طاهر علوان*
ما بين مجتمع القراءة ومجتمع المشاهدة ثمة فاصلة تتسّع لاسيما في زمننا الحاضر حيث ازداد الشغف بالصورة وبالمشاهدة فيما أصبح الانصراف عن القراءة ظاهرة عامة.
خلال ذلك كان الجمهور العريض يشاهد أفلاما عظيمة هي في الأصل مأخوذة عن روايات ناجحة لكن ذلك الجمهور لا يلتقت غالبا لما هو مكتوب أي إلى النص الروائي فيزداد انشدادا للفيلم.
هذه العلاقة الإشكالية بين الوسيطين السرديين والتعبيريين بقيت قائمة منذ بواكير السينما وازدهار الموجات السينمائية ابتداء من خمسينات القرن الماضي وحتى الساعة، ولهذا لا نستغرب أن أهم الروايات وأكثرها نجاحا ورواجا سرعان ما وجدت طريقها إلى الشاشة ومنها روايات لكتّاب مرموقين حازوا على جوائز عالمية.
بالطبع يمكننا أن نستعرض في هذه المساحة العشرات من الروايات التي تم تحويلها بنجاح إلى أفلام وحتى على صعيد السينما العربية وحيث يمكننا التوقف عند مدرسة في حد ذاتها تحمل اسم الروائي الكبير نجيب محفووظ حيث نقلت أهم رواياته إلى الشاشة بل إنه هو نفسه ذهب بعيدا وعميقا ليدرك أسرار كتابة السيناريو وشارك في كتابة سيناريوهات عدد من الأفلام.
في ذات الوقت بقيت السينما العربية بعيدة عن نقل العشرات من الروايات المهمة والناجحة إلى الشاشة ومنها روايات عبدالرحمن منيف وحنا مينة وعبدالرحمن الربيعي وإبراهيم الكوني وأمير تاج السر وعزة القمحاوي وإدوار الخراط ولنا عبدالرحمن وإسماعيل فهد إسماعيل وعبده خال ورجاء عالم والحبيب السالمي وشكري المبخوت وعبدالحميد بن هدوقة وغيرهم.
الحاصل أن الإشكالية المرتبطة بالرواية تكمن في عدم الانتظام في الإنتاج السينمائي الذي يواكب المنجز الروائي كما هو الحال في التجارب العالمية الأخرى، وتلك هي الثغرة التي تعمق الفاصلة بين الوسيطين التعبيريين وليس ذلك فقط بل إن نقل تلك الأعمال إلى الشاشة سوف يزيد من شعبية الأعمال الروائية ويقرّب من اهتمام القارئ بالرواية المكتوبة أما وأن الإنتاج السينمائي متعثر وفي الكثير من الحالات معطل فإن تكدّس الأعمال الروائية وعدم تسليط الضوء عليها سوف يبعدها عن الجمهور العريض.
في المقابل نجد أن التجارب السينمائية الناجحة تبحث بشكل دائم عن مصادر مكتوبة تكون في مستوى ما تبتغيه عملية الإنتاج السينمائي، ولهذا كانت أكثر قربا من الجمهور العريض الذي سرعان ما يتفاعل مع الأفلام الناجحة أيا كان مصدرها.
لكن الإشكالية هي النظر إلى المال الذي يتم تخصيصه لغرض الإنتاج السينمائي على أنه نوع من الهدر الذي هو في غير محلّه، لكن أصحاب هذه النظرة الضيقة لن يجدوا نفس الموقف في التجارب السينمائية العالمية حيث يسود الإنفاق المتواصل من أجل الإنتاج السينمائي وتنمية الثقافة السينمائية وتعزيز صناعة الترفيه بالمزيد من الإنتاج السينمائي.
الدبلوماسية الناعمة الممثلة في الإنتاج السينمائي لا تحتاج إلى الكثير من الشرح والتفصيل حيث إن الرواية والأفلام خير الأمثلة قادرة على التأثير في الجمهور العريض.
من المؤسف أن النظرة التي ما تزال ينظر بها إلى السينما على أنها مضيعة للوقت وأن الإنفاق عليها لا طائل من ورائه قد امتدت إلى الرواية حتى صار تكدّس الروايات التي تظهر في كل عام وبعضها نال جوائز رصينة ومع ذلك لا يجري الاهتمام بها بما فيه الكفاية ظاهرة معتادة وبذلك تخسر السينما فرصة لنقل تلك الأعمال إلى نوع من المصادر والقصص السينمائية التي تغني وتثري.
*كاتب عراقي مقيم في لندن