لماذا اتفق أقصى اليمين واليسار في أمريكا على عدم دعم أوكرانيا؟

2022-07-14

من آثار الدمار الذي تسببت فيه الحرب في أوكرانيا (أ ف ب)

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تحليلًا أعدَّه جان دوتكيويتز، باحث بجامعة هارفارد، ودومينيك ستيكوتا، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة كولورادو ستيت، سلَّطا فيه الضوء على مسارعة كثير من اليمين واليسار في الولايات المتحدة، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، للدفاع عن نظام بوتين، أو حثهم القيادة الأمريكية على عدم التدخل للدفاع عن أوكرانيا، مشيرَيْن إلى أن الخطاب الدائر في أمريكا بشأن الحرب الأوكرانية أدَّى إلى تكوين توافقات غريبة بين أطياف سياسية متنافرة.

استهل الكاتبان تحليلهما بالإشارة إلى أن تاكر كارلسون، مذيع البرنامج الأكثر شعبية على قناة «فوكس نيوز» والقنوات الإخبارية الأمريكية، كان يتناول، منذ شهور، موضوعات نِقاشية مؤيدة للكرملين. وتنشر شخصيات يمينية أخرى باستمرار معلومات مضللة مناهضة لأوكرانيا وتهاجم إرسال أسلحة ثقيلة إليها. وفي الوقت نفسه، استشهد نعوم تشومسكي، المفكر اليساري، بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بوصفه نموذجًا للحنكة السياسية الجيوسياسية لمعارضته تسليح أوكرانيا.

والتزمت المصادر اليسارية، مثل «جاكوبين» و«نيو ليفت ريفيو» و«ديموكراسي ناو» بخط الحزب الذي يلقي باللائمة على توسُّع الناتو، مما أدَّى إلى الغزو الروسي، ومعارضة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فضلًا عن كثير من الحسابات اليسارية واليمينية على الانترنت التي تفتِّش عن أخطاء سياسات أوكرانيا ورئيسها.

وتسلط هذه التطورات الضوء على تحالف غريب بين طرفي الطيف السياسي، وهو ما يجعلنا نتساءل: لماذا؟ ويبدو أن ما نراه هو نسخة حديثة من نظرية «حدوة الفرس» السياسية، حيث يجد أقصى اليسار وأقصى اليمين أنفسهم في انسجام غريب، بدلًا من أن يكونا على طرفي نقيض. إلا أن هذا ليس له علاقة بالتناظر الأيديولوجي، ولا مع روسيا أو أوكرانيا، لكن الأمر يتعلق بالحالة المشحونة للسياسات الأمريكية، إذ لم يعُد الاعتماد على مفاهيم بسيطة عن «اليسار» و«اليمين» أو «المحافظ» و«التقدمي» مُجديًا لفهم التطورات السياسية.

«حدوة الفرس»

يوضح الكاتبان أن نظرية «حدوة الفرس» وضعها الفيلسوف الفرنسي جان بيير فاي، استنادًا إلى ملاحظته للتوافق بين الأحزاب الفاشية والشيوعية في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي في السياسة الداخلية الألمانية، وكان يعتقد أن المتطرفين السياسيين لديهم قواسم مشتركة أكثر بكثير مما قد يوحي به التفسير التقليدي للطيف السياسي. ولطالما تعرضت نظرية «حدوة الفرس» السياسية لانتقادات بسبب افتقارها إلى الصرامة الفكرية واستخدمها الوسطيون لتشويه سمعة خصومهم.

ويميل منتقدو النظرية إلى الإشارة إلى أن أي تقارب ظاهري في المواقف السياسية بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، مثل انتقادات الديمقراطية الليبرالية والعولمة والحلول القائمة على السوق لحل المشكلات الاجتماعية، هو أمر سطحي ويخفي في طياته تفضيلات أيديولوجية وسياسية أكثر عمقًا وتباينًا. وإذا كان هناك ثمة شيء يُوحِّد أقصى اليسار وأقصى اليمين، فإنه –وفق المنتقدين- معارضة الوسط الليبرالي، ولهذا السبب غالبًا ما يستخدم الوسط الليبرالي «حدوة الفرس» بوصفها هراوة. ومع ذلك، تستمر النظرية في الظهور، لأسباب ليس أقلها أن أقصى اليسار وأقصى اليمين يواصلان على ما يبدو التوافق في كل من الأفكار والسياسات.

ويكمن أحد أسباب ذلك في أن الطيف اليساري-اليميني التقليدي الأحادي البُعد لا يضع في الحسبان محاور أخرى للانقسام السياسي في السياسة الأمريكية، كتلك التي لا تهيمن عليها أي مفاهيم فكرية تقليدية للفكر التقدمي أو المحافظ، ولكن من خلال مواقف سلبية تجاه «التأسيس» وأشكال أوسع من الشعبوية. ولاحظَ أحد المعلقين أن الشعبوية في الولايات المتحدة ليست محصورة على اليمين من رافعي شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مرةً أخرى» من مؤيدي ترامب، بل إنها تنتشر عبر الطيف السياسي ومُوزَّعة على الشعبويين في اليسار السياسي (بين مؤيدي السيناتور بيرني ساندرز) واليمين (بين مؤيدي ترامب) على حد سواء.

يُنوِّه الكاتبان إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالغزو الروسي لأوكرانيا، فإننا لا نرى دعمًا كبيرًا لنظرية «حدوة الفرس» فحسب، ولكن أيضًا لأمرٍ يتجاوزها: فكرة أن نموذج اليسار واليمين البسيط لا يتيح لنا التعمق في فهم السياسة الأمريكية. فمنذ أن غزت روسيا أوكرانيا، دعم أغلب الأمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري موقف الحكومة الأمريكية: يدعمون تقديم المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، ومن المدهش أن هناك دعمًا كبيرًا من الحزبين للترحيب باللاجئين الأوكرانيين في أمريكا، لكن روسيا وجدت أيضًا حلفاء واضحين في أمريكا. ولا يخفى على أحد العلاقة الوثيقة بين عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية والكرملين، ما يجعل دعمهم لحملة الإبادة الجماعية التي يتزعمها بوتين أمرًا طبيعيًّا. لكن هناك عناصر من اليمين الأمريكي، ومنهم أعضاء في الحزب الجمهوري، انحازوا علنًا إلى روسيا منذ بدء الغزو.

وسواء قبل انهيار الاتحاد السوفيتي أو بعده، كان الحزب الجمهوري يناهض روسيا. وفي عام 2012، وصف ميت رومني، المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري آنذاك، روسيا بأنها العدو الجيوسياسي الأساسي للولايات المتحدة، لكن في عام 2022، خرج الجمهوريون جميعًا عن الخط الحزبي ليُخطِّئوا أوكرانيا ويرفضوا جهود الولايات المتحدة لمساعدتها. وهناك عدد من الاستعارات المتكررة في هذا الصدد، مثل الادِّعاء بأن توسُّع الناتو أجبر بوتين على الغزو، فضلًا عن التذرُّع بأن الأموال التي تُنفق على المساعدات العسكرية لأوكرانيا من الأفضل إنفاقها على حل القضايا المحلية.

وفي الوقت نفسه، يميل عديدٌ من اليساريين التقدميين، ومنهم منظمة «الاشتراكيون الديمقراطيون الأمريكيون»، إلى الوقوف إلى جانب الطرف المعتدي، روسيا (أو لا يدعمون الضحية، أوكرانيا، على الأقل) في أحد الأمثلة الواضحة على العدوان الاستعماري في العصر الحديث. ويستندون في ذلك إلى حجج اليمين نفسه، مثل توسُّع الناتو والمخاوف الأمنية المشروعة لروسيا، بالإضافة إلى إساءة استخدام الأموال التي يمكن استخدامها لحل المشكلات المحلية، لكنهم يعربون أيضًا عن مناهضتهم للحرب عمومًا، ويتبنون أحيانًا دعمًا صريحًا لروسيا، وكل حججهم مغلفة بمعارضة التدخل الأمريكي في الخارج، والتي تُفسَّر غالبًا على أنها «الإمبريالية الأمريكية».

إن ما جمع طرفي «حدوة الفرس» في واقع الأمر، عندما يتعلق الأمر بحرب أوكرانيا، ليس مجرد معارضة الصراع أو دعم روسيا، ولكنه الاستعداد لتبني أفكار من مختلف الأطياف السياسية التي تناسب هذه المواقف. أو، على عكس ما يدَّعيه منتقدو نظرية «حدوة الفرس»، لا نرى أوجه تشابه سياسية سطحية في أوكرانيا، لكننا نشهد تحالفًا أيديولوجيًّا أعمق بكثير، وإن كان انتهازيًّا.

يلفت الكاتبان إلى أن رأي جون ميرشايمر، باحث مؤثر جدًّا في العلاقات الدولية، يُعدُّ استدلاليًّا في هذا الصدد. وتمثَّل إسهام ميرشايمر الأكثر تأثيرًا في الجدل الدائر حول أوكرانيا في قوله إن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء نتيجة مباشرة لتوسُّع الناتو في مجال نفوذ روسيا في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، بما في ذلك مبادراته في أوكرانيا.

ووفق ميرشايمر، يتصدى الغزو الروسي لهذا التوسُّع الذي تقوده الولايات المتحدة. وعلى الرغم من حقيقة أن هذه النظرية قد لاقت اعتراضات واسعة منذ اليوم الأول للحرب، فقد انتشر تفسير ميرشايمر انتشارًا واسعًا، وأعادت وزارة الخارجية الروسية نشر تغريدته على صفحتها على «تويتر».

بيد أن التقارب الشديد بين طرفي «حدوة الفرس» يتجلى بوضوح في اتفاق كل من تشومسكي، أشد المنتقدين للسياسة الخارجية الأمريكية والتدخل الدولي الوحشي، وأفكار هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومهندس كثير من تلك السياسة الخارجية والتدخل الدولي الوحشي، بشأن نهاية الحرب في أوكرانيا.

دعا الرجلان الغرب وأوكرانيا إلى عدم تصعيد الحرب مع روسيا والسعي إلى «السلام». واستخدم المعلقون اليساريون واليمينيون، على حد سواء، رأي الرجلين لدعم مزاعمهم بشأن حرب أوكرانيا، ومن بينها مقال نشرته مجلة «نيويورك» مؤخرًا والذي تمكن من الاستشهاد برأيهما أن الولايات المتحدة ليس لديها الحق في التدخل في النزاع، ولكن عليها العمل لإقناع بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

أمرٌ لا بأس به أن نرى اليساريين يعترفون بأن كيسنجر معه حق وأن نرى الجمهوريين يأخذون برأي تشومسكي. ووفقًا لهذا الطرح، فإذا اتفق تشومسكي وكيسنجر (وميرشايمر)، فلا بد أنهم على حق، لكنهم ليسوا كذلك. إن بوتين نفسه صرح بذلك عندما قارن نفسه مؤخرًا مع قيصر روسيا بطرس الأكبر، مدعيًا حق روسيا في التوسُّع في مستعمراتها السابقة ومتخليًا عن ذريعة أن الاستفزازات الغربية لها تأثير كبير في قرار غزو أوكرانيا. وبذلك ذهبت أقوى حجة لتقارب طرفي «حدوة الفرس» أدراج الرياح: كانت الحرب خطأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من جميع أهدافهم ودوافعهم السياسية المتباينة، فإن ما يُوحِّد أقصى اليسار وأقصى اليمين هو علاقتهم بالسياسات الأمريكية. إن ما يقرِّبهم هو معارضة ما يرونه أخطاء الوضع الراهن وعدم ثقتهم في المؤسسة الأمريكية والمعاداة الفظة لأمريكا. ويبدو أن تصرفات النواب الأمريكيين المنتمين لليمين، مثل جرين، وكاوثورن، وبول جوسار، ومات جايتس وجميعهم يعارضون الدعم الأمريكي لأوكرانيا ضد روسيا، يُحركه بقوة حقيقة أن أمريكا دولة ديمقراطية متنوعة عِرقيًّا.

الدوافع الكامنة

يتطرق الكاتبان إلى أن هناك جانبًا آخر يتمثل في المشهد المستقطب للسياسة الأمريكية، إذ تتفوق الحزبية على المصلحة الوطنية، كما أن تقديم أي دعم لبايدن أمر غير مقبول بكل بساطة. وإذا اتخذ بايدن والديمقراطيون أي موقف، فلا بد أنه خاطئ ولا بد من معارضته بشدة. وهذا ما تجلى من خلال صورة التقطت من تجمع حاشد لترامب في عام 2018 تُظهر رجلين يرتديان قميصين مكتوب عليهما «أفضِّل أن أكون روسيًّا على أن أكون ديمقراطيًّا».

أما على صعيد اليسار التقدمي، فإن الدافع لا يرتبط بأي توافق مع سياسات بوتين ويتعلق بأكثر من مجرد عدم الثقة في السياسة الخارجية الأمريكية. ويستثمر عديد من الأمريكيين في هذه الدوائر السياسية كثيرًا في السرد القائل إن أمريكا تسببت في كثير من الآلام في الخارج من خلال الحروب المختلفة (مثل أفغانستان والعراق وفيتنام). ونتيجةً لذلك، فإنهم يميلون غريزيًّا إلى الرأي القائل إنه مهما كانت السياسة الأمريكية تجاه صراع خارجي، فإنها لا بد أن تتمحور حول مصلحتها الذاتية أو الإمبريالية.

وهذا سبب أن عديدًا من اليساريين ينتهي بهم المطاف بترديد النغمة الموالية للكرملين، وهي أن توسُّع الناتو عبارة عن إمبريالية أمريكية أحادية الجانب، والأغرب، الاستشهاد بآراء، مثل ميرشايمر وحتى كيسنجر، العدو التقليدي لليسار الأمريكي، لدعم وجهة نظرهم. ويفتقد هذا الإطار، بالطبع، سنوات من الضغط الذي مارسته دول مثل بولندا للانضمام إلى حلف الناتو أو الأسباب التي دفعت هذه الدول إلى اتباع هذا المسار السياسي.

وهذا لا يعني أن اليمين المتطرف واليسار المتطرف في الولايات المتحدة يشتركان في رؤية موحَّدة للسياسة الخارجية، لكنهما يشتركان في رؤية لحرب أوكرانيا: مناهضة ساذجة للتدخل. ولكن ربما بدلًا من مجرد تأكيد نظرية «حدوة الفرس»، فإن قيام هذه الشراكات الغريبة تجعلنا نُشكك في أي رؤية مبسَّطة للطيف السياسي بوصفه فضاءً سياسيًّا أحادي البعد من اليسار إلى اليمين.

ومع ذلك، يوجد كثير من اليسار، يُنظر إليهم على أنهم داعمون للأممية والعدالة الاجتماعية وسياسات إعادة التوزيع، ومنهم ساندرز، تخلوا عن دعمهم لأوكرانيا لأسباب تتفق مع سياساتهم الأوسع نطاقًا، بما فيها معارضة التدخل العسكري الأمريكي السابق في الخارج.

كما أن هناك كثيرًا من اليمينيين، الذين يؤمنون بالأسواق الحرة أو يشغلون مناصب اجتماعية سياسية محافظة عمومًا، دعموا تسليح أوكرانيا، أيضًا لأسباب تتفق مع سياساتهم، بما فيها رؤية دور قوي للولايات المتحدة في السياسة العالمية. ويوجد الوسط (بمعناه الواسع) أيضًا في الساحة السياسية، ومن هنا يأتي الإجماع النسبي على السياسة الفعلية. إذن ما الذي يفسر سبب انجذاب أطراف حدوة الفرس مغناطيسيًّا بعضها إلى بعض، بعيدًا عن بقية الطيف؟

إن هذه القوة المغناطيسية لا تأتي من المحتوى السياسي لأطراف الطيف. وكما أوضح فيليب كونفيرس، عالم السياسة في عام 1964، وأوضح باحثون آخرون، لا يتبنى الغالبية العظمى من الأمريكيين وجهات نظر أيديولوجية متماسكة. لكن الأشخاص الذين يفعلون ذلك هم الذين يتبنُّون قيمًا متطرفة. ومن ثمَّ، فإن القوة الكامنة وراء حدوة الفرس هي بُعد آخر من أبعاد السياسة التي من دونها يستحيل فهم سبب استشهاد أناس برأي تشومسكي وكيسنجر اللذين لن يتفقوا معهما أبدًا في كثير من الأمور. إنه البعد الشعبوي المناهض للمؤسسة في السياسة الأمريكية.

وأضحت الشعبوية شيئًا ذا دلالة فارغة، وأصبحت نوعًا من الاحتقار من وجهة نظر كثيرين. وارتبطت الشعبوية بقادة الجناح اليميني الأصليين، مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والسياسي البولندي ياروسلاف كاتشينسكي، وترامب، لكنها ارتبطت أيضًا بحملة ساندرز الرئاسية. وارتبطت الشعبوية تاريخيًّا في الولايات المتحدة بسياسات المساواة للحزب الشعبوي والحركة التقدمية اليسارية التي تلَت ذلك. أما هنا، فإن ما نعنيه بالشعبوية هو ببساطة نظرة إلى العالم تضع عامة «الشعب»، في مواجهة «النُّخب» التي يَعُدُّها الشعبويون فاسدة. وقد يعني هذا أشياءً مختلفة للشعوبيين المحافظين والتقدميين.

استقطاب شديد

أبرز الكاتبان أن ذلك يتجلى، من جانب اليمين المتطرف، في قومية «أمريكا أولًا» والانعزالية وعدم الثقة بالخبراء ووسائل الإعلام. وعلى جانب اليسار، يتجلى ذلك في عدم الثقة في المؤسسة الحزبية التقليدية وكذلك في المصالح التجارية والمعلقين السائدين. وهذا هو السبب في أن الشعبويين على جانبي حدوة الفرس لا يثقون عمومًا في الصحافة التقليدية السائدة ونخبتها الناطقة، ويبحثون كثيرًا عن معلومات من مصادر أكثر استقلالية ظاهريًّا ومتوافقة أيديولوجيًّا. وهذا يدفع الشعب إلى الانشغال بالداخل نحو انعزالية تنبثق من الاعتقاد بأنه عندما تتدخل أمريكا في الخارج، فإنها تفعل ذلك لصالح النخبة السياسية أو رجال الأعمال في البلاد.

وفي كلتا الحالتين، يُغذي ذلك معارضة ربما تكون أكثر وضوحًا في القضايا التي يتحقق فيها إجماع وطني نادر، مثل دعم أوكرانيا. وفي هذه الحالة، تقود الدوافع المتناقضة للشعوبيين من اليسار واليمين كلا الطرفين إلى تبني الموقف نفسه: موقف «كلا الطرفين» بشأن الحرب في أوكرانيا والإيقاع بالأوكرانيين في أيدي بوتين دون مساعدتهم. ويحدث ذلك، على الرغم من حقيقة أنه لا يوجد شيء متأصل في الفكر اليميني المتطرف أو اليسار المتطرف يدعو إلى دعم روسيا أو معارضة مساعدة الأوكرانيين في محنتهم. لذلك ربما لا تكون نظرية «حدوة الفرس» صحيحة تمامًا. ولا يعني ذلك أن أطراف الطيف السياسي تميل بطبيعتها بعضها تجاه بعض. وإذا كان هناك ثمة شيء، فإن أطراف الطيف السياسي تميل نحو عدم تجانس كبير في الآراء. وبدلًا من ذلك، فإن الدافع الشعبوي المناهض للمؤسسة من كلا الطرفين يقسِّم أتباعهم الذين يجدون أنفسهم متَّفقين على الرغم من أيديولوجياتهم.

وبطبيعة الحال، لا يساعد أن يكون الطيف السياسي التقليدي الأحادي البعد في حد ذاته استدلالًا ناقصًا لفهم مجمل الالتزامات السياسية للشعب، خاصة في الولايات المتحدة، حيث إن المطالبة بقدر ضئيل من توسُّع دولة الرفاهية نحو معيار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يجعل المرء يساريًّا وإنكار نتائج الانتخابات الديمقراطية يجعل المرء يمينيًّا إلى حد ما.

ويختم الكاتبان بالقول: ومع ذلك، فإن انتشار نوع معين من الشعبوية في كل من اليسار واليمين، والتي تشكل النقاشات على الإنترنت وفي وسائل الإعلام، وكذلك الرسائل السياسية وأولويات السياسة للسياسيين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، توضح أن الانقسام لا يسود المشهد السياسي فحسب، ولكن طبيعة الخطاب السياسي منقسمة بشدة. وهذه ليست مجرد مسألة استقطاب ولكنها مسألة أشد عمقًا: تتمثل في تزايد عدمية الفهم المشترك للواقع السياسي. ولا تعد أوكرانيا عنصرًا أساسيًّا في هذا الاتجاه، لكنها مجرد مثال قوي لما هو قادم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي