صفير الأماكن - راجي بطحيش

خدمة شبكة الأمة يرس الإخبارية
2009-12-21

تتعطل سيارتي
اقف كالكائن الهش، الخائف المبتل المنتوف الريش الذي لا حول ولا قوة له ولا لمن قبله او بعده وسواهم الأحياء منهم والأموات ...
لا اقوى على تغيير الإطار ولا أعرف كيف (فسواق pa pa كان يقوم بهذه المهام بدلي، قبل ان تبذر maman كل ما بحوزتنا من مال وجاه وجمال وأخلاق كان السواق يقوم بخدمات جسدية متنوعة وأخرى لأفراد العائلة إضافة الى مهام امتطاء المقود وبعث الحياة داخل الوقود الى أن يذوي ويتبخر ميتا معاتبا، كما كان السواق ينتظر نوم الجميع ليبحث بين وحل الشتاء ورائحة عفونة الساحات الخلفية عن مبتدأ مكيدة، عن شرارة مأساة وعن سر مدمر او كذبة قد تحرق الأخضر واليابس مما لم يكن موجودا بعد ومن السراب - هل شاهد احدٌ حريق سراب مرة؟)
إذا أقرر ترك عربتي والفرار ..فبداخلي ما يكفي من حقول تنتظر جرافات تنبش بجوفها لتستخرج سوائل شفافة لا تخفف حتى من آثار حمى عابرة...كي لا نقول قاتلة ..بأثر رجعي..
2
تتعطل سيارتي
الحظ ضوء ابيض قوي يقترب مني...ووفق منطق مايك لي السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهي وهو سيعبر من اول النفق الى آخر عظمة في الجسد..
تقف سيارة. اعتليها..
ارجوك خذني من هنا، بحيث تتحول هذه الرائحة الى مجرد رائحة ذكرى، او خدعة عطرية.
الى اين؟ اين تسكن؟
لا أعرف.
لا تعرف الى اين تذهب ؟ أم اين تسكن؟
كلاهما.
لم التق بحياتي بشخص لا يعرف اين يسكن! من انت يا هذا؟ ولماذا يخيل إليّ انني اراك في كل مكان ومحفل والتفافة طرق وكأنك ساحر او جني يمر قرب كل مفترق او تحويلة او ميدان مات فيه عشرات الأنس دهسا أو قتلا أو انتحارا ...
لا، انا ببساطة لا اسكن في أي مكان، احاول صياغة ابجديات علاقة مع الأماكن والأشخاص والهواء كل مرة من جديد وما ان يبدأ الشريط بالتثبت حقا لتولد رتابة نوعية، معينة ما..حتى أغادر الى مكان آخر احاول فيه صياغة ابجديات علاقة...الخ الخ ...
مثير، تجاذب مثير بالفعل...
ثم أعود الى المكان الأول مرة اخرى واحاول صياغة تلك الأبجديات ...ولكن الصياغات ليست متشابهة دائما بمعنى انها قد تجلب فرحا مقلقا او مأساة لزجة بطعم التفكك...
3
نلحظ ضوءاً ابيض قوياً يقترب منا...ووفق منطق مايك لي السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهنا سيعبر متخايلا من اول النفق الى آخر قطرة من زفير..زفيري..زفيرنا..لا يهم ..
أعاتبه بصمت...
لماذا لم تقترح عليّ تغيير إطار العربة؟
انا افرّ من مثل هذه الأماكن، ثمة ما ينتظرني دائما، ما هو أهم، لا وقت لديّ، لا وقت لدي لإطفاء حرائق اللا- يقين.
لا افهم! ما الذي ينتظرك؟
طفل صغير في بيت جبلي منسي عند قمة تلة مطلة على بحيرة من لؤلؤ، لا يعرف الطفل سوى انتظاري وسوى حاجته لي ولوجودي الذي هو تتمة لوجوده وسبب له ...
وهل ينتظر لوحده في البيت البعيد؟
نعم، تنتظرني وحدته.
-ولكن!!!
كما تنتظرني مدينة أسرار تعج بصخب السؤال، يثور من بين جدارات ابراجها زبد من دموع واسئلة واحمر شفاه ونجوم مسحوقة وعرق بعد دنس ومني دافئ ولعاب شبق وسحر حانة بأخضر معمق وتوسلات الباعة وعبق القهوة وخرير إعدادها وكحل عيون وكحل يسيح وكحل يلطخ عنقا تم لعقه منذ قليل في حفلة بدأت ولن تنتهي.. وكحل يذوب داخل زبد..وهكذا..
ولكن!!!
4
اترك العربة المستديمة ...
أصل الى مكان جديد، كنت فيه كل حياتي، احاول استيعاب ملامحه .. احاول صياغة ابجديات علاقة ما معه كانت قد انقطعت إثر مغادرتي اياه بطقوس بدت دراماتيكية وقتها...وكأنها لم تكن مخططة منذ دهور ...
تجدني اعود بعد ثلاثة أيام الى نفس احداثيات تواجد سيارتي وإطارها الخلفي الأيسر الذابل، أقف قربها، أتأمل ضمور الإطار (فمع ذلك علمني سواق papa استخدام المواقف الحرجة كذريعة لتأجيل النظر في المرآة)..
الحظ ضوء ابيض قوي يقترب مني...ووفق منطق خالد يوسف السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهي وسيحملني وسيارتي الى قرية في صعيد الهمس..
كانون الأول / ديسمبر(2009)

كاتب من فلسطين


 
 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي