المغرب يحصد جائزة العمارة بولاية بنسلفانيا الأمريكية

2021-08-14

علاء حليفي*

تقديم
لا شك في أن الحديث المستقبلي عن آثار الجائحة، سوف يتجاوز الأزمة الصحية التي تسبب بها فيروس 'كوفيد-19'، يجب تحليل الأزمة من الزوايا الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وحتى المعمارية، فالأوبئة وما يليها من تغييرات على النسيج الحضري لمدننا، ليست بالأمر الجديد على عالمنا، فإن شكلت دوما كوارثاً مأساوية، فقد أجبرت أيضًا الهندسة المعمارية وتخطيط المدن على التطور، إذ ساعدت الحلول المُتخذَة على مستوى المدن والعمارة بشكل عام، على الحد من انتشار الأوبئة.


تتويج عربي بجائزة عالمية للهندسة المعمارية
في نفس السياق، أعلنت جامعة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية في أواخر شهر يناير المنصرم، عن نتائج الجائزة العالمية للهندسة المعمارية، حول المساواة الحضرية في مجال الصحة، حيث فُزت رفقة زميلين لي (اليزيد بودراع وعبد الكبير نعناعي) بمرتبتها الأولى، كأول فريق عربي وإفريقي يتوج في تاريخ الجائزة.
كيف يمكن للهندسة المعمارية الحد من آثار جائحة كورونا التي اكتسحت العالم واخترقت مختلف الميادين؟ مع انتشار الفيروس عبر القارات، كان من الواضح أن الوضع الحالي يتطلب أفكارا جديدة في تصميم وبناء المستشفيات. كان هذا هو موضوع الجائزة العالمية، التي أطلقتها منصة بيتسبرغ، بالتعاون مع جامعة تشالمرز وجامعة كارنيجي ميلون، بهدف خلق نقاش فعال حول الأزمة الحالية، حيث وُجهت المسابقة للشباب المعماريين في شتى أنحاء العالم، لتقديم مشاريع عملية، تضمن المساواة في الصحة في خضم جائحة 'كوفيد-19'، فإن كانت المجتمعات الفقيرة تعيش في بيئات غير صحية وأكثر خطورة من المجتمعات الغنية، فقد زادت الأزمة الحالية من حدة هذه التفاوتات الصحية داخل المجتمع، وما يترتب عنها من عواقب اجتماعية واقتصادية عديدة، فطُلب من المشاركين تقديم مشروع معماري في أي من مدن العالم المتأثرة بالجائحة، بشرط أن يحقق المشروع العدالة الصحية في بيئته.
شهدت المسابقة مشاركة المهندسين المعماريين الشباب والطلاب من شتى بقاع العالم، واختارت لجنة تحكيم دولية مكونة من مهندسين معماريين وأكاديميين، ثلاثة فائزين، مُنوهة بالمشروع المغربي المُتوج، قائلة أنه مبني على استراتيجية حضرية وفكرة تصميمية أصلية تلبي شروط المسابقة في تحقيق المساواة الصحية، وقد قررتُ كوني عضوا من الفريق الفائز، تقديم المشروع الفائز لأول مرة للعالم العربي عبر صفحات مجلة العربي الأمريكي اليوم.

كيف يعيد الوباء تشكيل بنية المستشفيات وتصميمها؟
في أواخر سنة 2019، سُجلت أول حالة من فيروس كورونا بمدينة ووهان الواقعة وسط الصين، والتي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، وهو ما سرَّع من انتشار الفيروس بالمدينة، قبل أن ينتقل إلى شتى بقاع العالم، فإن كان انتشار الفيروس بسرعة مماثلة يعود إلى تركيبه البيولوجي، فقد وفّرت المدن أيضا، بيئة مثالية لانتشار العدوى، إذ تشير إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية إلى أن المدن على عكس البوادي والقرى، هي أكثر الأماكن تضررا بالفيروس، حيث تعد موطنا لأكثر من ثلثي سكان العالم.
يقع المشروع الفائز بمدينة الدار البيضاء، وهي العاصمة الاقتصادية للمغرب فضلا عن كونها أكبر مُدنه، كما أنها سجلت أول حالة إصابة بالفيروس في البلاد، ومنذ ذلك الحين، حطّمت الرقم القياسي لعدد حالات الإصابة على المستوى الوطني، بأزيد من 100.000 مريض قبل نهاية السنة المنصرمة. هذا الارتفاع الهائل لعدد الحالات يعود إلى سببين رئيسيين، أولهما أن المدينة هي إحدى العواصم الأكثر كثافة سكانية في العالم، كما جاء في تقرير لبرنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية، تأتي الدار البيضاء في المرتبة الخامسة لأكثر المدن كثافة سكانية بالعالم بعد دكا ومومباي وميديلين ومانيلا، أما السبب الثاني فهو يعود بالأساس إلى هشاشة البنية الصحية بالمدينة، إذ يعد تفشي الفيروس بهذه القوة، مثالاً ممتازًا على نظام الرعاية الصحية الهش والمخاطر التي يعكسها على الساكنة، حيث أن أكبر المرافق الصحية تتمركز وسط المدينة، فيصعب الوصول إليها من الأحياء الهامشية بالعاصمة. هذا التمركز الغير عادل لمرافق الرعاية الصحية يُعرض مجموعة من الأحياء لتهديدات الوباء والظلم الاجتماعي والصحي.
وِفقا لإحصائيات وطنية، تبين أن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية بالمدينة كانت الأكثر تضررا بالوباء، خاصة المهمشة منها، مثل دور الصفيح المتواجدة في ضواحي المدينة، والتي تفتقر إلى أدنى شروط العيش، من صرف صحي، ومساحات عيش كافية وحتى مستوصف حي، فشكّلت هذه الأحياء بؤرا خطيرة لانتشار العدوى.


انطلاقا من كل هذه المعطيات والاحصائيات، مثّلت مدينة الدار البيضاء تحديا كبيرا لنا كمعماريين شباب، كيف يمكن لنا تقديم حلول معمارية للمدينة، بشكل يساعدها على تخطي الأزمة؟ هذه الأزمة التي أجبرتنا على إعادة التفكير في المفهوم العام لمرافق الرعاية الصحية، وطريقة تصميمها، خاصة وأن منشآت الرعاية الصحية 'الكلاسيكية' لا تلبي معايير الصحة المطلوبة في القرن الحادي والعشرين، تحديدا في زمن الأزمة، إذ أصبح من الواضح خلال الأشهر الماضية أن المدينة (كما في جل مدن العالم) لم تكن مستعدة للتعامل مع جائحة عالمية، لأنه لم يتم تصميم أنظمة الرعاية الصحية لدينا ولا البنية التحتية لمنشآتنا الطبية للتعامل مع التدفق الهائل للمرضى ذوي الحالات الحرجة.


ترتكز الفكرة التصميمية للمشروع الفائز على استغلال أسطول الحافلات القديمة التي تخلت عنها المدينة مؤخرا، دون أن تملك أية فكرة مستقبلية لاستغلالها، مما جعل هذه الحافلات تشكل تهديدا خطيرا على البيئة، هنا يطرح السؤال، كيف يمكن استغلال هذه الحافلات بشكل مُستدام وإيكولوجي؟ من هنا أتت الفكرة لإعادة استغلال الأسطول المُتخلى عنه، لكن بوظيفة جديدة تماما، تتمثّل في تحويله إلى مجموعة من المرافق الصحية الأولية المتنقلة، التي يمكن نقلها بشكل سريع وفعال إلى شتى أرجاء المدينة.
عكس المنشآت الصحية التقليدية، حيث يجب على المريض التنقل من أجل الحصول على الرعاية في ظروف اكتظاظ سيئة وبيئة تشجع على انتشار العدوى، المشروع الفائز ينتقل صوب المريض حتى مكان إقامته ليقدم له الرعاية في أفضل الظروف، بفضل ميزة التنقل للحافلات الصحية، التي يمكنها الانتقال لمواقع مختلفة في المدينة اعتمادًا على احتياجات كل حي، حيث أن الأحياء الهامشية وضواحي المدينة، سجّلت ومازالت تسجل بؤرا حساسة للفيروس.


باستخدام شبكة الحافلات القديم والمتخلى عنه، يقدم المشروع استخدامًا بديلاً: شبكةً صحية تنتشر في شتى أرجاء المدينة، فالمشروع قادر على التنقل حسب الحاجة إلى الأحياء التي تشهد بؤرا للفيروس، ولا سيما في المناطق الحضرية الكثيفة، والأحياء المهمشة في ضواحي المدينة حيث تنعدم المرافق الصحية، تحقيقا للعدالة الصحية والمساواة الاجتماعية في الحصول على الرعاية. سهل التجميع وسريع الانتقال، بيئي، مستدام وغير مكلف، من أهم ميزات المشروع أنه يمكن تكييفه مع سيناريوهات ومواقف مختلفة، في عدة أماكن وأحياء في المدينة مثل الساحات أو المتنزهات وأزقة الأحياء، بشكل يضمن سهولة الولوج إليه من طرف السكان.
يقول 'ساندر شور'، معماري وباحث من نيويورك وعضو بلجنة تحكيم الجائزة، أن ما أثار إعجاب لجنة التحكيم، هو أن المشروع يمثل استجابة سريعة وفعالة للأزمة الحالية، علاوة على ذلك، سوف يقلل من 'البصمة البيئية' للحافلات القديمة من خلال 'إعادة تدويرها' بشكل عملي، والحفاظ على التراث الثقافي لهذا المعلم المتنقل الذي حرَّك أفق المدينة لأكثر من 25 عامًا.


ما دور المشروع في زمن ما بعد الجائحة؟ تم تصميم المشروع ليعمل كوحدات تلقيح متنقلة، خاصة وأن جل بلدان العالم قد شرعت في ذلك. من المرتقب أن يُسرع المشروع من العملية وعلى أكبر نطاق، لأن المراكز المتنقلة تعني بأن الناس لن يحتاجوا إلى التنقل من أجل تلقي القاح، وهو الشيء الذي سوف يخفف الضغط على المستشفيات الكبرى المتواجدة بالمدينة.
في النهاية، ينبغي التأكيد على أن فيروس 'كوفيد-19' قد كشف عن مشاكل أساسية في أنظمة الرعاية الصحية لدينا والتي يجب ألا ننساها بمجرد أن يمر الوباء، إن الأزمة الحالية تسلط الضوء على الحاجة إلى التفكير النقدي في أهمية المدن والعمارة وكيفية إدارتها، على أمل أن نتعلم من الجائحة الحالية، ونستخلص منها دروسا كافية، من أجل التعامل مع مشاكل أخرى تهدد مدننا مثل التغير المناخي، وغيره من تهديدات كبرى تلوح في الأفق.

 

*كاتب ومعماري بالمدرسة الخاصة للهندسة المعمارية -  باريس/ الدار البيضاء، حائز على الجائزة العالمية للعمارة ببنسلفانيا، الولايات المتحدة

 

الموقع الرسمي للجائزة:

http://pittsburghplatform.org/competition/
حوارات بعد الجائزة:

https://www.fissa3.ma/prix-architecture-pittsburgh-2020-trois-casablancais-font-la-fierte-du-maroc/

https://aemagazine.ma/pittsburgh-platform-competition-2020-etudiants-architectes-marocains-cartonnent/

حوارات مصور أتكلم فيه عن الجائزة:

https://www.facebook.com/226478310719899/videos/1892032063225https://www.facebook.com/226478310719899/videos/18920320632259090
الجائزة في الأخبار الوطنية والعالمية:

https://lematin.ma/express/2020/etudiants-casablancais-remportent-premier-prix-d-concours-international-architecture/350450.html

https://honoris.net/moroccan-students-from-honoris-network-win-an-international-architecture-competition/

https://www.fissa3.ma/les-vieux-bus-a-utiliser-comme-espace-de-sante-mobile-trois-casablancais-raflent-le-1er-prix-architecture-pittsburgh-2020-avec-cette-idee/https://www.fissa3.ma/les-vieux-bus-a-utiliser-comme-espace-de-sante-mobile-trois-casablancais-raflent-le-1er-prix-architecture-pittsburgh-2020-avec-cette-idee/

https://www.msn.com/fr-xl/afrique-du-nord/maroc-actualite/deux-%C3%A9tudiants-casablancais-remportent-un-concours-international-darchitecture/ar-BB1cnPMQ

 

https://linformation.ma/actualite/deux-etudiants-casablancais-remportent-un-concours-international-darchitecture/54610









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي