الحظ

2021-09-08

جوستاڤ ـ ماكس ستيڤن

ترجمة: عاطف محمد عبد المجيد

ذات ليلةٍ شتاءً، تُصفّر الريح في الأفنية المعتمة، وفي الممرات الطويلة، حيثما تترنح ألسنة الأضواء الصفراء. أحيانًا توجد فرقعات تقترب زمجرتها وتبتعد. رجال كثيرون يسهرون… هناك من يسمع سعالاً مكتومًا عبر الجدران.

تشهق العاصفة في الزوايا وتُحرّك الكوّات. فجأة يحدث انفجار يُردده الصدى. يسخط السجناء وهم في فراشهم. يُدلّي السجن نعاسه الثقيل.. وعلى الفور تقريبا إذا بجلبة أقدام تسرع، وأصوات تهمس. ثمة أبواب تُفتح. في البعيد، يُدوّي نداء «إلى الأسلحة» متنقلاً من حارس إلى آخر. صفارات تقطع الليل.

إنها دراما بسيطة: جندي هجم عليه البرد فمات في موقعه. وهو يسقط خرجت رصاصة من بندقيته. فُتحت أربع زنازين، وُجّهت أوامر بصوت خفيض. وهم في حالة اندهاش بدايةً، كان السجناء سعداء مما يتبينونه، ولو أنه حدث، كشرود. تباغتهم هذه الخدمة الليلية.

يرتدون ملابسهم في عجلة وكذلك أقنعتهم. تم تسريح الحراسة. في ممرات نصف معتمة، يقتربون من بعضهم ويتحدثون.

– ماذا جرى؟

– لا أعرف.

– قل لي، أنت السجين رقم 279؟

– نعم.

– أنت بخير، سأكتب أنني لديّ السجين رقم 280. ثلاث سنوات؟

– لا، ما زالت لي ثمانية عشر شهرا، الآن.

– محظوظ!

تصرخ المفاتيح داخل الأقفال. في الأمام يسير حارس يحمل مصباحا. الفناء مخيف. هناك يرقد الميت، وربطة عنقه تصنع بقعة سوداء، على بعد خطوات. في الظلام، يرفع الرجال الأربعة أقنعتهم كي يروا الوجه الشاحب بشكل أفضل.

الثلج متسخ. منحنيا على الجندي الأصفر، رجل في زي بورجوازي يفتح السترة السميكة، ويلصق أذنه بصدره. المدير، متدثراً بمعطفه الطويل ذي الياقة المرفوعة حيث يبرز شاربه الأبيض، ومنحنياً في حالة قلق، يتلو: الفحص بدأ… ملتفتًا إليه الطبيبُ، يشير بإصبعه بالنفي، وينهض، يساعده حارس.

يستغل السجناء هذه الغفلة متفرسين، بفضول، بعضهم ببعض، كأناس نزعوا أقنعتهم، وتهيأوا لأن يتعارفوا.. يجذبون محفّة، يضعون الجثة عليها ويذهبون. يمضي الموكب بعيداً، بامتداد طريق التفتيش، مارًا أمام عمّال آخرين يقتربون وينظرون مذعورين. يقول أحدهم بكل بساطة:

– مهنة قذرة!

يبدو أن الشفقة أصابت الأربعة الذين يحملون الجثة، الذين لم يعودوا يحاولون خرق قواعد الصمت. دون شك، أيفكرون في الولد المسكين الذي لقي حتفه منذ قليل في البرد، الذي لم يشعروا به بأنفسهم إلا نادرا في زنازينهم؟

وحدهما، الضوضاء الصامتة للخطوات، ورنين المفاتيح يُلحنان الصمت.

يسبقهم الحارس حاملاً الضوء، فجأة، يسمع أحد رجال المقدمة، يقول لمَن في جواره:

– انظر إذن في فمه، هل هناك ورم ما.

فيلاحظ، من الجانب، إصبعين حذرين يندسان بين الشفاه المتجمدة…

نصيبٌ قُسّم على اثنين، قالها الآخر.

ليس لديّ ما أقوله، وضّحها الحارس لي، إنها المغانم الصغيرة، أليس كذلك؟…

 

٭ جوستاڤ – ماكس ستيڤن: كاتب ورسام بلجيكي ولد في السابع والعشرين من فبراير/شباط عام 1871 ورحل عن أربعة وسبعين عاما في السادس من فبراير عام 1946.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي