هل ينقل ترمب عدوى "أميركا أولاً" إلى القارة القديمة؟  
2025-01-29
ماري ديجيفسكي
ماري ديجيفسكي

 

أعطى تنصيب دونالد ترمب كل المؤشرات إلى تدشين علاقة خاصة جديدة، لكن هذه المرة ليست تلك بين الرئيس الأميركي العائد ورئيس الوزراء البريطاني.

كانت كل الأنظار هذه المرة موجهة نحو "صداقات سياسية" تتفتح بين ترمب وبعض الشخصيات الأجنبية المختارة، من بينهم بريطانيون وأوروبيون من أطياف متنوعة من اليمين السياسي.

شكل حضور الضيوف الأجانب البارزين خروجاً طفيفاً عن المألوف بحد ذاته. فعلى عكس الجنازات الرسمية، كثيراً ما اعتبرت حفلات التنصيب أحداثاً ذات طابع داخلي بالدرجة الأولى. كما بدا أنه لا يوجد معيار واضح، سواء أيديولوجياً أو مؤسسياً، حول من تلقى الدعوة بالضبط، لكن المجموعات القومية واليمينية المتطرفة داخل البرلمان الأوروبي كانت ممثلة بشكل جيد.

وكما هو معتاد مع ترمب، يبدو أن الاختيار عكس إلى حد كبير تفضيلاته الشخصية وما يحب أو يكره، وربما إحساسه بمدى الفائدة المستقبلية المحتملة أكثر من أي بروتوكول رسمي. جلست إلى جانب الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، التي يبدو أنها أصبحت واحدة من أقرب أصدقاء ترمب الجدد.

من بين الغائبين البارزين كان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي قد يكون قد دُعي أو لم يدع. كما استبعد قادة حزب التجمع الوطني الفرنسي، أحد أنجح أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.

إذا كانت الجبهة الوطنية الفرنسية قد تعرضت للتجاهل، فقد حضر السياسي الفرنسي اليميني المثير للجدل، إريك زمور، فيما تمت دعوة أليس فايدل، زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، لكنها أرسلت زميلها في القيادة، تينو كروبالا، بدلاً منها، مشيرة إلى انشغالها باستعدادات انتخابات الشهر المقبل.

قد يغتفر لكم الاعتقاد بأن تنصيب ترمب لم يكن مجرد احتفال بانتصار حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً (Maga)"، بل كان أيضاً لحركة "لنجعل أوروبا عظيمة مجدداً" (Mega) التي يسعى أنصارها الآن إلى تحقيق هذا الهدف.

من المؤكد أن غياب كبار ممثلي الاتحاد الأوروبي – وأبرزهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، والممثل الأعلى للشؤون الخارجية في المفوضية كايا كالاس – كان لافتاً. بدلاً من ذلك، كان مبنى الكابيتول مكتظاً بالشعبويين اليمينيين والسياسيين اليمينيين المتطرفين من مختلف أنحاء القارة.

كما ضم الحضور وفداً بريطانياً كبيراً، شمل رئيسي الوزراء السابقين بوريس جونسون وليز تراس، ووزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان، إضافة إلى وزيرة الخارجية في حكومة الظل، بريتي باتيل، التي مثلت حزب المحافظين رسمياً.

نايجل فاراج، الحليف القديم لترمب وزعيم حزب "ريفورم" البريطاني، كان هناك أيضاً. لكنه - لخيبة أمله، وعلى عكس جونسون - لم يمنح مقعداً في قاعة روتوندا الرئيسة في مبنى الكابيتول لحضور المراسم الفعلية. فهل لعبت الأعراف البروتوكولية دوراً هنا، حيث حصل جونسون على الأولوية باعتباره رئيس وزراء سابقاً، أم أن ترمب كان يبعث برسالة حول الشخص الذي يراهن عليه لقيادة اليمين السياسي في المملكة المتحدة مستقبلاً؟ أم أن الانتقادات التي تلقاها فاراج من "الصديق الأول" لترمب إيلون ماسك، أفقدت نائب كلاتون المكانة التي احتلها لدى ترمب في السابق؟

قد يكون هناك تفسير أقل خبثاً لاهتمام ترمب باليمين الدولي، وبخاصة الأوروبي - أقل خبثاً في الأقل من وجهة نظر ترمب. فهل يرى أن نهجه الخاص في القومية الشعبوية - لأن هذا هو جوهر تفكيره بلا شك - هي الحل لجميع المشكلات، وخصوصاً مشكلات أوروبا؟

ربما يخطر بباله أنه لو كانت مواقف أوروبا ونهجها أشبه بنهج ميلوني، لكانت القارة بأسرها أكثر سعادة وازدهاراً. ومن وجهة نظر واشنطن، فإن ذلك سيجعلها أيضاً حليفاً أفضل.

ومع ذلك هناك احتمال آخر قد يكون بالفعل قيد التحقق، حتى من دون تدخل مباشر من ترمب أو دعوات لحضور حفل تنصيبه. وهو أن الرسائل المتشددة التي روج لها خلال حملته الانتخابية قد وصلت إلى عدد متزايد من الناخبين في أوروبا ونالت إعجابهم.

أحزاب اليمين المتشدد أصبحت بالفعل في السلطة في أجزاء كثيرة من القارة، وانتخابات البرلمان الأوروبي العام الماضي شهدت تحولاً إلى اليمين. وقد نسب هذا النجاح إلى الأسباب التي ساعدت في إعادة ترمب إلى البيت الأبيض: عدم الثقة بالحكومة، والعداء المتزايد للهجرة، والنفور من خوض الحروب الخارجية، والشكوك بأن "الصافي الصفري للانبعاثات" مجرد رفاهية لا يمكن تحمل كلفها.

الشعور بأن المخاوف اليومية الحقيقية لا يتم التعامل معها بصورة فعالة هو ما يشكل جزءاً كبيراً من رسالة حزب "البديل من أجل ألمانيا" في حملته لجذب أصوات الناخبين الألمان. أما في المملكة المتحدة، فكل ما عليك فعله هو متابعة برامج الاتصال الهاتفي في الإذاعات خلال الساعات الـ24 الماضية لتدرك مدى تأثير خطاب ترمب المتشدد هنا.

من هذه النقطة، يمكن أن يسير هذا "الحراك الكبير" المتنامي في اتجاهين. الأول هو أن يفشل ترمب في تحقيق معظم أهدافه، معرقلاً، كما في ولايته الأولى، بأحكام قضائية (مثل تلك المتعلقة بحقوق المهاجرين أو فتح حقول نفط جديدة)، أو بمقاومة شعبية (على سبيل المثال، ضد ظروف احتجاز المهاجرين القاسية)، أو بقوى خارجة عن سيطرته (كحروب خارجية جديدة). وعندما يفشل الأميركيون في الشعور بتحسن أوضاعهم، سيزداد عدم ثقتهم بالحكومة. وبهذا، قد لا تستمر "الترمبية" بعد ترمب.

لكن ماذا لو نجح ترمب – أو حقق نجاحاً كافياً؟ ماذا لو أثرت سياساته في الحد من الهجرة، ونجح في تخفيض أسعار الطاقة (حتى لو كان ذلك على حساب البيئة)، وخلق وظائف برواتب جيدة؟ وماذا لو أدى ذلك إلى تغييرات في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وتخفيف السياسات المناخية، وارتفاع حدة القومية المتشددة؟

حسناً، في هذه الحال، على من يدافعون عن النموذج الأوروبي من الليبرالية الذي تطور على مدى 80 عاماً أن يبدأوا الآن في تعزيز دفاعاتهم.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - الاندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • لماذا تفادى الناخبون الأميركيون التصويت لامرأة؟  
  • الشرق الأوسط على عتبة حرب شاملة - ولكن ثمة طريقا نحو السلام
  • فوز اليمين المتطرف "التاريخي" ضربة لألمانيا الموحدة






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي