كيف ساعدت أقمار الإنترنت الخاصة بإيلون ماسك أوكرانيا في الحرب؟

2022-05-10

الملياردير الأمريكي إيلون ماسك (ا ف ب)

أثبتت خدمات الإنترنت ذات النطاق العريض والانتشار السريع (الإنترنت عبر الأقمار الصناعية مباشرة) أنها بالغة الأهمية أثناء الحرب في أوكرانيا وغيرها من حالات الطوارئ. وحول هذه المسألة، نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا لفيفيك وادوا، رجل أعمال أمريكي وأكاديمي في مجال التكنولوجيا، وأليكس سالكيفر، كاتب صحفي متخصص في الشؤون التقنية.

استهل الكاتبان مقالهما بالإشارة إلى ما كتبه الملياردير إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة «سبيس إكس» ومؤسسها، التي أطلقت خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في عام 2020، على منصة «تويتر» في 26 فبراير (شباط) 2022: إن «خدمة ستارلينك تعمل حاليًا في أوكرانيا. وهناك مزيد من المحطات في الطريق»، معلنًا بذلك عودة الاتصالات ذات النطاق العريض إلى المناطق المُعتمة في أوكرانيا. ويقول الكاتبان أنه نادرًا ما تؤثر الأعمال التجارية في الجغرافيا السياسية، ولكن هنا أصبحت خدمة «ستارلينك» في أوكرانيا، التي مزَّقتها الحرب، بمثابة شريان حياة لتدفق المعلومات، مما يجعل المستشفيات المتضررة على تواصل، وتؤدي ستارلينك دور حلقة وصل للطائرات من دون طيار التي تستهدف القوات الروسية بالقصف المدفعي.

ويقول الكاتبان: استخدمت قوات الاستطلاع الجوية الأوكرانية خدمة «ستارلينك» للاتصال مباشرة بالطائرات من دون طيار التي ضربت العديد من الدبابات الروسية، ومراكز القيادة المتنقلة، والمركبات العسكرية الأخرى. وزوَّدت كييف المدارس، وإدارات مكافحة الحرائق، والحكومات البلدية، بمحطات «ستارلينك». وأفادت وزارة الصحة الأوكرانية أن 590 مستشفى، وعيادة حصلت على محطات ستارلينك لمساعدتها على البقاء على تواصل أثناء الحرب في أواخر مارس (آذار) 2022.

ونقلت شبكة «إن بي سي نيوز» الأمريكية ما ذكره ميخايلو فيدوروف، وزير التحول الرقمي في أوكرانيا، أن هناك أكثر من 10 آلاف محطة ستارلينك طرفية تعمل حاليًا في أوكرانيا. وعلى النقيض من أبراج البث لخدمات الهواتف المحمولة، تُعد أطباق الأقمار الصناعية، التي تستخدمها القوات الأوكرانية لاستقبال خدمة ستارلينك، صغيرة؛ إذ يبلغ عرضها حوالي 23 بوصة (تقريبا 81.2سم) ، ويمكن تحريكها بسهولة لتفادي الاكتشاف والتدمير.

ويضيف الكاتبان أنه قد كشف جندي أوكراني يُدعى (ديما) للصحافي البريطاني ديفيد باتريكاراكوس أن «خدمات ستارلينك هي التي غيَّرت مسار الحرب لصالح أوكرانيا. وانحرفت روسيا عن طريقها لتدمير كل وسائل الاتصال الخاصة بنا، لكنهم لا يستطيعون ذلك حاليًا؛ لأن ستارلينك تعمل تحت نيران الكاتيوشا، وتحت نيران المدفعية، بل تعمل في مدينة ماريوبول».

ستارلينك غيَّرت مسار الحرب في أوكرانيا

يوضح التقرير أن محطات ستارلينك تتميز بالمرونة والقدرة على التكيُّف. وكما غرَّد فيدوروف قائلًا: «لم يكن من الممكن استعادة عشرة كيلومترات من اتصال الكابلات بين القرى في منطقة تشيرنيجيف بعد هذه المعارك الدامية والخطيرة بهذه السرعة من دون ستارلينك». يقول ديف تريمبر، مدير الحرب الإلكترونية في مكتب وزير الدفاع الأمريكي: إنه «عندما لجأت روسيا إلى الجهود المضادة الإلكترونية، استخدمت ستارلينك ببساطة تحديثات البرامج لمنع ذلك»، مضيفًا أن السرعة التي تصدَّت بها ستارلينك للهجوم كانت «مذهلة».

ويضيف الكاتبان: لا يقتصر مثل هذا العمل البالغ الأهمية على أوكرانيا؛ ففي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي 2021، عندما تسببت سلسلة من الأعاصير العاتية في فصل خدمة الإنترنت عن عدد من التجمعات السكنية الصغيرة غرب ولاية كنتاكي الأمريكية، أعاقت الخدمة المفقودة جهود الاستجابة للطوارئ؛ أرسلت ستارلينك الفنيين وأطباق الأقمار الصناعية التي توفر الاتصال في حالات الطوارئ في غضون 24 ساعة.

ويتجاوز تأثير أبراج السواتل الجديدة ذات المدار الأرضي المنخفض، مثل ستارلينك، توفير إنترنت عريض النطاق إلى ما هو أبعد من مناطق الحروب والكوارث الطبيعية. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يفتقر 19 مليون أمريكي، 6% من السكان، إلى الوصول إلى النطاق العريض للاتصالات، وكثير منها في مناطق ريفية غير مكتظة بالسكان. وعلى الرغم من أن الشبكات الخلوية اللاسلكية من الجيل الخامس (5G) قد تُحسِّن كثيرًا من إمكانية ملايين الأشخاص حول العالم من الحصول على البيانات، فإن نطاقها محدود. وبعيدًا عن المناطق المكتظة بالسكان؛ ستترك شبكة (5G) كثيرًا من مناطق حول العالم دون تغطية.

ويستطرد الكاتبان: من دون المساعدات الحكومية، يصبح توفير شبكات النطاق العريض الأرضي إلى المناطق الريفية النائية أمرًا مكلفًا. ومع ذلك لا يمكن أيضًا أن نقول إن خدمة النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية تتوفر مجانًا؛ إذ تُعد خدمة ستارلينك لمعظم الأمريكيين، الذين يعيشون في المناطق الريفية، ناهيك عن شعوب العالم النامي، باهظة التكلفة؛ إذ تحتاج الخدمة 599 دولارًا للتركيب، و110 دولارات إضافية شهريًّا للمخطط الأساسي. (وخلافًا لما تقوله «سبيس إكس» تدفع الحكومة الأمريكية مقابل جزء كبير من محطات ستارلينك المُرسَلة إلى أوكرانيا، بينما تتكفل الشركة بالجزء الباقي، بالإضافة إلى التنازل عن تكلفة الاستفادة من الخدمة نفسها).

إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا الأمريكية للسيارات الكهربائية (موقع الشركة)

احتدام المنافسة تصب في مصلحة المستهلكين

يُنوِّه التقرير إلى أنه في الوقت ذاته انخفضت تكلفة إطلاق الأقمار الصناعية، وذلك بفضل زيادة المنافسة والابتكار. وقد تمكَّنت «سبيس إكس»، من خلال صاروخ «فالكون 9»، من تخفيض تكاليف الشحن الفضائي إلى 2600 دولار لكل كيلوجرام، بانخفاض يُقدَّر بثلاثة أرباع القيمة التي كانت تدفع قبل 20 عامًا، والتي بلغت حوالي 10 آلاف دولار لكل كيلوجرام. وأصبح هذا ممكنًا بصورة جزئية من خلال قدرة الشركة على إعادة استخدام منصات إطلاق الصاروخ. ويساعد الجيل القادم من صواريخ «سبيس إكس» الثقيلة في زيادة تخفيض التكلفة لتبلغ 1500 دولار لكل كيلوجرام. وإلى جانب «سبيس إكس» ومنافستها «بلو أوريجين» المملوكة لجيف بيزوس، تبني عدة شركات أخرى أيضًا أنظمة إطلاق صواريخ مصممة لتكون ميسورة التكلفة ويسهل إطلاقها بصورة متكررة. وهذا الأمر يوفر القدرة على استمرار تدفق إطلاق الصواريخ. وبناءً على هذه الرؤية أعلن ماسك أنه يريد وضع 42 ألف قمر صناعي من ستارلينك في المدار الفضائي.

وينوه التقرير أنه بينما يستحوذ ماسك على الأضواء يُخطط المنافسون أيضًا لإطلاق خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. وفي أوائل أبريل (نيسان) 2022 أعلنت شركة «أمازون» أنها أمَّنت طاقة شحن تكفي لحوالي 83 عملية إطلاق صاروخ بوصف ذلك جزءًا من مشروع «كايبر»، والذي يُعد مبادرة خاصة بشركة «أمازون» لتوفير الإنترنت باستخدام خدمات النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية. وكانت هذه أكبر عملية شراء تجارية لخدمات الإطلاق عبر التاريخ، وبهذه الطريقة سوف تدخل «أمازون» في منافسة مباشرة مع ستارلينك، وبدرجة أقل مع كوكبة شركة «ون ويب» للأقمار الصناعية التي لديها أسطول كبير في المدار الفضائي.

إطلاق أحد أقمار سبيس إكس

ويضيف الكاتبان: إذا تمكنت الشركات الثلاثة من تغطية النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية بوتيرة قريبة من التشبُّع، فسوف يؤدي ذلك إلى جعل الوصول إلى البيانات العالية السرعة ممكنًا من أي مكان على الأرض تقريبًا وفي أي وقت. ومع ذلك لم يتضح بعد هل ستنخفض التكاليف نتيجةً لذلك بدرجة كافية حتى يمكن توفير خدمات النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية بأسعار معقولة للجماهير أم لا. ومع ذلك يقول الكاتبان إن هناك خبرًا سارًا آخر، وهو أن بعض شركات الاتصالات الهندية، مثل «ريلاينس جيو»، دخلت إلى اللعبة؛ مما يجعل المنافسة عالمية.

أقمار الإنترنت: بعض العيوب

وحسبما يؤكد التقرير فإن اتصالات بيانات الأقمار الصناعية ليست بالأمر الجديد بطبيعة الحال؛ إذ تعاقدت حكومة الولايات المتحدة منذ وقت طويل مع بعض مشغِّلي الأقمار الصناعية، مثل شركة «فياسات»، من أجل خدمة آمنة في هذا المجال. إلا أن تكلفة هذه الخدمة كانت مرتفعة غالبًا، وكان النطاق الترددي والسعة منخفضَيْن نسبيًّا. ومن المتوقع أن يُقدِّم الجيل الجديد من مزودي خدمات النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية سرعات أعلى بكثير بالسعر نفسه أو أقل، وتقدم الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض قدرات كامنة يمكنها منافسة النطاق العريض الأرضي في كل شيء باستثناء توصيلات الألياف أو الكابلات العالية السرعة.

يستدرك الكاتبان: مع ذلك فهناك عدد من العيوب التي تعتري الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض: إذ إنها تخلق تلوثًا ضوئيًّا يُعيق عمليات الرصد التي يقوم بها علماء الفلك، وقد تؤدي زاوية مدارها المنخفضة إلى فقدان المستخدمين للاتصال بالخدمة بصورة متكررة. ويتطلب الجيل الحالي محطات أرضية وأطباق استقبال على السطح (على الرغم من أنه في مرحلة ما، يجب أن تكون الأقمار الصناعية قادرة على إرسال البيانات مباشرة من وإلى الهواتف الذكية، أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أو غيرها من الأجهزة والأنظمة).

كما أن عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية، التي يطلقها عديدٌ من المشغِّلين، ستتسبب في تكوين ما يُسمى بـ(مخلفات فضائية جديدة)، مع تعطل بعض الأقمار الصناعية أو اصطدام بعضها ببعض (ستارلينك وحدها مسؤولة بالفعل عن غالبية حوادث التصادمات الوشيكة للأقمار الصناعية) أو أن تخرج عن الخدمة بطريقة ما، عندما تفشل الأنظمة الجديدة في جني الأرباح على سبيل المثال.

ماذا عن الأنظمة الاستبدادية؟

يلفت التقرير إلى أن ستارلينك، ومشروع «كابير»، و«ون ويب» ستمثل تحديًا لمزودي الاتصالات القدامى. وفي معظم الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتوفر للعملاء اثنان فحسب من مزودي خدمات النطاق العريض الأرضي للاختيار من بينها، بينما لا يمكن لنسبة كبيرة من الأمريكيين الوصول إلا إلى مزود واحد للنطاق العريض، كما أن تكاليف النطاق العريض مرتفعة بالمقاييس العالمية. وفي كثير من دول العالم النامي، هناك وصول متقطع لخدمة النطاق العريض، وتغطية بيانات لاسلكية غير كافية من الشبكات الخلوية.

صاروخ "ستارشيب" من "سبايس إكس" التي يراسها ماسك ودافعه "سوبر هيفي" في قاعدة "ستاربايس" االفضائية على مقربة من بوكا تشيكا في جنوب ولاية تكساس الأميركية في 10 شباط/فبراير 2022 (اف ب)

منصة إطلاق مملوكة لشركة سبيس إكس

إن التحكم في البيانات والمعلومات يُعد أمرًا بالغ الأهمية للأنظمة الاستبدادية من أجل الحفاظ على السلطة. ولم يكن مفاجئّا أن تعلن الصين عن خطتها التي ترعاها الدولة لبناء كوكبة من 13 ألف قمر صناعي وإطلاقها في المدار الأرضي المنخفض باستخدام نسخة جديدة قابلة لإعادة الاستخدام من صاروخها «لونج مارش 8». ومن المرجَّح أن يُحِد ذلك من استخدام المواطنين الصينيين لشبكات الأقمار الصناعية الأجنبية للحفاظ على جدار الحماية العظيم. لكن الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض أثبتت حتى الآن أنها الاختبار الأكبر للقيود الاستبدادية. ويُعد حظر الوصول إلى البيانات من عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية في السماء أكثر صعوبة من حظر قنوات البيانات الكبيرة على حدود الدول.

ويضيف التقرير أن المواطنين الصينيين يمكنهم الوصول إلى البيانات عبر أقمار المدار الأرضي المنخفض التي تعمل خارج المجال الجوي الصيني. وقد تؤدي محاولات السلطات الصينية لحظر جميع الأقمار الصناعية ذات النطاق العريض في المدار الأرضي المنخفض التي يمكن لمواطنيها الوصول إليها؛ إلى حظر وصول المواطنين المقيمين في البلدان المجاورة، مثل الهند أو روسيا إلى تلك الأقمار أيضًا. ويهدد إسقاط أقمار صناعية غير صينية أثناء تحركها عبر المنطقة بإيجاد سلسلة من ردود الفعل، ناهيك عن (سُحُب الحطام) التي قد تؤدي إلي تدمير أهداف عديدة دون قصد.

ويختم الكاتبان مقالهما بالإشارة إلى أن التدفق المستمر للصور ومقاطع الفيديو المروِّعة من ساحة المعركة في أوكرانيا أدَّى إلى زيادة الضغوط على الحكومات الغربية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة وتشديد العقوبات على روسيا. وفي العديد من مناطق أوكرانيا، تتيح خدمة ستارلينك للأشخاص الموجودين في الميدان مواصلة مشاركة المعلومات ونشرها على منصتي: «تويتر»، و«تيك توك». وفي الوقت الذي ربما – بحسب رأي الكاتبان – تكون فيه روسيا قد كسبت حرب المعلومات داخل أراضيها، فقد خسرت بكل تأكيد الحرب من أجل السيطرة على الرواية التي تتجاوز حدود روايتها. وفي الصين ستكون محاولة تحديد الأشخاص الذين يصلون إلى النطاق العريض في المدار الأرضي المنخفض وملاحقتهم للالتفاف على جدار الحماية العظيم أمرًا صعبًا، ومن المحتمل أن تكون غير مجدية. إن حروب المعلومات المستقبلية ستمثل صعوبة بالغة للأنظمة القمعية التي تسعى إلى منع مواطنيها من تبادل المعلومات.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي