الأكاديمي الأميركي جون إسبوسيتو يتحدث عن الإسلاموفوبيا وعنف الجماعات اليمينية المُستتر

2021-06-20

الأكاديمي الأميركي جون إسبوسيتو ألّف كتبا عدة منها

عثمان أمكور - الرباط

تمددت الإسلاموفوبيا أو ظاهرة رهاب الإسلام في المجتمعات المعاصرة إلى درجة أنها شملت شتى مجالات الحياة المتفاعلة مع الدولة وأجهزتها، وجاوزت الساحات المعتادة لتؤثر في جوانب أخرى من الحياة الإنسانية.

وهذا التمدد الكبير هو بالضبط ما تطرق إليه البروفيسور الكبير جون إسبوسيتو (John Esposito) أستاذ الدين والشؤون الدولية والدراسات الإسلامية بجامعة جورجتاون (Georgetown University)، المدير المؤسس لمركز الوليد بن طلال للتفاهم بين المسلمين والمسيحيين في كلية والش للخدمة الخارجية، والرئيس السابق للأكاديمية الأميركية للدين ورابطة دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية، والمستشار السابق لوزارة الخارجية الأميركية.

ونشر إسبوسيتو مجموعة من الدارسات إحداها "الإسلاموفوبيا والتطرف: تربية التعصب والعنف" (Islamophobia and Radicalization: Breeding Intolerance and Violence)، صادرة عن سبرينغر (springer)، عام 2018.

   

يرى إسبوسيتو أن "الخوف من الإسلام والمسلمين -ليس فقط المتطرفين المتشددين والإرهابيين- أصبح أمرا طبيعيا في الثقافة الشعبية في أميركا وأوروبا".

يقدم البروفيسور في هذه الدراسة معالجة متعددة الأبعاد للأسباب الجذرية المفسرة لكل من التطرف وكراهية الإسلام، من خلال فحص البناء الثقافي الداعم للخطابات الراديكالية والمعادية للإسلام وتسليط الضوء على السياقات المحلية والعالمية التي تغذي هذه المواقف المتطرفة.

ويسعى هذا التقرير من خلال الإضاءات التي قدمها إسبوسيتو للجزيرة نت إلى أن يفكك أبعاد رهاب الإسلام ويحدد جذوره.

المد الأخضر بديلا عن الأحمر

كانت لحظة الثورة الإيرانية (1978-1979) فارقة للجميع فإطاحة الشاه الإيراني غيرت الخريطة السياسية والخريطة الأيديولوجية الداعمة للمشهد، وهو ما انعكس على نظرة الغرب إلى الإسلام، حسب الأكاديمي الأميركي.

وفي هذا الصدد يقول إسبوسيتو للجزيرة نت إن دعوة الخميني القائمة على تصدير "الثورة الإسلامية" الإيرانية واجتياح السفارة الأميركية وما خلّفه من أزمة الرهائن هو ما شكل "العدسة" التي من خلالها نظر كثيرون إلى العلاقة الرابطة بين الغرب والمسلمين.

وتعزز الخوف من تصدير إيران لـ"الأصولية الإسلامية المتطرفة" من خلال الانتفاضات الشيعية داخل المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، وكذلك اغتيال الرئيس المصري أنور السادات على يد أعضاء "الجهاد الإسلامي" بمصر في عام 1981، حسب الأكاديمي الأميركي.

ويضيف إسبوسيتو أنه "بحلول التسعينيات وسقوط الاتحاد السوفياتي، حلّ الخوف من الخطر الأخضر (الأصولية الإسلامية) محل الخطر الأحمر باعتباره محور التهديد الدولي، فكانت المخاوف من الإسلام المتطرف، والتهديد الذي يشكله على الشرق الأوسط والغرب تلوحُ في الأفق بوجه كبير إذ مثّلت دعوة صدام

حسين لمسلمي العالم إلى الانتفاض وجهاد من عدّهم الصليبيين الغربيين خلال حرب الخليج عام (1990-1991) تذكيرا مخيفا بخطاب آية الله الخميني المتمثل بتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية: لقد أكدت هذه الدعوة المخاوف من تهديد إسلامي متشدد مسلح أو حرب على الغرب".

وهو ما تطور وتدعم بعد أحداث "11 سبتمبر/أيلول 2001 التي شهد فيها العالم انهيار مركز التجارة بنيويورك"، واستهداف البنتاغون على يد تنظيم القاعدة هو ما أدى -حسب إسبوسيتو- إلى "تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا إذ طعن المعارضون في جدوى التكامل والتعددية الثقافية التي تمكن المواطنين المهاجرين والمقيمين في الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية من الاحتفاظ باختلافاتهم الدينية والإثنية، وهو ما جابهته فرنسا واليمين المتطرف في أوروبا باعتباره منفذا لتغلغل الإرهاب المحلي داخل هذه الدول".

تطبيع الغرب مع الإسلاموفوبيا

أحداث 11 سبتمبر/أيلول ليست سوى اللحظة الأولى الممهدة لتنامي خطاب الإسلاموفوبيا داخل النسيج الأوروبي الذي شهد "تطبيعًا" مع خطاب الإسلاموفوبيا، فحسب إسبوسيتو هذا التطبيع نتاج لـ"التغطية الإعلامية السلبية بحق الإسلام والمسلمين، التي بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق سنة 2015، إذ شكلت

الهجمات الإرهابية المنظمة من قبل القاعدة وداعش والمنظمات الإرهابية الأخرى سواء محليًّا أو دوليًّا وكذلك وسائل الإعلام الاجتماعية والانتخابات الأميركية الرئاسية والأوروبية عوامل محورية في نمو الإسلاموفوبيا"، حسب الأكاديمي الأميركي.

ويضيف إسبوسيتو أن "الخوف من الإسلام والمسلمين -ليس فقط المتطرفين المتشددين والإرهابيين- أصبح أمرا طبيعيا في الثقافة الشعبية في أميركا وأوروبا، ووفقا لمعهد أبحاث الدين العام، لم يُنظر في الولايات المتحدة إلى أي مجموعة دينية أو اجتماعية أو عرقية على أنها تواجه تمييزا أكثر من المسلمين".

وهو ما هدد، حسب إسبوسيتو، "الحريات المدنية للمسلمين، وأثّر في المسلمين بكل تلاوينهم، وفي السياسات الخارجية الغربية الواعية المتمثلة في ردود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إزاء الربيع العربي وانتكاساته، ودعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحلفائها المستبدين العرب"، حسب تعبير الأكاديمي الأميركي.

كذلك عكست الانتخابات السياسية الأميركية والأوروبية نمو الإسلاموفوبيا وتأثيرها، وحسب إسبوسيتو فإن هذه الانتخابات هي عامل رئيس ومحفز "للخطاب السياسي المعادي للإسلام، فمثلا خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية عامي 2008 و2012 اتهم البعض أوباما بأنه مسلم (وهي تهمة لا يزال يعتقد بها البعض رغم

دحضها) كما أثار الجمهوريون قضايا تتعلق بالإسلام والمسلمين الموظفين في الحكومة. وفي الانتخابات التمهيدية الرئاسية الأميركية عام 2016 أثار مرشحون جمهوريون مثل دونالد ترامب، وتيد كروز، ونيوت غينغريتش أسئلة تشير إلى وجود تهديد إسلامي وعدم توافق الإسلام مع المبادئ والقيم الأميركية".

في هذا السياق -يضيف إسبوسيتو- جاءت "دعوة ترامب إلى تجميد مؤقت لهجرة المسلمين الأجانب نحو الولايات المتحدة، فضلا عن المراقبة أو حتى الإغلاق القسري للمساجد الأميركية، نتيجة لخطاب التطرف اليميني المعادي للأجانب والمسلمين والعنصري في أوروبا وأميركا، وهو ما يمكن رؤيته في الخطاب الذي

يغذي الإسلاموفوبيا، المتجسد في الدعوة للهجمات على المسلمين والمساجد، ومعارضة هجرة المسلمين، وظهر ذلك في معارضة هجرة عشرات الآلاف (من أصل 4.7 ملايين لاجئ سوري) من ضحايا الحرب في سوريا".

صراع الحضارات بوابة الإسلاموفوبيا

نشر صمويل هنتنغتون، الأستاذ البارز بجامعة هارفارد ومستشار الحكومة الأميركية، مقالته "صراع الحضارات" في المجلة المرموقة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) في عام 1993، كما نشر كتابا عام 1996، عنونه بـ"صراع الحضارات والنظام العالمي الجديد"، حذر فيه من مخاطر صدام الحضارات

الوشيك بين الحضارة الغربية والإسلامية. وهنتنغتون حسب إسبوسيتو "أغفل التمييز بين الإسلام والمسلمين العاديين وأفعال الإرهابيين المسلمين، وقال ببساطة إن (الإسلام دموي في حدوده كما في عمقه)".

ويرى إسبوسيتو أن "وجهة نظر هنتنغتون موغلة في التبسيط (الاختزال) بربط إراقة الدماء بالإسلام، وليس بتصرفات أقلية من الإرهابيين المسلمين لديهم مطالب سياسية بالأساس. وأصبح كتاب هنتنغتون من أكثر الكتب مبيعا على المستوى الدولي، وصار جزءا من المفردات السياسية للعديد من صانعي السياسة والإعلام".

ويضيف أنه "بعد 11 سبتمبر/أيلول، بدا أن استخدام إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش كلمات مثل الحروب الصليبية والعدالة اللامتناهية قد ألقى بما يسمى بالحرب على الإرهاب العالمي على أنها مدفوعة بصدام الأديان والحضارات، على النقيض من استطلاع غالوب العالمي 2005-2007 (الذي ساهمتُ بإعداده وشمل 35 دولة مسلمة) إذ أظهر أن المشاعر المعادية لأميركا لم تكن مدفوعة في المقام الأول بالدين والثقافة بل كانت مظهرا من مظاهر معاداة السياسة الخارجية الأميركية".

ويردف الأكاديمي الأميركي "انتقد المشاركون في الاستطلاع من المسلمين بشدة المنهج الذي شكل به توني بلير وجورج بوش سياساتهم وأجنداتهم، وكانت لديهم آراء أكثر اعتدالا تجاه القوى الغربية مثل فرنسا وألمانيا التي خالفت تلك السياسات، وبالمثل، أفاد 66% من الكويتيين في مسح عام 2006 بآراء غير موافقة لطرح الولايات المتحدة".

الإسلاموفوبيا والإسلام السياسي

وشكل صعود الأحزاب والحركات القومية اليمينية المتطرفة في فرنسا وهولندا وإنجلترا والنمسا وبولندا والمجر، التي تعادي المسلمين والمهاجرين، تهديدا ينذر بالخطر كما هو الحال مع سياسات الإسلاموفوبيا التي جسّدتها إدارة دونالد ترامب والحزب الجمهوري، حسب ما يرى إسبوسيتو الذي أضاف أن "القادة الأوروبيين

مثل الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار سيباستيان كورتس في النمسا تبنّوا سياسات خطرة معادية للإسلام والمسلمين في فرنسا والنمسا، حيث تحركت الحكومات في مواجهة الأفراد ومنظمات المجتمع المدني التي تشكل التيار العام للإسلام، بدعوى أنهم يمثلون الإسلام السياسي ويشكلون تهديدا للمجتمع الفرنسي والنمساوي".

وفي الواقع، يردف إسبوسيتو، "هم يسيئون فهم مصطلح الإسلام السياسي ويسيئون استخدامه، فالإسلام السياسي مصطلح يمكن أن يشير إلى المنظمات الإسلامية والمنظمات غير الحكومية، كما يمكنه أن يشير إلى الحركات المتطرفة الخطرة.

باختصار، يمكن أن يشير الإسلام السياسي إلى المسلمين الذين يدعمون الديمقراطية الليبرالية (مثل الغنوشي) وأولئك الذين يدعمون تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة (أمثال بن لادن أو البغدادي)، وبالتأكيد الفروق بين هذين النوعين جوهرية، والإخفاق في وضع هذا التمييز الحاسم يهدد الحريات المدنية، والديمقراطية والتعددية (الدينية والعرقية) للمجتمعات المسلمة الرئيسية".

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي