«الخط» لأورسولا ماير: علاقة عاصفة شائكة بين أم وابنتها

2022-02-18

لقطة من فيلم «الخط» للمخرجة الفرنسية/السويسرية أورسولا ماير (موقع المهرجان)برلين ـ نسرين سيد أحمد

 يبدأ فيلم «الخط» للمخرجة الفرنسية/السويسرية أورسولا ماير، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي من (10 إلى 20 فبراير/شباط الجاري) بوجه غاضب شرس لامرأة يبدو أنها على استعداد للانقضاض على شخص يهاجمها أو لمواجهة عدو يتربص بها.
يتضح لنا بعد برهة قصيرة، الشجار العنيف الدامي بين الابنة الثلاثينية مارغريت (ستيفاني بلانشو) وأمها الخمسينية، كريستينا (فاليريا بروني تديسكي)، لا نعرف أسباب هذا الشجار العنيف، الذي يخلف مارغريت بإصابة في جبهتها تتطلب غرزا في المشفى، ويخلف الأم مطروحة أرضا، وفاقدة للسمع في إحدى أذنيها. نرى رأس الأم يرتطم بالبيانو، ونرى كتبا للموسيقى، فيتكون لدينا الانطباع أن هذا الشجار يدور في منزل يهتم بالموسيقى، ولكن الدقائق الأولى لا تمنحنا المزيد من التفاصيل أو التفسيرات. يأخذنا الشجار على حين غرة، ونتساءل تُرى ما هو الدافع لهذا العنف الأسري ولهذه العلاقة المتوترة بين الأم وابنتها.
تصحبنا ماير طوال الفيلم في رحلة تفكك فيها أسباب الشجار وأسباب العلاقة المحطمة بين الأم وابنتها. تضعنا ماير منذ بداية الفيلم وسط الصراع العائلي، ذلك الصراع الذي يسعى الفيلم أن يوصلنا إلى أسبابه والسبيل إلى حله. يتكشف لنا أن هذا الغضب العارم، الذي يحطم كل ما في طريقه هو سلوك ليس جديدا لدى مارغريت، فقد سبق أن تحطمت علاقتها بصديقها السابق، بسبب ثورات الغضب والعنف العارم. وبعد الشجار الأخير الذي تسبب في فقدان أمها للسمع، أصدرت الشرطة أمرا بعدم التعرض وبعدم اقترابها من منزل في حيز مئة متر عن المنزل. الخط إذن هو الخط الذي رسمته ماريوت، أخت مارغريت الصغرى، وهو خط طوله مئة متر يجب لمارغريت أن لا تتخطى حدوده لتقترب من المنزل. ولكن للخط بعدا آخر، فهو الحاجز النفسي بين مارغريت وأمها، وهو أيضا الخط الذي يجمع أفراد الأسرة رغم ما يعتمل داخلهم من خلاف.

تبدو لنا ماريون كما لو أنها الأكثر حكمة وتعقلا في تلك الأسرة المعطوبة. فعلى الرغم من أنها الابنة الصغرى إلا أنها الأكثر فهما وتفهما للموقف، والأكثر حساسية بما تمر به اختها الكبرى من أزمات.

لا تقدم لنا ماير تفسيرا لنوبات الغضب والعنف التي تعصف بمارغريت ومن حولها، ولا تقدم تاريخا طبيا أو نفسيا لها. يتعامل الفيلم مع هذه الشابة، التي أفقدها غضبها الكثير من العلاقات، وأثر بصورة كبيرة في موهبتها في الموسيقى والغناء، بحساسية وتعاطف كبيرين، ويسعى إلى إيجاد خلاص لها. وعلى الرغم من تحذيرات الشرطة ومن احتمال تعرضها للسجن إذا ما تجاوزت حاجز المئة متر، لا تستطيع مارغريت الابتعاد عن أسرتها. يشدها حبها لأختها الصغرى ماريون، التي تغني بصوت ملائكي، وتعلمها أختها الكبرى الغناء. تحاول أن تجد منفذا لقلب أمها وتحاول إصلاح ما أفسده الشجار والغضب والعنف. يتكشف لنا في الفيلم بعض ما يثير حنق مارغريت وغضبها تجاه أمها، ومن بينها انخراط الأم في علاقات عاطفية متكررة تضر باستقرار الأسرة. ثمة شق روحاني، أو ربما ديني، في تصوير ماير للسبيل للخلاص من هذا الصراع العائلي. فماريون الابنة الصغرى، تنشد التراتيل الكنسية، وتدعو وتصلي وتتضرع للرب أن يحدث معجزاته ويمنح مارغريت السكينة ويمنح أمها الهدوء النفسي والحب الحقيقي، الذي يجنبها الدخول في علاقات متكررة. ربما تود ماير أن تخبرنا بأن لحظات السكينة في حياة هذه الأسرة لا تأتي إلا بالبراءة التي تصورها ماريون.
تبدو لنا ماريون كما لو أنها الأكثر حكمة وتعقلا في تلك الأسرة المعطوبة. فعلى الرغم من أنها الابنة الصغرى إلا أنها الأكثر فهما وتفهما للموقف، والأكثر حساسية بما تمر به اختها الكبرى من أزمات. وعلى حداثة سنها، تعرف ماريون بحدسها وحسها كيف تقرب بين أمها واختها.
وما كان للفيلم أن يكون بهذا التأثير النفسي الكبير دون بلانشو في دور مارغريت. ثمة مزيج من الغضب والهشاشة، العنف والضعف في اختلاجات وجه بلانشو، ولولا هذه القدرة الكبيرة على التعبير، لما كان للفيلم هذه القدرة على التغلغل إلى أعماقنا. وكما تبرع بلانشو في دور الابنة، تبرع برونو تديسكي في دور الأم، بما تمثله من حنين لمجد سابق كعازفة للبيانو، وأنانية، ورغبة في الشعور بأنها لا تزال أنثى مرغوبة. ربما يسعى الفيلم إلى أن يجعلنا نرى أن النزاعات الأسرية تحتاج في حلها إلى القرب والفهم والتفاهم، وليس إلى الخطوط والحواجز والبعد.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي