكرية. لذلك فإنه من الممكن إذا تمكنت موسكو من احتلال مقاطعة دونيتسك بأكملها (كما غزت للتو كل لوهانسك)، فإنها ستتوقف وتعرض وقفًا لإطلاق النار – لكن وقف إطلاق نار تبقى بموجبه المناطق المحدودة التي احتلتها روسيا في أيدي روسيا. وستوجه هذه النتيجة ضربة خطيرة لأوكرانيا – ولكنها أيضًا ضربة قوية لروسيا، بالنظر إلى مقدار ما كان الكرملين يأمل في غزوه.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي