ماذا تعرف عن العقيدة العسكرية التي يتبعها الجيش الروسي؟

الأمة برس - متابعات
2022-07-15

مدرعات روسية (الأناضول)

نشر موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز» الأمريكي مقالًا كتبه جورج فريدمان، خبير إستراتيجي دولي ومؤلف «كتاب المائة عام القادمة: توقعات للقرن الحادي والعشرين»، يستعرض فيه العقيدة العسكرية الروسية ومدى نجاعتها على أرض الواقع من خلال تطبيقها في الغزو الروسي لأوكرانيا.

يستهل مؤسس الموقع والمتخصص في تحليل الشؤون الدولية مقاله بالإشارة إلى أن مدينة ليسيتشانسك سقطت في يد روسيا؛ مما منح موسكو السيطرة الكاملة على منطقة لوهانسك الانفصالية في أوكرانيا. وكذلك تحتل القوات الروسية تقريبًا جميع مناطق دونيتسك المجاورة، وهي المنطقة الأخرى التي اعترف الكرملين باستقلالها قبل يومين من شن الغزو الروسي ضد أوكرانيا.

ولدى روسيا الآن خيار قبول هذا الانتصار باعتباره تتويجًا للحرب أو السعي لتحقيق النصر الكامل من خلال الاستيلاء على أوكرانيا بأكملها. وقبل النظر في هذا الخيار نحتاج إلى فهم الإطار المفاهيمي الذي حدد الخطة الأولية لروسيا.

شيوع المفاهيم العسكرية

يوضح الكاتب أن لدى جميع الجيوش عقيدتها العسكرية خاصتها، مشيرًا إلى أن العقيدة العسكرية تحدد كيف يجب خوض الحروب. ففي الولايات المتحدة خلال أواخر الحرب الباردة، أُطلِق على العقيدة العسكرية اسم المعركة الجوية البرية، والتي تصورت نظام أسلحة مشتركة للهجوم، والدفاع يعمل باعتباره قوة واحدة تحت قيادة موحَّدة.

وكان لدى الصينيين عقيدة تسمى الدفاع النشط، والتي تصورت أن العدو في حالة هجوم باستمرار، بينما تعمل القوات الصينية على احتوائه في معظم القطاعات، وتنفيذ هجمات كلما سنحت لها الفرصة.

وهناك العديد من المفاهيم في أي جيش، ومعظمها قليل الأهمية. ويحدد النموذج القتالي الأساسي نوع الأسلحة التي تُقتنى، والمزيج المناسب من القوات، والتدريب الذي تتلقاه وما إلى ذلك. وتوجد مفاهيم لكل غرف العمليات وللوحدات الأصغر. ويجب دمج كل شيء في قوة قتالية واحدة في حالة خوض حرب.

العقيدة العسكرية الروسية

ويقول الكاتب إن العقيدة الروسية التي عُرِّفَت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي يُطلق عليها اسم المعركة العميقة، لافتًا إلى أن تلك النظرية تتوقع القتال الروسي على أي مستوى من الحرب. والهدف هو التوغل بعمق، وبأسرع ما يمكن في خطوط العدو. وللقيام بذلك يجب أن يكون هناك تنسيق مكثف على جميع جبهات المعركة، وكذلك بين جميع المستويات.

 لذلك في أوكرانيا، وحسب ما يضيف الكاتب، كانت عقيدة المعركة العميقة تعني تنسيق العمليات العامة في كل غرفة عمليات. وكانت هناك حاجة إلى غرف العمليات لإدارة المعركة في مكونات صغيرة مثل الكتائب. ولا يتحدد عمق العقيدة فقط من خلال المدى الذي يمكن فيه اختراق العدو، ولكن من خلال مدى عمق القيادة والسيطرة أيضًا.

وأضاف الكاتب أن نظرية المعركة العميقة تحفل بتباشير واعدة عندما تتدفق المعلومات بسرعة إلى المستوى الأعلى من القيادة، لافتًا إلى أن الجيش الروسي مثل مطرقة ثقيلة. وعندما ينهار هذا التنسيق والتشاور والتوجيه، والمفتاح هو الاتصال الذي يشتهر بالتأخير أو الخطأ في المعركة، تضرب المطرقة الجيش على ركبتيه. وتتحول المعركة العميقة إلى نظام قيادة مركزي، والتي لا تستطيع فيه القيادة العليا رؤية الحقائق على المستوى الأدنى.

تطبيق على ما حدث في أوكرانيا

ويرى الكاتب أن مفهوم الهجوم الأولي على أوكرانيا اتَّبع مفهوم المعركة العميقة؛ إذ نُظِّمت القوة في ثلاثة اتجاهات هجومية مبنية حول القوات المدرَّعة، وتضرب من الشمال باتجاه كييف، ومن الجنوب نحو أوديسا، وعلى مسافة قصيرة من دونباس ناحية الشرق.

وبدا أن الأوامر الأولية سارية بغض النظر عن الأحداث. وتعثرت القوة الشمالية على إحدى الطرق، وبقيت هناك لعدة أيام، دون تصحيح لأوامرها. ومن المحتمل أن هذه القوة كانت تهدف إلى دعم القوة القادمة من الشرق. وتحرق الدبابات الوقود بسرعة، حتى عند التوقف عن العمل، ولم يكن لدى الخدمات اللوجستية أوامر جديدة، أو لم تستطع تنفيذ الأوامر.

ومن بين المعركة العميقة المنفردة ظهرت ثلاث غرف عمليات منفصلة من دون خطة معركة متكاملة. ومن الواضح أن تدفق المعلومات انقطع مع دخول المشاة إلى المدن المستميتة في الدفاع عن نفسها، وفشلت القوات الروسية في فهم القوة التي كانت تواجهها. ولم تكن القيادة العليا على علم باستخبارات المعركة حول العدو، أو الواقع اللوجستي، أو تقارير المعركة، وبدلًا عن تفويض إصدار المزيد من الأوامر للقيادة على الأرض، أبقت زمام الأمور مشددة في يدها. وكانت معركة عميقة في أسوأ حالاتها.

تحسن بعد تعثر

وأردف الكاتب أن الأداء تحسن بسرعة. أولًا جرى التعامل مع المناطق الثلاث على نحو مختلف. وطُلب من المجموعة القتالية الشمالية القادمة من بيلاروسيا الانسحاب، وربما إرسال قوات إلى المعركة الرئيسة في الشرق. وحدث الشيء نفسه للفوج الجنوبي. وذهبت جميع الموارد إلى المجموعة الثالثة، تلك التي أخذت لوهانسك.

وطُبِّقت المعركة العميقة على المجموعة الحاسمة الوحيدة التي هزمت الأوكرانيين في لوهانسك. وبدلًا عن خوض الحرب على أنها معركة واحدة، اتخذت المفهوم الأولي، وقسمته إلى ثلاث غرف عمليات تأخذ منطقة واحدة، ومن المحتمل أن تعيد نشر جميع القوات باستثناء قوة احتلال، والباقي إلى الاتجاه الجنوبي، والذي إذا نجح قد يجعل الاتجاه الشمالي غير ذي صلة.

ولم تفشل المعركة العميقة بوصفها مفهومًا، ولكن تنفيذها الذي فشل. والمعركة التي يجب خوضها الآن أبسط. والتحرك نحو أوديسا سيكون وفق تنسيق معركة ناجحة. ومن المرجَّح أن تفهم القيادة العليا حالة المعركة، وتعطي الأوامر حسب الحاجة، مع مراقبة غرفة عمليات واحدة عوضًا عن ثلاث.

من ينتصر؟

ويعتقد الكاتب أنه ليس من الواضح على الإطلاق أن بإمكان روسيا الفوز في المعركة، منوهًا إلى أن التركيز على دونباس أعطى القوات الأوكرانية قدرًا كبيرًا من الراحة التي تمس الحاجة إليها، فضلًا عن وصول أسلحة جديدة، والتدريب على استخدام تلك الأسلحة. وكذلك بات الجنود الذين جربوا ساحة المعركة أكثر قابلية للتدريب من المبتدئين الذين واجهوا روسيا لأول مرة.

وتتجه روسيا الآن نحو مسرح عملياتها التالي، بقواتها الدامية والضباط الذين ذاقوا طعم الهزيمة والنصر. وهم يواجهون جيشًا أوكرانيًّا كبيرًا، ومتحمسًا، وداميًا، بأسلحة جديدة قوية.

ويختم الكاتب بقوله إن عقيدة المعركة العميقة فشلت في الاختبار الأول، لكنها حصلت على فرصة ثانية ضد عدو يقاتل في مجموعات صغيرة ذات توجه إستراتيجي، ولكن تكتيكاته تكمن في مستويات أقل بكثير، وهي عقيدة السلطة المنتشرة. وباستثناء الدم الذي سيُراق، سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما سيحدث.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي