إلى أي مدى يتفق الغرب بشأن مواجهة روسيا؟

الأمة برس - متابعات
2022-07-13

قوات أمريكية (ا ف ب)

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تحليلًا أعدَّه توبياس بوندي، مدير إدارة الأبحاث والسياسات في مؤتمر ميونخ للأمن، وتوم لوبوك، عالم سياسة سابق في جامعة أكسفورد، أوضحا من خلاله كيف أصبح الغزو الروسي لأوكرانيا نقطة فاصلة لشعوب الدول الغربية، وإلى أي مدى تتوافق وجهات نظرهم بشأن ضرورة التصدي لروسيا وعدوانها، وذلك من خلال نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها الكاتبان وفريقهما.

استهل الكاتبان تحليلهما بالإشارة إلى ما تمخَّض عنه اجتماع قادة حلف الناتو في العاصمة الإسبانية مدريد مؤخرًا، من زيادة في عدد قوات الدفاع عن الحدود الشرقية للحلف، وإقرار المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف. ووفقًا لما أظهرته البيانات الجديدة المستقاة من استطلاعات الرأي العام، أسفر الغزو الروسي لأوكرانيا عن تقارب وجهات النظر بين أقوى أعضاء حلف الناتو.

وفي المفهوم الإستراتيجي، يصف حلفاء الناتو روسيا بأنها «التهديد الأبرز والمباشر لأمن حلفاء الناتو والسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية». وفي الوقت الراهن، تُظهر استطلاعات الرأي أن شعوب كندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أصبحت أكثر استعدادًا للرد بحزم على روسيا.

كيف أصبح الغزو الروسي لأوكرانيا نقطة تحول؟

يلفت الكاتبان إلى أن مؤشر ميونخ للأمن يُحلل تصورات الخطر العام في دول مجموعة السبع، بالإضافة إلى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا (مجموعة البريكس) – من خلال استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة «ذا كيكست سي إن سي» (The Kekst CNC) العالمية الرائدة في مجال الاتصالات الإستراتيجية.

وقد اختير المشاركون في الاستطلاعات من السكان البالغين من مجموعات البحث عبر الإنترنت باستخدام تصميم طبقي عشوائي يهدف إلى تكوين عينة تمثل العمر والجنس والمنطقة. واعتمدت النسخ السابقة من المؤشر على موجتين من الاستطلاعات تُجرى كل منهما في مارس (آذار) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2021 على الترتيب

وخلال الفترة التي سبقت قمة مجموعة السبع وقمة الناتو هذا العام، أجرى الباحثون موجة جديدة من استطلاعات الرأي في دول مجموعة السبع فقط لمعرفة كيف تغيرت تصورات الخطر العام منذ غزو روسيا لأوكرانيا. وتُموَّل هذا الجهود جزئيًّا من مكتب الصحافة والإعلام التابع للحكومة الألمانية. وتشير نتائج استطلاع شهر مايو (أيار)، الذي شارك فيه نحو ألف مشارك في كل دولة من دول مجموعة السبع، إلى أن ما بين 60 إلى 70% من المشاركين في الاستطلاع يتفقون مع مقولة إن «غزو أوكرانيا يُمثل نقطة تحول أو لحظة فاصلة في السياسات العالمية».

أما الأغلبية المطلقة في جميع الدول التي شملها استطلاع الرأي فقالت أيضًا «إننا ندخل حربًا باردة جديدة مع روسيا». وتتسق هذه النتائج مع استطلاعات الرأي الأخرى، بما فيها أحد الاستطلاعات الذي أشار إلى أن «انفصال أوروبا عن روسيا لا رجعة فيه، على الأقل على المدى القصير والمتوسط»، بينما سجل استطلاع آخر آراءً سلبية بشأن روسيا.

مواطنو مجموعة السبع على استعداد للتصدي لروسيا

ينوِّه الكاتبان إلى أنه بالمقارنةً مع نسخة نوفمبر 2021 من المؤشر، أصبح المشاركون في استطلاعات الرأي أكثر استعدادًا لرؤية بلادهم تتصدى لروسيا، اقتصاديًّا وعسكريًّا. واختفت تقريبًا الاختلافات السابقة بشأن كيفية تعامل الأوروبيين القاريين والأعضاء الناطقين باللغة الإنجليزية في مجموعة الدول السبع الكبرى مع روسيا. بل أصبح المشاركون في الاستطلاع من إيطاليا، الذين كانوا الأكثر ترددًا بشأن التصدي لروسيا في استطلاع نوفمبر 2021، وأكثر تشددًا حاليًّا من المشاركين في الاستطلاع من المملكة المتحدة، والأكثر تشددًا في استطلاع ذلك الشهر، في ذلك الوقت.

وأظهر الاستطلاع أن المشاركين لديهم استعداد أيضًا لتقديم الدعم العسكري. وقدمت دول حلف الناتو لأوكرانيا أسلحة ومعلومات استخباراتية ودعمًا غير عسكري لمقاومة العدوان الروسي. وبخلاف إيطاليا، التي كانت مخالِفة في الاستطلاعات الأخرى أيضًا، قال أغلب المشاركين إن على بلادهم بذل مزيد من الجهود لدعم أوكرانيا بالأسلحة. ومع ذلك، كانت شعوب كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أكثر دعمًا بصورة ملحوظة من هؤلاء الموجودين في أوروبا القارية لفعل المزيد لدعم أوكرانيا.

ويرجِّح الكاتبان أن مواطني مجموعة السبع يَبدون أقل اهتمامًا بالتصعيد من قادتهم. ويخشى بعض المسؤولين أن ينظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تزويد أوكرانيا بالأنظمة المتقدمة من الأسلحة على أنه سبب لمهاجمة دول الناتو، ومن ثمَّ، يظل الجدل حول نوع الأسلحة التي يجب على أعضاء الناتو إرسالها إلى كييف مستمرًّا.

وفي مقابل ذلك، كانت الأغلبية النسبية في إيطاليا (38%) وألمانيا (44%) وفرنسا (48%) والمملكة المتحدة (50%)، بالإضافة إلى الأغلبية المطلقة في كندا (51%) والولايات المتحدة (53%) تتفق مع المقولة التي مفادها أن «أعضاء حلف الناتو يتعين عليهم أن يتصدوا لروسيا بكل قوتهم حتى لو أدَّى ذلك إلى زيادة خطر التصعيد العسكري بين الناتو وروسيا». بينما كانت الدولتان، التي لم يتفق أكثر من ربع المشاركين فيهما مع المقولة، هما إيطاليا (27%) وألمانيا (26%).

تدعيم دفاعات الناتو

يوضح الكاتبان أن المشاركين في الاستطلاع كانوا، على ما يبدو، على استعداد لإعادة النظر في إجراء إصلاح شامل للجانب الشرقي لحلف الناتو، وهي إحدى القضايا الرئيسة التي نُوقشت في قمة الناتو.

وفي الوقت الذي كان فيه جزء كبير من الرأي العام في أعضاء الناتو، الذين شملهم الاستطلاع، لا يزالون مترددين (يتراوح بين 31% في ألمانيا إلى 41% في كندا وإيطاليا) بشأن ذلك، فإن الأغلبية في كندا (43%) وفرنسا والمملكة المتحدة (كلاهما 46%) وألمانيا (48%) والولايات المتحدة (49%) يقولون إن بلادهم «يجب أن تضاعف كثيرًا من وجودها العسكري على الحدود الشرقية لحلف الناتو».

وفي ظل غياب معارضة عامة واضحة، يُمكن للسياسيين في كندا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الاعتماد على الدعم العام لإحداث تغيير كبير في الموقف الإستراتيجي لحلف الناتو. وهذه هي الدول الأربع التي تقود جحافل قوات الأمن المتعددة الجنسيات المتمركزة بوصفها الجبهة الأمامية لحلف شمال الأطلسي في بولندا ودول البلطيق الثلاث.

توسيع حلف الناتو؟

يتطرق الكاتبان إلى ما أعاد قادة الناتو تأكيده من جديد بشأن القرار العام للحلف الصادر في عام 2008 بأن «أوكرانيا ستصبح عضوًا في حلف الناتو» دون تقديم خطة زمنية. وفي الوقت الحالي، لم تعد عضوية الناتو لأوكرانيا خيارًا عمليًّا بسبب الصراع المستمر مع روسيا والمخاوف من التصعيد.

بيد أن الباحثين وجدوا من خلال الاستطلاعات أن عدد المؤيدين يفوق عدد المعارضين في دول مجموعة السبع عندما يتعلق الأمر بقدرة أوكرانيا على الانضمام إلى الناتو. وكانت النتائج الخالصة التي جمعوها فيما يتعلق (بهؤلاء الذين يدعمون انضمام أوكرانيا أقل من أولئك الذين يعارضونه) بصفة عامة أقل قليلًا مقارنة بالأسئلة المتعلقة بعضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، لكن كان هناك اختلاف في وجهات النظر بين الأوروبيين القاريين وبين أعضاء الناتو الآخرين.

وتوصل الباحثون إلى محصلة النتائج بشأن مسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو وكانت على هذا النحو: أقل في إيطاليا (14% مؤيد) وألمانيا (16% مؤيد) وفرنسا (28% مؤيد)، مقارنة بالنتائج في الولايات المتحدة (44% مؤيد) والمملكة المتحدة (44% مؤيد) وكندا (58% مؤيد).

وخلال قمة الناتو، قرر القادة الأعضاء دعوة فنلندا والسويد للانضمام إلى عضويتهما. وتشير محصلة النتائج في كل دولة من دول الناتو، التي أُجريت عليها الدراسة الاستقصائية بشأن مدى ضرورة انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، إلى مستوى مرتفع من الدعم، بداية من إيطاليا (44% مؤيد) ووصولًا إلى كندا (65% مؤيد).

ويختتم الكاتبان تحليلهما بالقول: يبدو أن المشاركين في الاستطلاع، بصفة عامة، مستعدون لدعم الإجراءات التي تتجاوز إطار السياسة التي طالما وجَّهت النهج الغربي تجاه روسيا. وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن الناس يعتقدون أنهم في مواجهة ممتدة مع روسيا ومستعدون على نحو متزايد لمواجهة روسيا اقتصاديًّا وعسكريًّا. كما يبدو أن المشاركين في الاستطلاع منفتحون على توسيع عضوية الناتو لتشمل مزيدًا من الدول المتاخمة لروسيا، وبذلك يتضح أن الغزو الروسي لأوكرانيا أصبح بالفعل نقطة تحول للرأي العام الغربي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي