الحكومة الإسرائيلية تترنح.. ما السيناريوهات المتوقعة حتى الآن؟

الأمة برس - متابعات
2022-04-13

رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت وزير الخارجية يائير لبيد (ا ف ب)

يبدو أن إدارة بايدن ستجد صعوبة في التعامل مع السيناريوهات السياسية المُستجدَّة بعدما فقد نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أغلبيته البرلمانية في الأسبوع الماضي. وحول هذه المسألة، نشرت مجلة «ريسبونسبل ستيت كرافت» التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد مقالًا لميتشل بليتنيك، النائب السابق لرئيس مؤسسة السلام في الشرق الأوسط.

استهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى الفوضى السياسية التي تعرضت لها الحكومة الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي، بعدما فقد نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أغلبيته البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي. واستنادًا إلى ما يحدث حاليًا، قد تضطر إسرائيل لإجراء انتخابات جديدة، أو مواجهة سنوات جديدة من الجمود والتعثر، أو إمكانية عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة من جديد. ولا شك أن التداعيات سيكون لها تأثير في العلاقات مع واشنطن.

انسحاب من الائتلاف

يوضح الكاتب أن إيديت سيلمان، النائبة في الكنيست الإسرائيلي والممثلة عن حزب «يمينا» الذي يتزعمه بينيت، انسحبت من الحكومة الإسرائيلية وركضت إلى أحضان حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، مما أدَّى إلى أن أصبح للحكومة الحالية 60 مقعدًا في الكنيست، وكذلك المعارضة باتَ لها العدد نفسه من المقاعد. والنتيجة أن هذه الحكومة، التي لم تتمكن بالفعل من الاتفاق على كثيرٍ من الأمور في مسار التشريعات بسبب تكوينها الممزوج بين التوجُّهات اليمينية واليسارية، لن تستطيع عمليًّا في الوقت الراهن تمرير أي مشروع قانون أو أي تشريع على الإطلاق.

ومع ذلك، فهذا لا يعني بالضرورة أن حكومة بينيت على وشك السقوط. لأن ستة من أعضاء الكنيست الإسرائيلي المعارضين ينتمون إلى القائمة المشتركة (تحالف من أحزاب يسارية عربية في الغالب) ومن غير المحتمل أن تشترك هذه القائمة في مسار ينتهي من المؤكد بتشكيل حكومة ذات توجه يميني أكثر من الحكومة الموجودة حاليًا، وبذلك فإن المعارضة التي تصطف وراء نتنياهو تتكون من 54 صوتًا محتملًا بحجب الثقة عن الحكومة، بينما ينبغي الحصول على 61 صوتًا لإطاحة الحكومة الحالية.

ويستدرك كاتب المقال موضحًا أنه على الرغم من ذلك، ونظرًا إلى أن انسحاب إيديت سيلمان من الحكومة وانشقاقها عن الائتلاف حدث بالكامل من وراء ظهر رئيس الوزراء الحالي، فإن هذا يفتح المجال أمام إمكانية انسحاب نواب آخرين من الائتلاف. وكانت إيديت ومعها نواب كنيست يمينيون آخرون منضمون إلى الحكومة الائتلافية قد وُصِفوا بأنهم خونة لمشاركتهم في حكومة تضم أحزابًا يسارية وأخرى عربية. وواجه هؤلاء النواب مضايقات وتخويفًا ​​من المجتمعات الدينية والقومية التي ينتمون إليها.

ويتعرض عدد من نواب الكنيست الإسرائيلي المنتمين لحزب «الأمل الجديد» الذي يتزعمه جدعون ساعر، ونواب الكنيست المنتمين لحزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيجدور ليبرمان، بالإضافة إلى نواب آخرين ينتمون إلى حزب «يمينا» بزعامة بينيت، لإغراءاتٍ عديدة للانسحاب من الحكومة الائتلافية من خلال ممارسة ضغوط مماثلة، لا سيما بعد الترحيب الحار الذي حظيت به إيديت سيلمان.

وفي الوقت الحاضر، يعمل بينيت ومعه يائير لابيد، رئيس الوزراء المناوب، على الحفاظ على ما تبقى من تحالفهما، لكن الأمر لن يكون سهلًا. إذ تقدم بالفعل نائب واحد في الكنيست على الأقل، وهو نير أورباخ من حزب «يمينا»، بمطالب إلى بينيت، استنادًا إلى التهديد بتفكيك الحكومة، وأعربت نائبة أخرى على الأقل، وهي إييليت شاكيد، عن عدم ارتياحها للبقاء في حكومة تضم أحزابًا يسارية وعربية.

التوسُّع الاستيطاني للحفاظ على الائتلاف

يلفت الكاتب إلى أن مطالب أورباخ تشمل إعادة انعقاد جهاز التخطيط الإسرائيلي للمستوطنات في الضفة الغربية، وهو الهيئة التي تتخذ قرارًا بشأن المستوطنات الجديدة التي تنشئها الحكومة الإسرائيلية. وقد كان آخر اجتماع عقده هذا الجهاز في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولم يكن إعلانه عن بناء 2800 وحدة استيطانية جديدة من الأمور السارَّة لإدارة بايدن.

إن القرار الرسمي لبناء المستوطنات يعني عملية توسُّع استيطاني وعادةً ما يكون ذلك هو الخطوة التي تجتذب أكبر قدر من الرقابة العامة والدولية. ولذلك، عمل بينيت ومعه بيني جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، على الحد من المناقشات بشأن هذا الأمر مع استمرار بناء المستوطنات التي أُعلِن عنها بالفعل.

ويُمثل هذا القرار نقطة محورية للحزب اليميني القومي، الذي يضغط باستمرار لتنفيذ مزيدٍ من عمليات التوسُّع الاستيطاني، وسوف يواجه بينيت حاليًا صعوبة أكبر بكثير للتصدي لهذا الأمر في الوقت الذي قد يستخدمه نواب في الكنيست، مثل أورباخ، لتهديد حكومة بينيت الائتلافية. ومن جانب آخر، ينبغي أن يكون الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكين مستعدان لمحاولة بينيت تهدئة جناحه اليميني ببناء مزيد من المستوطنات، مما يجعل الحفاظ على الحلم المهلهل بالفعل لحل الدولتين صعبًا عليهما. ومن منطلق السياسة الأمريكية المحلية، وتأثيرها في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ستثير الحالة المتداعية للحكومة الإسرائيلية مخاوف انتخابية كذلك.

ويرجِّح الكاتب أن الحكومة الائتلافية، بالوضع التي هي عليه حاليًا، ستكون عاجزة عن جمع الميزانية عندما تُطرح هذه المسألة مرةً أخرى في وقت متأخر من هذا العام، وأن الإخفاق في تنفيذ ذلك يعني ضرورة حل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة، إن الحكومة كانت بالكاد قادرة على تجنب تلك النتيجة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعدما تمكنت من تمرير الميزانية بهامش ضئيل 61 مقعدًا مقابل 59 مقعدًا.

وهذا يعني أنه من غير المحتمل حاليًا أن يُصبح يائير لابيد، الذي تربطه علاقات شخصية وأيديولوجية أعمق بالحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة من بينيت، رئيسًا لوزراء إسرائيل في أغسطس (آب) 2023، كما هو منصوص عليه في اتفاقية الائتلاف مع بينيت. ويبدو من المؤكد إجراء انتخابات جديدة قبل ذلك الوقت، وحتى لو استطاع لابيد أن يتولى رئاسة الوزراء، فإنه سيواجه المشكلات العددية نفسها التي واجهها المرشحون الآخرون المنتمون لتوجه الوسط الإسرائيلي ويمين الوسط لسنوات عديدة، وإذا لم يتغير جمهور الناخبين الإسرائيلي بصورة كبيرة، فسيكون من المستحيل تقريبًا على لابيد تشكيل ائتلاف مكون من 61 مقعدًا.

التركيز على القضايا الأمنية والقومية في إسرائيل

تابع الكاتب موضحًا أنه من ناحية أخرى، وفي حين أن نتنياهو لن يعود إلى منصبه الأثير فورًا، فستكون خسارة أغلبية بينيت خطوة كبيرة تدفع نتنياهو إلى الأمام. وحتى إذا تمكن بينيت من الحفاظ على تماسك حكومته واستمرارها حتى مواجهة الميزانية الحاسمة في نهاية هذا العام، فإن السباق الانتخابي الإسرائيلي سيتداخل مع بداية سباقات الرئاسة الأمريكية لعام 2024.

ومن المؤكد أن علاقات نتنياهو القوية بالحزب الجمهوري ستبرز إلى الواجهة في كلا السباقين الانتخابيين. وينبغي أن يكون هذا الأمر مثار قلق لبايدن، الذي يُواجه بالفعل مشكلة في اتخاذ قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية من شأنها أن تصب في مصلحة إسرائيل كما في السابق، وذلك في ظل الكونجرس الأمريكي الحالي الذي لا يحظى فيه بايدن إلا بأغلبية ديمقراطية طفيفة ويضم عددًا من الديمقراطيين الذين يميلون إلى تبنِّي سياسات متشددة تجاه الشرق الأوسط.

بيد أن بايدن لديه مخاوف أكثر إلحاحًا من اقتراب الانتخابات الإسرائيلية. وفي ظل العجز الكامل عن تمرير تشريعات محلية، سيلتفت القادة الإسرائيليون إلى استخدام القضايا الأمنية والقومية لتترك بصمتها وتأثيرها. ولا ينطبق هذا الأمر على لابيد وبينيت فحسب، بل إنه يسري كذلك على نتنياهو وغيره من القادة الإسرائيليين البارزين. فعلى سبيل المثال، قد يحاول جانتس، بصفته وزيرًا للدفاع، العودة إلى توجُّهه الوسطي السياسي، وقد يكون ذلك استنادًا إلى علاقته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء قمع حركة حماس في غزة. كما رجَّحت تكهنات أخرى احتمالية عودة جانتس إلى تحالف مع حزب الليكود بزعامة نتنياهو، مما قد يغيِّر شكل اللعبة بأكملها.

الاتفاق النووي مع إيران

وفي الوقت الذي سيكون فيه الهجوم الإسرائيلي على غزة بمثابة تعقيد للأمور أمام الرئيس الأمريكي بايدن، فإن إيران ستنال نصيب الأسد من خطابات القادة الإسرائيليين العنيفة. وسواء جرى إحياء الاتفاق النووي أم لا، ستظل إيران مصدرًا لقلق إسرائيل الأهم على المستوى الدولي. وعلى الرغم مما قد يقوله بعض خبراء الأمن الإسرائيليين، ستظل إيران قضية سياسية للإسرائيليين، وسيظل موقف معظم القادة الإسرائيليين، عبر مختلف الانتماءات السياسية، هو أن إيران تُشكل تهديدًا وجوديًّا سواء بُعِث الاتفاق النووي من جديد أم لا.

ويشير الكاتب إلى أن حكومة بينيت لم تُخفِ معارضتها لإحياء الاتفاق النووي، وكانت واضحة تمامًا بشأن ذلك. وفي حين أنه كان من الواضح منذ وقت طويل أن إسرائيل ستستمر في الضغط من أجل عزل إيران، وأنها ستواصل على الأرجح هجماتها السيبرانية المتقطعة وغيرها من الجهود التخريبية، بالإضافة إلى احتمالية إجراء انتخابات وشيكة، وحاجة القادة الإسرائيليين إلى تمييز أنفسهم بأنهم متشددون فيما يتعلق بالمسائل الأمنية، فإن ذلك قد يُؤدي إلى تصعيد في كل من حدة الخطابات والتصرفات.

وفي ختام مقاله، يُؤكد الكاتب ضرورة اغتنام بايدن هذه الفرصة لتذكير الرأي العام الأمريكي بأن هناك خبراء عسكريين إسرائيليين يتفقون على أن الاتفاق النووي مع إيران نجح ولا ينبغي التخلي عنه. وفي ظل هذه التداعيات والهشاشة التي تعتري الحكومة الإسرائيلية، ينبغي لبايدن وكبار موظفيه الدفاع عن الاتفاق النووي، ناهيك عن تأكيدهم معارضة عمليات التوسُّع الاستيطاني الإسرائيلي، وينبغي لبايدن إرسال رسالة مفادها أن هذه هي السياسات التي يدعمها الأمريكيون، وهذه هي الرسالة التي يجب على الإسرائيليين سماعها بالتزامن مع أي حكومة مترنحة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي