السينما تعبر الزمن وتغيّر المصير

2022-05-14

لورين ريدلوف في فيلم "Eternals" لمارفل. (صوفي موتيفيليان / استوديوهات مارفيل) طاهر علوان*

لا شك أن إشكالية الزمن كانت ولا تزال واحدة من أهم ما تصدى له العقل البشري، فضلا عن استخدامها ثيمة في ذلك النوع من الإبداع الذي يمزج الواقع بالخيال، وكل ذلك يتجه باتجاه محاولات وأحلام وتمنيات وتجارب علمية تعنى بموضوع العودة بالزمن إلى الوراء أو الذهاب بعيدا لاستكشاف شكل المستقبل، وهي ثيمة اشتغل عليها الفيلم الأميركي “الأبديون”.

تحضر إشكالية الزمن بقوة في العشرات من التجارب السينمائية، وعلى الرغم من تلك البدايات الأولى التي استخدمت عامل الزمن منذ بواكير السينما، إلا أن السينما لا تزال تشتغل على هذه الثيمة.

ومما لا شك فيه أنه فضلا عن القدرات الخارقة والبطولات الفردية المبهرة والاستثنائية، تعتبر هذه الأفلام في طليعة ما تم استخدامه من تقنيات وإبهار بصري وأنظمة رقمية وخدع سينمائية، ويمكنك في نهاية هذا الفيلم وأفلام مارفيل الأخرى التي تنتمي إلى نفس هذا النوع، أن تلحظ جيشا من التقنيين والمتخصصين في الغرافيكس والخدع السينمائية والتقنيات ثلاثية الأبعاد، فضلا عن ذوي المهارات الفائقة في المؤثرات الصورية والصوتية الخاصة، وبذلك حرصت مارفيل على توفير متعة بصرية متناهية، فضلا عن قصص المغامرات المشّوقة.

السينما تنقلنا بين الأزمنة المتعددة إلى العالم المستقبلي الافتراضي لتجسم أزمة الكائن البشري في تحولاته الكبيرة.

هذا التنوع الزمني ينعكس أيضا من خلال التنوع في الأحداث والشخصيات، بما يجعل مساحة الدراما تتسع باتجاه الصراع الكوني الذي يقدمه الفيلم في شموليته من دون أن يتأطر في حيز زمني أو يجسد العبور عبر الزمن من خلال مساحة زمنية، كما هو الحال في فيلم “الأبديون”.

وكنا قد عرضنا لفيلم “مشروع آدم” وهو فيلم آخر ينتمي إلى هذا النوع، ويشكل اللقاء بين شخصيتي آدم في مساحتين زمنيتين مختلفتين الركن الأساس في الفيلم، فضلا عن الملامسة المؤثرة والإنسانية في العلاقة مع الوالدين وكيف تترجم عاطفيا، وما يتمنى المرء أن يكون عليه وما يتمنى أن يفعله ولم يفعله في الماضي، وهو ما أضاف مساحة ذات قيمة في البناء الفيلمي، إضافة إلى المواجهات القائمة على فكرة الصراع.

أما في فيلم “ماتريكس” فهنالك المصفوفة التي هي وجود جمعي يمثله نيو (الممثل كيانوريفز)، وهو ليس إلا فردا في منظومة واسعة، فهو في الجزء الأول كان مجرّد مبرمج عادي، ولكنه ما يلبث أن يتلقى سلسلة من الرسائل الغامضة التي سوف تدفعه قدما باتجاه الغوص في عالم جديد لم يعهده من قبل، إنه عالم من ينتمي إلى زمن آخر ويتدفق بالأسلئة والغموض، وما يلبث أن يتحول إلى امتحان وجودي يتعلق بكل هذا الإرث الذي وجد الكائن البشري نفسه في وسطه، وهنا تبدأ إشكاليّة التأويل التي انشغل بها الكثير من النقاد والمحللين، بسبب الإحالات اللاهوتية والتاريخية والميثولوجية التي يحملها الفيلم بالتزامن مع إشكالية عبور الزمن، من مورفيوس إلى زايون وصولا إلى تلك المملكة الافتراضية التي سوف تقام على تخوم بلاد وادي الرافدين.

وخذ هذه الانثيالات الشعرية التي ينطق بها نيو “لا أعلم عن المستقبل. لم أحضر إلى هنا لأخبرك كيف سينتهي هذا الأمر. لقد جئت إلى هنا لأخبرك كيف ستبدأ، سأقوم بالإغلاق وبعد ذلك سوف أري هؤلاء الأشخاص ما لا تريدهم أنت أن يروه. سوف أريهم عالما مستقلا من دونك، عالما بلا قيود ولا ضوابط وبلا حدود، عالما كل شيء فيه ممكن. أما أين نذهب من هناك أو إلى أين تذهب فذلك خيار أتركه لك”.

ذلك هو العالم المستقبلي الافتراضي الذي عنيت به السينما ونقلتنا بين الأزمنة المتعددة، لتجسم أزمة الكائن البشري في تحولاته الكبيرة والمهمة.


*كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي