الكاتبة السورية ملك حاج عبيد: أيها الكتاب الشباب لا تستعجلوا الشهرة

2021-08-19

 الشعر أسرع تلبية للأحداث

لا مفاضلة قيمية بين الأجناس الأدبية من شعر وقصة ورواية، فلكل منها خصائصه وتقنياته وعوالمه، ولكن المفاضلة الممكنة بينها هي في مدى المقروئية التي تحققها، وهنا نجد الرواية في الصدارة حيث تستحوذ على السواد الأعضم من القراء. وفي لقاء مع الكاتبة السورية ملك حاج عبيد تبين سبب هيمنة الرواية وتراجع الأجناس الأخرى.

دمشق – يمثل المنجز الإبداعي عند ملك حاج عبيد إحدى التجارب المهمة في الحراك النسائي الأدبي السوري الحالي بتنوعه وبتناوله لقضايا الإنسان عموماً ولاسيما المرأة وهمومها في المجتمعات العربية.

ملك التي صدر أول أعمالها عن اتحاد الكتاب العرب عام 1983 تجد أن الأدب السردي أخذ دوره في أيامنا هذه وتقدم على الشعر الذي انفلت من قيوده وكثر عدد كتابه ممن استسهلوا نظم القصيدة.

ورغم أن حاج عبيد لا تنفي وجود شعراء مبدعين ما زالوا يضيئون الدرب بقصائدهم، إلا أنها ترى أن غزارة عدد القاصين جعلتنا نجد فيهم الكثير الجيد الذي يبهرنا بكتاباته ويستمر في رصد قضايا مجتمعه أدبياً دون اهتمام بانشغال الناس عن أمور السرد والشعر والثقافة بصورة عامة إلى أمور المعيشة.

القصة والرواية

الكاتبة استطاعت أن تكشف في قصصها زيف الواقع المعيش

استطاعت الكاتبة أن تكشف في قصصها المحبوكة بدقة ومهارة وحرفية زيف الواقع المعيش، وتعريه على حقيقته، وتستمد منه جميع أحداث هذه القصص المشوقة التي هدفت فيها إلى إنصاف الفقراء والمقهورين والمعذبين في الأرض، وتكون صوت من لا صوت له.

بقي أن نشير إلى ناحية بارزة في قصصها، ألا وهي تأثرها بالطبيعة، وتعترف في إحدى المقابلات التي أجريت معها أن طبيعة مدينة جبلة الجميلة، حيث يتعانق البحر والجبل، ويلتصقان بالسماء في حنان، رسخت مفاهيم الجمال في وجدانها وذاكرتها، وقد بدا هذا التأثر واضحاً في مجموعتها “قال البحر”.

تقارن مؤلفة رواية “دفاتر البحر” بين القصة والرواية، فتوضح أن القصة القصيرة لا تأخذ وقتاً طويلاً في قراءتها وهذه حجة نافدي الصبر سريعي الملل، إلا أن قراءة الرواية أمتع من حيث انفساحها الزماني والمكاني وتتبع مصائر شخصياتها.

والزمان والمكان وفقاً للكاتبة يكونان متسعين في الرواية ومحدودين في القصة القصيرة، أما الحدث فيتكون من خلال الشخصيات وتصرفاتها وتفاعلها مع العالم الخارجي وانعكاس ذلك على عالمها الداخلي ومن حوارها مع الآخرين.

وتعتبر حاج عبيد أن شهرة الكاتب تقوم على رواياته لا على قصصه لذلك أصبحت الرواية أكثر جذباً للقارئ الذي برأيها عندما يقف أمام واجهة مكتبة يفضل شراء الرواية على شراء المجموعة القصصية.

ولكنها ترى نفسها حالياً في عالم الرواية بينما كانت القصة القصيرة في الماضي هي الأقرب إليها لذلك كتبت ست مجموعات قصصية، حيث كان تفاعلها مع الآخرين أقوى مما هو الآن لأنها كانت على رأس عملها تخالط الناس وتسمع قصصهم وتأخذ من تجاربهم ولكن بعد تقاعدها صارت أقرب إلى التأمل والتفكير وأصبح لديها المتسع من الوقت للكتابة وهذا ما تحتاجه الرواية.

 القصة القصيرة جداً.. أدب حقيقي

وعن رأيها في القصة القصيرة جداً تعرب عن اعتقادها بأنها أدب حقيقي بما فيها من حدث محدد له نهاية مفاجئة أشبه ما تكون بوخزة تنبهنا إلى فكرة ذات دلالة عميقة، ولكن ليس كل من كتب قصة قصيرة جداً نجح في كتابتها فهناك قصص قصيرة جداً تأخذ شكل فكرة عائمة لا بداية لها ولا نهاية، مشيرة إلى أن القصة القصيرة جداً وغيرها من الفنون المحدثة لن تغني عن قراءة روائع القصص والروايات.

الشعر هو الأسرع

كان لطفولة الكاتبة تأثير كبير في مسارها، فقد تلقت ملك دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة جبلة الساحلية، وتأثرت بأمها القارئة الممتازة التي كانت تحفظ أشعار عنترة العبسي والمتنبي، وتعرف أبطال الجاهلية والإسلام، ووقائع فتوح الشام، وبجدتها التي كانت تحفظ قصص التراث الشعبي، وقد ظهر أثر هذا المحيط الواعي في أن حاج عبيد حفظت وهي في التاسعة ديوان “رمال عطشى” للشاعر سليمان العيسى، وقرأت رواية “كوخ العم توم” لهارييت بيتشر شتاو، وغيرها مما كان له بالغ الأثر في تكوينها.

حول تأثير الحرب في سوريا على النتاج الأدبي المعاصر ترى حاج عبيد أن ما جرى في بلادها يحتاج إلى زمن طويل حتى يكتب عنه، معتبرة أن الشعر أسرع تلبية للأحداث تليه القصة القصيرة، أما الرواية فتحتاج إلى فترة من الزمن حتى تتضح الرؤية وتكتسي الشخصيات لحماً ودماً لأن التسرع وتجسيد الفكرة بصورة مباشرة يقتلان الفن.

  الأديب لا يكتب لنفسه وإنما لكي يقرأه أو يسمعه الآخرون

وتؤكد أنها لم تطلع على كل ما صدر من روايات في سنوات الحرب وتتوقف عند رواية “طابقان في عدرا العمالية” لصفوان إبراهيم والتي تولدت من حرارة التجربة وجعلتها عملاً يرقى إلى الأدب الإنساني وجماله.

وتؤمن الكاتبة أن الأديب لا يكتب لنفسه وإنما لكي يقرأه أو يسمعه الآخرون ولأنه محب للوقوف على المنبر أو لإصدار كتاب فهو يرغب أن يرى صدى نتاجه عند المتلقي، مشيرة إلى أن الإنسان بصورة عامة يحب الشهرة، فكيف بالأديب المكتنز فكراً؟

وتدعو حاج عبيد الكتاب الشباب إلى ألا يستعجلوا الشهرة ولا يبادروا إلى النشر قبل أن يمتلكوا أدواتهم الفنية والأسس البنيوية للرواية والقصة القصيرة وهي الزمان والمكان والشخصيات والحدث واللغة.

يشار إلى أن ملك حاج عبيد عضو اتحاد الكتاب العرب حاصلة على إجازة جامعية في الأدب العربي، عملت معلمة في سوريا والكويت، صدرت لها كتب عديدة منها “عرس القطط” و”الأميرة النائمة” في قصص الأطفال و”الخروج من دائرة الانتظار” في الرواية.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي