شيرين أبو عاقلة أيقونة الثورة الفلسطينية التي تختمر

الأمة برس - متابعات
2022-05-13

الإعلامية الفلسطينية الراحله شرين أبو عاقلة (أ ف ب)

منذ شهور، تختمر ثورة في الضفة الغربية المحتلة، حيث فقدت السلطة الفلسطينية سيطرتها على مدينة جنين في حين وحدت الاجتياحات الإسرائيلية الليلية جميع الفصائل.

ويعاني "الشاباك" من العجز والارتباك بسبب العمليات التي نفذها فلسطينيون خلال الفترة الماضية، ومن اللافت أن منفذي الهجمات لا تربطهم صلة ببعضهم البعض، ناهيك عن صلتهم بالفصائل المسلحة. ولا يوجد دليل على أن هذه الهجمات منظمة أو منسقة. ويبدو أن القاسم المشترك هو الرفض المتزايد للتسامح مع الاحتلال.

وليست هذه جولة قتال دورية تنطفئ جذوتها عندما تحرق المعركة نفسها أو عندما يصدر الإسرائيليون المزيد من تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين وبذلك تعود الحياة إلى طبيعتها في هذا الجزء من العالم.

هذه المرة، الأمر مختلف. هناك جيل جديد من الفلسطينيين، كثير منهم لم يولدوا عندما اندلعت الانتفاضة الأولى أو الثانية، ويبدو أن هذا الجيل على أهبة الاستعداد لتصعيد القتال. ولا يعرف هؤلاء الخوف ولا زعيم لهم.

وقبل يومين فقط، لم يكن أمام هذا الجيل اسم أو وجه أو أيقونة لقيادته. والآن جاءتهم الفرصة. وهي سيدة فلسطينية هذه المرة. نتحدث هنا عن "شيرين أبو عاقلة".

وكانت "أبو عاقلة"، مراسلة قناة الجزيرة المخضرمة، وسط مجموعة من الصحفيين بالقرب من دوار خارج مخيم جنين للاجئين الأربعاء. وقد تجمعوا، كما فعلوا في معظم الأيام، لتغطية اقتحام لمخيم جنين واشتباكات لاحقة في أزقة المخيم بين القوات الإسرائيلية والمقاومين الفلسطينيين.

ومن الأهمية ذكر المكان الذي حدث فيه إطلاق النار. فقد كان الصحفيون يقفون عند دوار لا يجرؤ المقاتلون الفلسطينيون على المجازفة بدخوله، لأنهم سيكونون في العراء ويفتقرون إلى الغطاء. وتواترت شهادات شهود العيان على أن تبادل إطلاق النار في الأزقة كان بعيدا عن مكان تجمع الصحفيين.

رواية شاهد عيان

أوضحت الصحفية "شذى حنايشة"، التي كانت بجانب "أبو عاقلة" عندما أصيبت بالرصاص، أن الصحفيين عرّفوا أنفسهم لدى القوات الإسرائيلية قبل عشر دقائق من التحرك أعلى التل باتجاه المخيم. ولم يتم إطلاق أي طلقات تحذيرية. وأصيب زميلها، منتج الجزيرة "علي الصمودي"، بضربة أولى في ظهره. ثم حوصرت "أبو عاقلة" و"حنايشة" على الجانب الآخر من الشارع تسندان ظهريهما إلى الجدار الذي به تحتميان من وابل الرصاص المنهمر عليهما.

وقالت "حنايشة": "في ذلك الوقت، اخترقت رصاصة أخرى رقبة شيرين، وسقطت على الأرض بجواري. ناديتها لكنها لم تتحرك. وعندما حاولت مد ذراعي للوصول إليها، أُطلقت رصاصة أخرى، واضطررت للبقاء مختبئة خلف شجرة. تلك الشجرة هي التي أنقذت حياتي، لأنها كانت الشيء الوحيد الذي كان يعيق رؤية الجنود لي".

وأقر الجيش الإسرائيلي بأن جنوده كانوا ينفذون عملية في المنطقة في ذلك الوقت، وسرعان ما حاولوا إلصاق إطلاق النار بالمقاومين الفلسطينيين. وأضاف أن تبادل إطلاق النار وقع بين قواته ومقاومين فلسطينيين، وإنه يحقق في ما إذا كان "صحفيون أصيبوا ربما بنيران فلسطينية".

ولإثبات هذه النقطة، قام كل من الجيش والسفارة الأمريكية بتغريد مقطع فيديو لمسلحين فلسطينيين في جنين وهم يطلقون النار في زقاق، في محاولة للإشارة إلى أنهم هم المسؤولون. وزارت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية غير الحكومية المكان الذي التقطت فيه تلك اللقطات وقالت إنه من المستحيل إصابة "أبو عاقلة" من هناك.

ويعد اندفاع السفارة الأمريكية بقوة لدعم رواية الجيش الإسرائيلي أمرا مثيرا للانتباه أيضا.

لا حاجة للاعتذار

ولا يرى الإسرائيليون أنهم ارتكبوا ما يستوجب الاعتذار. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "ران كوخاف" لراديو الجيش إنه "حتى لو أطلق الجنود الإسرائيليون النار على شخص غير مشارك أو أصابوه، فقد حدث هذا في معركة، أثناء تبادل لإطلاق النار، حيث كان هذا الفلسطيني بجوار الطرف الآخر. لذلك قد يحدث هذا الشيء".

ووصف "كوخاف" "أبو عاقلة" بأنها "تصور وتعمل لصالح وسيلة إعلامية وسط فلسطينيين مسلحين. وهم مسلحون بالكاميرات، إذا صح لي قول ذلك".

ويتفق زملاء "كوخاف" مع هذا الرأي. وقال الناطق السابق بلسان الجيش الإسرائيلي "آفي بنياهو": "لنفترض أن شيرين أبو عاقلة قُتلت برصاص الجيش. لا داعي للاعتذار عن ذلك".

وكان عضو الكنيست الإسرائيلي اليميني المتطرف "إيتمار بن غفير" أقل مواربة، حيث غرد قائلا: "أنا أؤيد الجنود الإسرائيليين بشكل كامل، لأن مراسلي الجزيرة غالبا ما يعرقلون عملهم من خلال الوقوف عمدا في منتصف ساحة المعركة".

ومن الواضح أن الإجابة هي: "حتى لو قتلها قناص إسرائيلي، فما هي مشكلة إطلاق النار على الصحفيين؟"

ولا تعد "أبو عاقلة" أول من يقتل من الصحفيين برصاص قناص إسرائيلي. فقبل أسبوعين فقط، قُدمت مذكرات قانونية إلى المحكمة الجنائية الدولية توضح الاستهداف الممنهج للصحفيين العاملين في فلسطين.

وقدم الدعاوى الاتحاد الدولي للصحفيين، ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، ومركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين، وذلك بالنيابة عن 4 صحفيين هم "أحمد أبو حسين" و "ياسر مرتجى" و "معاذ عمارنة" و "نضال اشتية"، الذين قُتلوا أو تعرضوا لإصابة بالغة أثناء تغطية المظاهرات في غزة.

وقالت نقابة الصحفيين الفلسطينيين في عام 2020 إن ما لا يقل عن 46 صحفيا قتلوا في فلسطين منذ عام 2000، ولم تتم محاسبة أي جندي أو ضابط إسرائيلي واحد. وتقول الدعاوى المقدمة إن الأحداث يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب.

شهيدة من أجل القضية الفلسطينية

يمكننا أن نكون على يقين من شيء واحد من الدول التي تدعي الوقوف في جانب الحق رداً على جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا، ألا وهو أن موت "شيرين أبو عاقلة"، الفلسطينية الثامنة والخمسين التي تقتل هذا العام، سيقابل بصمت مطبق، كما حصل في كل الحالات السابقة.

لكن لن يكون هناك صمت من الجانب الفلسطيني. ففي غضون دقائق من وفاتها في المستشفى، حملت الجموع الفلسطينية جثمان "شيرين أبو عاقلة"، وطاف به حاملوه من كافة الفصائل في شوارع جنين، لا تفرقهم الانتماءات الدينية، بل وقف المقاتلون المسلمون يدعون لها في جنازة مسيحية.

وأصبحت "شيرين أبو عاقلة" المسيحية المقدسية شهيدة في سبيل القضية الفلسطينية. لقد كانت معروفة منذ زمن بعيد لملايين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم بأنها وجه الانتفاضة الثانية. وهي صحفية مخضرمة، غير مرتبطة بأي فصيل سياسي، غطت كل حدث منذ ذلك الحين بنفس المهنية التي دفعتها إلى التواجد أمام ذلك الدوار في جنين صباح الأربعاء.

وكانت "أبو عاقلة" هناك منذ بداية قناة الجزيرة. وفي مقطع فيديو بمناسبة الذكرى الـ 25 لتأسيس القناة، أوضحت "أبوعاقلة" دوافعها للاستمرار، قائلة: "لن أنسى أبدا مقدار الدمار أو الشعور بأن الموت كان قريبا جدا منا.فبالكاد كنا نرى البيوت، نحمل كاميراتنا وننطلق عبر حواجز التفتيش العسكرية والطرق غير المعبدة، نقضي الليالي في المستشفيات أو مع الناس الذين لم نكن نعرفهم من قبل، ورغم الخطر، كنا نصر على الاستمرار في العمل".

وتابعت: "كان ذلك في عام 2002، عندما شهدت الضفة الغربية غزوا لم تشهده منذ الاحتلال عام 1967، وفي اللحظات الصعبة، تغلبت على خوفي لأنني اخترت الصحافة لأكون قريبة من الناس. ربما ليس من السهل بالنسبة لي تغيير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال هذا الصوت إلى العالم".

وتتشابه دوافع الجيش الإسرائيلي مع تلك التي لدى الجيش الروسي في أوكرانيا أو الجيش المصري في سيناء لمنع أي تحقيقات صحفية مستقلة حول ما يقومون به من أعمال. يعلمون بأن ما يفعلونه غير شرعي، ولذلك يرغبون في وأد أي تقارير حول الأحداث تتحدى رواياتهم هم عنها.

وبهذه الطريقة لا يوجد سوى حقيقة واحدة حول العمليات التي تجري، ومنها تلك التي كانت تنفذ في جنين، إنها الحقيقة كما يقدمونها هم. وتجدهم يزدادون عزماً على إبقاء الحال على ما هو عليه. كان حضور "شيرين أبو عاقلة" يعيق مساعيهم، ولذلك قتلوها.

فنان يرسم صورة للصحافية الفلسطينية الراحلة شيرين ابو عاقلة في غزة في 12 أيار/مايو 2022 (اف ب)

صمت ساخر

لكن إسرائيل بحاجة إلى غطاء دولي لمواصلة جرائمها، وهذا الغطاء يتم توفيره من قبل نفس الدول التي تحارب روسيا بيقين راسخ بأنهم في معارضتهم لأفعالها يقفون في خندق الحق.

وتشمل هذه الدول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التي أعلنت قبل 24 ساعة فقط عن نيتها من خلال خطاب الملكة عن سن تشريع يحظر على المجالس المحلية والكيانات الحكومية بمختلف مستوياتها المشاركة في حملات مقاطعة إسرائيل، بهدف منع دعم حركة المقاطعة الفلسطينية.

إذن نحن نحظر المقاطعة، ونحظر العمل غير العنيف، ونوفر الغطاء عندما يقتل القناصة الإسرائيليون الصحفيين عمدا. لا يمكن أن يكون هناك ضوء أخضر أكثر وضوحا لإسرائيل لمواصلة ما تفعله.

وقبل أسبوع، قضت المحكمة الإسرائيلية العليا بإمكانية طرد 1000 فلسطيني من منازلهم في المناطق المحتلة في الضفة الغربية حتى تخصص تلك الأراضي للاستخدام العسكري، وهي واحدة من أكبر عمليات طرد الفلسطينيين منذ بدء الاحتلال عام 1967.

لقد ضحت "أبو عاقلة" بحياتها لتظهر للعالم حقيقة ما يجري، وهي ليست وحدها بأي حال من الأحوال. فهناك فلسطينيات شجاعات يقمن بنفس الشيء. ويبقى عملهن وصمة عار في جبين العالم الغربي الذي يشهر سيف القيم الأخلاقية عندما يناسبه ذلك، ويتخلص منها ويلقيها في مكب النفايات عندما لا تكون على هواه.

ويدعي الغرب أنه يدافع عن الديمقراطية وحرية التعبير عندما يقاتل أعداءه، لكنه يبقى صامتا بشكل مثير للسخرية عن تجاوزات حلفائه.

لكن هذه الوصمة لن تزول بمرور الوقت. فهي غير قابلة للمحو.

ويمكن القول إن وزراء خارجية الولايات المتحدة، من التيار اليميني إلى التيار الليبرالي، يتحملون الوزر عن مقتل "أبو عاقلة"، تماما مثل القناص الذي ضغط بإصبعه على الزناد.

ديفيد هيرست - ميدل إيست آي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي