الفيلم المصري "200 جنية": فيلم هندي بامتياز

2021-10-13

مشهد من الفيلم

محمد عبد الرحيم

كان أميتاب باتشان ورفاقه في نهاية السبعينيات وثمانينيات القرن الفائت يمثلون نموذجاً لأبطال الفيلم الهندي ــ لا السينما الهندية ــ

بمفهومه الشعبي، وبالطبع كان لهذا الشكل أكبر الأثر في الجماهير المصرية وقتها، فلا تندهش وقد حمل باتشان تمساحاً ووقف يُلقي خطبة طويلة عصماء أمام الرجل الشرير، تمهيداً للانتقام منه، أو يسقط منزل كامل فوق رأس أحد الأبطال، وينهض مُنفضاً بعض الأتربة في بساطة، دون أن يُصيبه خدش، أو ترقص عشيقة البطل

فوق الزجاج، بينما محبوبها يتأرجح مُعلقاً من رقبته، وإن توقفت عن الرقص ستطلع روحه في الحال، أو أن يتهلهل جسد بطل آخر من الطعنات والرصاص، لكنه يتعارك حتى آخر نَفَس، وبالطبع يكسب المعركة في النهاية. وأصبح مصطلح (الفيلم الهندي) بديلاً عن كل ما ينافي العقل والمنطق.

أثر هذه الأفلام امتد إلى السينما المصرية بطبيعة الحال، وقد تدرّب الجمهور على مشاهدتها، فلا اندهاش من ممثل ضعيف البنية من هزيمة كتيبة الأشرار بحركات بهلوانية وصفعات ساذجة لن تؤثر في سلوك طفل في الروضة.

ويبدو أن هناك عودة لمثل هذه الخزعبلات للسينما المصرية، وسط ترحيب حار من وسائل الإعلام، فلا داعي لمناقشة قضايا جادة، ولا داعي للمزيد من النكد وتذكير الناس بالمأساة التي يعيشونها، وفي الأخير البحث عن ملاذ آمن، على سبيل.. مَن فات قديمه تاه.

الحديث هنا عن فيلم مصري تم طرحه في دور العرض المصرية مؤخراً بعنوان «200 جنيه». وللأسف تنطبق عليه كل شروط الفيلم الهندي، بداية من سذاجة صُناعه وصولاً إلى استغفال المُشاهِد، إضافة إلى الادعاء بأنه يقول الكثير عما نعيشه الآن.

(الخَلْطَة) أداء.. إسعاد يونس/ أحمد السقا، أحمد السعدني، خالد الصاوي، أحمد رزق، مي سيلم، ليلى علوي، أحمد آدم، محمود البزاوي، هاني رمزي، غادة عادل، حنان سليمان، صابرين، وناس كتير تانيين. تأليف أحمد عبد الله، وإخراج محمد أمين.

الـ 200 جنيه

فكرة الورقة النقدية التي يتداولها الناس، ومن خلال انتقالها بينهم نتعرّف على حيوات هؤلاء، فكرة طريفة في ذاتها، حتى إن تم تقديمها من قبل في السينما المصرية، في منتصف الأربعينيات ـ حوالي عام 1946 ـ

التي ربما تكون منحولة من مصدر آخر. هذا لا يضر ولا يعني أن هناك سرقة للفكرة، المهم المحتوى، وما سيُعبّر عنه الفيلم الجديد عام 2021. ومن خلال هذه الورقة النقدية تتنوع الشخصيات والفئات، بداية من امرأة تتحصل على معاشها الضئيل، وصولاً إلى ابنها في النهاية الذي سرق منها الورقة، وادّعى أنها سقطت منها.

 ولا نندهش فالخلطة عجيبة وغير منطقية بالمرّة، لنتعرف على مدرس ثانوي، عامل في بنزينة، مُساعدة ملابس قديمة لنجمة شهيرة (لَبّيسَة) عجوز بخيل، رجل أعمال مُعسِر، سائق، راقصة درجة ثالثة ــ طبعاً منهوكة من الشغل، وتبحث عن دواء لأمها المريضة ـ وكتير بقى على هذا المنوال.

المصادفات الساذجة

لن نتحدث كثيراً عن موضوع المصادفات هذا، فالعمل درس نموذجي في المصادفة وسذاجتها، وهو درس معكوس لكاتب الدراما، بألا يفعل مثله أبداً.

لكن لنبدأ بالمرأة صاحبة المعاش، أول مَن استلم الورقة وقد وقّعت بالختم الذي تحمله على الورقة، دون كشف استلام النقود، حتى نتعرّف الورقة طوال الفيلم، طبعاً، خاصة أن لها مدلولا دراميا مهولا، ستتحدد من خلاله النهاية ومصير الشخصيات.

فالمرأة تدعو على مَن سرق النقود بأن تصدمه سيارة ـ دون أن تعرف أنه ابنها ـ طيب وهنسيب الست تدعي ع الفاضي؟ أبداً، فكان لازم ربنا يستجيب لدعوة الأم. ناهيك من الزوجة الخائنة، واللي لازم يكون اسمها مخالف لطبيعتها، فيبقى اسمها (إخلاص) ـ على غرار العاهرة اللي لازم يبقى اسمها عفاف ـ

ورجل مريض طريح الفراش، يتحشرج صوته، قائلاً إنه يريد الراحة، وسيتناول الطعام في ما بعد، وبالطبع لن يقوم ثانية، ويموت.

أما البخيل مالك إحدى العمارات، فيموت نتيجة السرقة، هو اللي بيموت بياخد إيه معاه. وصورة أخرى من صور راقصات حسن الإمام، الأم التي تعمل ولا تعرف حتى أن تنام زي مخاليق الله، فهي المتكفلة بابنها وأمها المريضة، ولا يغرّنك الماكياج والضحكات، فالحزن في القلب.

عاوزين فين؟

وفي سياق هذه الحكايات المهلهلة، وفكرة العدالة الشعرية المقيتة، التي أصبحت أسوأ من المخدرات، بمعنى أن الظالم سيجني أفعاله في الدنيا، وهو تصدير لمسألة الصبر على المكتوب، هذا نجده في الكتاتيب وصلوات الأحد والمواعظ الدينية، لكن الحياة والدراما لا تنتهج هذه السذاجة.

وهل لنا أن نخرج من الفيلم بهدف وحيد، هو مقولة (سبحان الله)! الحِس الإيماني غير المنطقي هذا ـ نحن لسنا في دروس لاهوت ـ من جهة أخرى يبدو الوجه النضالي للموضوع، من حيث البطولة الجماعية، وما شابه من هذه المقولات، التي بالطبع وفق هذا المنطق، تكون البطولة للموضوع نفسه، دون الاعتماد على شخصية تدور

في فلكها باقي الشخصيات، هنا يدور الكلام عن تضحية الممثلين في سبيل الموضوع المهم والجلل ـ معظمهم الآن انتقل إلى ممثلي الصف الثاني بفعل الزمن ـ أما تصدير النضال والانبهار بالسيناريو، فيفوق حكاية الفيلم سذاجة. ولن نخذلهم بعد مشاهدة الفيلم، وسنقول «سبحان الله» ونضيف.. «لله في خلقه شؤون».

لكن أيضاً سنفكر بيننا وبين أنفسنا.. الناس دي عاوزة إيه؟ أو عاوزة فين؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي