اليمن: العنف الزوجي سبب غير كافِِ للطلاق أمام المحاكم

إسماعيل الأغبري
2022-06-01

 صورة لصفاء وهي تروي قصتها

في مجتمع ذكوري متعصب وقانون ينحاز إلى الرجل، ترى وتسمع قصص زوجات تعرضن لأبشع أنواع العنف، وانتهى بهن الحال واقفات أمام القضاة في المحاكم مطالبات بالطلاق.

زوجات يطلقن نداءات استغاثة، ولا يسمعهن القضاء اليمني بوضوح.. بحت أصواتهن وفقدنا صحتهن جراء تعرضهن للتعنيف الزوجي وأنفقن أموالاً طائلة لنيل الحرية مجدداً.

وفي دهاليز المحاكم اليمنية تتراكم قضايا الطلاق، وقد تتعمر بعضها سنوات عدة تُعلق معها النساء، وتتعلق معها أيضاً حريتهن المسلوبة.

ثمانية عشر عاماً من العنف

عانت صفاء (28) عاماً -اسم مستعار- مرارة الظلم والقهر والإذلال منذ 18 عاماً، بعد أن زُفت وهي في ربيعها (العاشر) في قصة تداخلت فيها كل معاني الاستبداد الذكوري، حيث زُوجت (شغاراً) مقابل أن يتمتع أباها بزوجة إضافية دفعت صفاء طفولتها مهراً لها.

تبدأ (صفاء) بسرد قصتها منذ بداية زواجها قائلة: "رفض القاضي أن يبرم العقد حينما رأني قاصرة؛ الأمر الذي جعل والدي يستبدلني بأختي الكبرى أمام قاض آخر، تم العقد، وزفيت إلى زوجي الذي يكبرني بـ(12) عاماً، لتبدأ بعدها فصول العنف غير المنتهية".

تروي العشرينية وآثار الحروق في أنحاء جسدها الهزيل، بعد أن أقدم زوجها على إحراقها بطريقة غير مباشرة، حيث ترك قنينة الغاز مفتوحة وطلب منها تحضير إبريق شاي، ليشتعل بها الغاز ويلتهم معالم جمالها، ولم يكتفي بذلك فقط، بل تركها دون علاج.

تدخل (صفاء) بحالة من البكاء الشديد وهي تتذكر كيف فقدت طفلها الثامن بين أحشائها جراء قسوة العنف الزوجي الذي كادت أن تفقد حياتها تحت وطأته. وتضيف بأن الشك الذي يراود زوجها هو سبب تلك الفصول القاسية من الضرب المبرح الذي تعرضت له منه، وتلقي مسؤولية ما عانته على أبيها الذي وصفته بأنه باعها وقبض ثمنها امرأة لم تدُم زيجته منها سوى عامين، ونسيَ بأن ابنته تزوجت شغارا، فلم يطالب بها أو ينقذها من العذاب الذي تعيشه ليل نهار.

سبب غير كافِ للطلاق

بيدِ تظهر عليها علامات الحروق وآثار التعذيب وعيناها المشروغة بالدمع وقعت (صفاء) أمام القاضي ورقة إرجاعها لزوجها بعد خمسة أعوام من رفع دعوى طلاقها الأولى، وأخرى قبل خمسة أشهر، حيث نص الحكم إلزام الزوج بدفع مبلغ (1000) ريال يمني نفقة يومية لسبعة أطفال في حين يتقاضى الزوج قرابة (200,000) ريال يمني، مقابل تعهد وقعه الزوج بأن لا يعود للاعتداء على صفاء مجددا.

لم يكن العنف المتكرر الذي تعرضت له صفاء ويمنيات آخريات سبباً كافياً أمام القضاء اليمني للنطق بحكم الطلاق، لكنه كان سبباً كافياً لتنامي العنف الزوجي في المجتمع، إلى جانب أسباب أخرى كالظروف التي تعيشها البلد من غلاء الأسعار وانخفاض مدخول الأسر، ساهمت في تفشي هذه الظاهرة.

كريمة الأكحلي، محامية وناشطة حقوقية، ترى أن القانون اليمني لا يجرم العنف ضد الزوجة، ولا يعتبر العنف بحد ذاته سبباً من أسباب الطلاق ما لم يقرن بالضرر الناتج عن هذا العنف.

وأوضحت الأكحلي: "وقوع الضرر هو السبب الوحيد للمطالبة بالطلاق في قضايا العنف وفق القانون اليمني، إلا أنه يصعب إثبات الضرر، لأنه يعتبر سبب عقيم ولا يمكن الاعتماد عليه، وفي أغلب الحالات يلجأ المحامي لاعتماد مبرر الكراهية كسبب أساسي لرفع دعوى الطلاق، بينما العنف لا يعتد به كسبب لطلب الطلاق، ويلزم مع الكراهية إرجاع المهر المكتوب في العقد، ويلجأ المحامي لإثبات العنف بأي وسيلة كانت، سواء تقارير طبية أو محاضر شرطة أو حتى شهادات شهود، وهو ما يؤدي إلى إطالة أمد النزاع، ويزيد عبئ الإثبات على كاهل المرأة وكذلك مخاسير التقاضي الأمر الذي يجبرها على تفضيل ترك القضية بدلاً من مواصلة النضال القانوني لانتزاع حقوقها".

معدل متنامي

أشار تقرير صادر عن اتحاد نساء اليمن للعام (2021م) بأن معدل العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الزوجي شهد ارتفاعا خلال الأعوام الأخيرة، وذلك نتيجة لتدهور الوضع الإنساني جراء سنوات من الصراع المدمر الذي تشهده اليمن، وكذا آثار جائحة كورونا.

وأورد التقرير أن "الاتحاد قدم العون القانوني في العام 2019م لـ(655) امرأة من المعنفات في المجتمع والحصول على أحكام لصالح قضاياهن (فسخ – نفقة – اغتصاب – قتل)، بينما في العام 2020م، قدم العون القضائي لـ(1122) امرأة معنّفة وحصلن على حقوقهن بعد تعرضهن للاعتداءات الزوجية". وبمقارنة بسيطة يتضح ارتفاع معدل العنف الزوجي في الأعوام الأخيرة، فقط ضمن الحالات التي وصلت إلى اتحاد نساء اليمن.

قصور في التشريعات

 تسعة أعوام قضتها (م .ع) وهي تطالب بحقها في الحصول على الطلاق بعد أن شاهدت الموت جراء تعرضها لحادثة تعنيف من زوجها في ساحل مدينة عدن، وقالت: "شدني زوجي من شعري وأغرقني في البحر لأدخل حالة إغماء، وبعد هروبي من زوجي، تقدمت بدعوى لطلب الطلاق، لكن مطالبتي هذه استمرت لتسعة أعوام، بسبب تجاهل القضاء للعنف الذي تعرضت له من زوجي كما تجاهل أبي العنف الذي تعرضت له أيضاً من زوجته التي تزوجها عقب وفاة أمي، إذ زوجني أبي وأنا ابنة ستة أعوام فقط، متخلصاً من مسؤولياته الأبوية والإنسانية في حمايتي". وتصف (م . ع) حالتها كالمستجير من الرمضاء بالنار.

 المحامي زياد الدبعي يرى بأن هناك قصوراً نسبياً في بعض التشريعات، بالإضافة إلى الجهل القانوني لدى المجتمع بحقوق المرأة، وعدم وجود تفاصيل لدى العاملين على إنفاذ تلك الحقوق وإنقاذ القانون مثل مأموري الضبط القضائي، وأعضاء السلطة القضائية الأمر الذي يجعل المرأة عرضة للتعنيف.

ويضيف الدبعي: "هناك عدد من النساء يجدن في الزواج مخرجاً من العنف الأسري، وفي المقابل هناك حالات أخرى نجد فيها العديد من المتزوجات يلجأن للمحاكم لطلب الطلاق هرباً من عنف الزوج، وتطول معاناتهن نتيجة للإجراءات المطولة في المحاكم والتي تستمر لسنوات".

  • %52 من اليمنيين قالوا أن قضايا الطلاق تستمر لأكثر من ثلاثة أعوام

بحسب استبيان أجريناه لإعداد هذا التقرير، فقد أظهرت النتائج أن ما يزيد عن 96% ممن شاركوا في الاستبيان سمعوا عن العنف الزوجي، في حين أن 65% منهم شهدوا حادثة - على الأقل - تتعلق بالعنف، وأوضح الاستبيان أن معظمهم لا يبررون العنف بجميع أشكاله وصوره.

وبينما يرى 75% من الذين أجابوا على الاستبيان أن القضاء اليمني لا ينصف المرأة المعنّفة؛ فإن أكثر من 52% منهم قالوا بأنهم سمعوا عن قضايا طلاق تتعلق بالعنف الزوجي طال أمدها فوق ثلاث أعوام.

ـ أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي