لا أنشر قصائدي على موقع التواصل فيسبوك..

ريم نجمي: أصوات الشباب فتحت أفقا جديدا في السرد المغربي

2021-08-03

الشاعرة المغربية ريم نجمي

محمد الحمامصي*

الحدود بين الأجناس الأدبية ليست بالصرامة التي يتخيلها بعضهم، إلى درجة إلزام الشاعر بالبقاء في القصيدة والروائي في روايته والقاص في كتابة قصصه القصيرة، بل يمكن الجمع في الكتابة بين كل هذه الأجناس من دون سطوة أحدها على الآخر.

وأجري هذا الحوار مع الشاعرة والكاتبة المغربية ريم نجمي حول روايتها الأولى والكتابة في أكثر من جنس أدبي.

قدمت الشاعرة المغربية ريم نجمي تجربة شعرية متميزة في تجليات رؤاها ونسيجها، وذلك من خلال ثلاثة دواوين هي “أزرق سماوي” و”كأن قلبي يوم أحد” و”أخيرا كن بريئا كذئب”، هذا جنبا إلى جنب تجربتها الإعلامية المتميزة وتجربتها في الترجمة.

وأخيرا قدمت روايتها الأولى “تشريح الرغبة” التي تصدر قريبا عن الدار المصرية اللبنانية، وهي الرواية التي تعالج فيها قضايا تتعلق بالاختلافات الثقافية والدينية وأزمة الهوية لدى المهاجرين العرب، من خلال قصة انفصال كاتب مغربي عن زوجته الألمانية بعد مرور ربع قرن على زواجهما ومحاولتهما البحث عن مكامن الفشل في حياتهما المشتركة.

الانتقال إلى الرواية

تجربة شعرية متميزة

رواية نجمي طرحت العديد من التساؤلات ليس فقط حول مضمونها بل حول تحول الكثير من الشعراء إلى الرواية، منذ التسعينات من القرن الماضي انتقل الكثير منهم إلى كتابة الرواية أو جمعوا بين الشعر والرواية، ثم لوحظ أن سطوة الرواية كانت أقوى عليهم.

من هنا كانت بداية الحوار الذي أجرها معها "العرب" حول ما تشكله روايتها “تشريح الرغبة” من انتقال من الشعر إلى الرواية، تقول “منذ محاولاتي الأولى في الكتابة التي تعود إلى سن الطفولة زاوجت بين الشعر والسرد بل إن ميلي إلى كتابة القصص كان أقوى، إذ شكلت لي كطفلة وكمراهقة عالما موازيا للأحلام أشكله كما أريد”.

وتؤكد نجمي أن سطوة الرواية على الشعر أو سطوة الشعر على الرواية، “تكون أولا للنص نفسه سواء أكان شعريا أم سرديا”، إذ تشعر أن هناك نصوصا تسيطر على الكاتب، ولا تترك له مجال الاختيار في الابتعاد عنها وكأنها تمسكه من يده وتقول له “اكتبني”.

وتتابع “رغم ذلك فإن زمن كتابة القصيدة أقصر من زمن كتابة الرواية، وبالتالي تكون للرواية سطوة أكثر، على الأقل من الناحية الزمنية للكتابة ومن ناحية الالتزام بها.

 شخصيا في فترة كتابة الرواية تسيطر عليّ الشخصيات والأحداث، أفكر فيها حتى وأنا لا أكتب، في مرحلة التوغل في الرواية تتحول تلك السيطرة إلى نوع من التخدير، إذ تقتلعني من الواقع تماما، عندما أخرج إلى الشارع بعد ساعات متواصلة من الكتابة أشعر أني في عالم غير واقعي وكأن عالم الرواية هو الواقع، وهذه الأمور كلها لم تكن تحدث لي وأنا أكتب الشعر”.

وكون رواية نجمي تستكشف مكامن الفشل بين الغرب والشرق عبر زوج عربي وزوجة ألمانية، تساءلنا هل هي معالجة جديدة لرؤية الخلل بين الشرق والغرب يضاف إلى رؤية كل من توفيق الحكيم في “عصفور من الشرق” وسهيل إدريس في “الحي اللاتيني” والطيب صالح في “موسم الهجرة إلى الشمال” وعلاء الأسواني في “شيكاغو” وغيرها؟

وتجيبنا نجمي “إنها قراءة ممكنة لكنها لم تكن حاضرة بوعي أثناء الكتابة، على الأقل في المرحلة الأولى. إذا نظرنا إلى الرواية من هذه الزاوية أظن أنها تقدم رؤية مختلفة عن العناوين التي ذكرتها.

رواية ‘موسم الهجرة إلى الشمال‘ مثلا والتي أعتبرها من أجمل الروايات العربية، كانت لها رؤية جديدة في وقتها للعلاقة بين الغرب والشرق، ولكن هذه الرؤية أصبحت تقليدية خصوصا أمام الخطاب ما بعد الكولونيالي”.

وتتابع “أظن أن رواية ‘تشريح الرغبة‘ تقدم رؤية قائمة على الندية وعلى النقد المتبادل والنقد الذاتي من الطرفين الغربي والشرقي. ولكي أكون صادقة معك كان تركيزي بعيدا عن هذا الموضوع، إذ كانت تشغلني التجربة الإنسانية وموضوع الانفصال نفسه، بتفاصيله الدقيقة والمؤلمة، خصوصا عندما يحدث بعد ربع قرن من الزواج، وربما من هنا جاء عنوان الرواية ‘تشريح رغبة‘ كل طرف، أحدهما في البقاء والآخر في الذهاب. لا أنكر أنه أثناء هذه العملية التشريحية تظهر بعض العقد التي تشكلت بسبب ألمانية الزوجة ومغربية الزوج”.

وحول اخيارها لهذه الفكرة لتكون معالجتها أول رواية لها، وتأثير عمليات الهجرة التي نزحت إلى أوروبا مع اشتعال الحروب في دول مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن، تؤكد نجمي على أهمية التجربة بالنسبة إلى الكاتب تقول “لا بد للكاتب من التجربة، لا أذكر الآن اسم الشاعر الأميركي الذي قال إن ‘التجربة مهمة للكاتب ولو كانت تقشير الجزر، لأن هذه العملية البسيطة تعطيك استعارات وتشبيهات‘”.

وتضيف “أعيش في ألمانيا منذ اثني عشر عاما، وطبعا هناك العديد من التجارب التي عايشتها تستحق الكتابة، تجربة الاغتراب نفسها اختبار لنفسية الإنسان، إذ تخلق صراعات داخلية تصل أحيانا إلى أزمة في الهوية، هذا إلى جانب نماذج إنسانية نلتقي بها جديرة بالتأمل: ازدواجية الرجل العربي مثلا في التعامل مع المرأة الأوروبية والمرأة العربية وكذا ازدواجية بعض الأوروبيين في التعامل مع العرب، وهو تعامل قائم على نظرة استشراقية”.

   

رواية "تشريح الرغبة" تقدم رؤية قائمة على الندية وعلى النقد المتبادل والنقد الذاتي من الطرفين الغربي والشرقي

وتشير إلى أن الرواية كذلك تتناول الحرب في سوريا وأزمة اللجوء التي شهدتها ألمانيا والتي أدت إلى حالة انقسام في المجتمع الألماني، وذلك من خلال الشخصية الرئيسية الثالثة في الرواية وهي لاجئة سورية.

 فقد أحدث موضوع اللجوء تغييرات كثيرة على مستوى الخطاب الإعلامي والمجتمعي والثقافي في ألمانيا بل حتى على مستوى الحياة اليومية خصوصا بالنسبة إلى الألمان من أصل عربي، وكان صعبا بالنسبة إليها أن تنظر بعيدا عن ذلك ككاتبة.

وتنفي نجمي أن يكون لعملها في الترجمة دور في اتجاهها إلى الرواية “لا، لا علاقة للترجمة باتجاهي إلى الرواية فكما قلت لك بدأت في الكتابة السردية منذ زمن بعيد، حتى قبل الاتجاه إلى الترجمة، لكنها تمرين كتابي جيد يقوي أدوات الروائي ويجعله ينفتح أكثر على العالم”.

أما عن إفادتها من عملها الإعلامي في الرواية من حيث معايشة التفاصيل، فهي ترى أنه سواء بوعي أو غير وعي تلقي المهنة بظلالها على الكاتب والكتابة الصحافية على الخصوص هي وجه آخر للكتابة الإبداعية، لكنها تعتقد أن عملها الإعلامي كان له دور خافت في رواية “تشريح الرغبة”، بالرغم من أن بطلة الرواية صحافية إذاعية، إلا أنه لم يكن هناك تركيز كبير على مهنتها، باستثناء تفاصيل وإشارات بسيطة، فالتركيز كان أكثر على الغوص في المشاعر والتقلبات النفسية الناجمة عن انفصال مؤلم في مرحلة عمرية متقدمة.

وتذكر نجمي أن توظيف الخبرة في المجال الإعلامي استثمرتها بشكل كبير وأساسي في الرواية التي لم تنشرها ومارست عليها رقابة ذاتية، فقد كان الإعلام موضوعها الأساسي وهذا بالضبط سبب عدم نشرها، إذ تخوفت من الخلط بين تجربتها المهنية الشخصية وأحداث الرواية غير المنشورة.

الأصوات الجديدة

النقد الذاتي

تشير نجمي إلى أن المكونات التي شكلت رؤيتها وكانت دافعا للإبداع تمثل في القراءة، وتقول “من المهم أن نقرأ أكثر مما نكتب. ثانيا البيئة التي نشأتُ فيها شكلت رؤيتي وكانت دافعا أساسيا في اتجاهي إلى الكتابة: النشأة في بيت به أم شاعرة وروائية وأب شاعر وروائي وصحافي، والتواجد باستمرار في الندوات والأنشطة الثقافية ولقاء مبدعين كبار من مختلف أنحاء العالم والانبهار بهم، ذلك كله ترك أثرا كبيرا علي.

ثم لا بد من قدر من الاستعداد النفسي والميول إلى جانب المعرفة بمختلف مصادرها: القراءة، السينما، المسرح، المعارض.

 فالفنون مهمة في تغذية العملية الإبداعية، هذا إلى جانب روح التلمذة والإنصات والتعلم من الكتاب الكبار. مكون آخر بالنسبة إليّ أساسي هو السفر الذي يمنح الكاتب ترسانة من الأفكار والصور الجديدة”.

عن تجربتها الشعرية ومراحل تطورها، ترى نجمي أنه من الصعب التحدث من خارج التجربة لأن تقييمها لن يكون موضوعيا، وتفضل أن تترك الأمر للنقاد، وتقول “إن تجربتي الشعرية أخذت مسارا هادئا وبطيئا وحرصتْ على أن تطل على اليومي وعلى الشخصي وعلى العالم عموما”.

وتلفت إلى أن رؤيتها للمشهد الروائي في المغرب تتسم بالكثير من التفاؤل “هناك أعمال روائية مغربية لافتة في جودتها ولغتها وجرأة مواضيعها. الأصوات الجديدة من الشباب فتحت أفقا جديدا في السرد المغربي والعربي وهذا جاء بفضل الأسماء الكبيرة التي أوصلت الرواية المغربية إلى مرحلة النضج كالكاتب محمد برادة مثلا، كما أن عددا من الشعراء المغاربة كتبوا الرواية ونجحوا في أعمالهم في مقدمتهم الشاعر محمد الأشعري”.

وتتابع “الرواية المغربية المكتوبة بالعربية كانت ولا تزال حاضرة في الجوائز العربية، والروايات المغربية المكتوبة بالفرنسية حصدت جوائز عالمية، رغم ذلك لا يمكن أن أدعي أنها بالزخم نفسه لحضورها في مصر، لا أملك أرقاما رسمية لكن أظن من الناحية العددية على الأقل لا تزال الرواية المغربية بعيدة عن أرقام الانتاجات المصرية”.

وفي ذات الإطار تؤكد نجمي أن “المشهد الشعري العربي بخير، هناك أصوات شعرية رائعة من دول عربية مختلفة لا أملك ذكرها جميعا والكثير منها من الشباب.

أما ما يراه البعض فوضى في وسائل التواصل الاجتماعي، فتلك الفوضى غير مقتصرة على الشعر ولا على النصوص الإبداعية بشكل عام وإنما على كل ما ينشر، أصبح من الممكن لأي شخص نشر آرائه أو ما يراه إبداعا وهو حرّ في ذلك، الفيصل في جودة ما يقدمه وفي المتلقي.

 شخصيا من النادر أن أنشر قصائدي على الفيسبوك إلا في بعض المناسبات، والسبب يعود أساسا إلى التعليقات التي تحيد عن النص نفسه وتنتقل إلى التعليق على الموضوع وإسقاطه على حياة الشاعرة الشخصية، ولا يتم التعامل معه كنص إبداعي محض وهذا أزعجني”.

 

  • كاتب مصري

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي