الكاتب العراقي ضياء جبيلي: المحلية من أساسيات العمل السردي

2021-06-16

لقد ترعرعت الخرافة معنا وتفاقمت

عواد علي*

خطّ الروائي العراقي ضياء جبيلي تجربة أدبية مميزة على مدى رواياته وقصصه التي لا تخلو من الغرائبية والابتكار المثير للتساؤل، وهو الذي ينطلق من مقولة الروائي التشيكي ميلان كونديرا أن الرواية هي “فن المصادفات أو هي ثمرة وهم إنساني”، لكنه لا يستعمل الوهم لأجل الوهم بل يحاول من خلاله تعرية الحقائق وسرد حكايات العراق وبالأخص البصرة.

التقينا ضياء جبيلي وحاورته حول جملة من القضايا تتعلق بتجربته الروائية والقصصية.

كتب العديد من النقاد والأدباء العراقيين والعرب عن المنجز السردي لضياء جبيلي، وركز أغلبهم على الملامح التجديدية فيه، وتناوله لعوالم الأقليات والهويات الخاصة في العراق، والمحن التي عاشوها من جراء الحروب والصراعات المختلفة، كما لفتوا إلى اتخاذه مدينة البصرة فضاء تجري فيه أحداث كثيرةٍ من أعماله، ونزوعه إلى السرد الغرائبي والأجواء الحلمية.

ولعل من المناسب في هذا السياق إيراد رأي القاص محمد خضير في رواية جبيلي “تذكار الجنرال مود” الذي يقول “يمكن القول إنها واحدة من الروايات العراقية المهمة القليلة التي صدرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من عمر السردية العراقية، ولا تكتسب هذه الرواية أهميتها مما قد يقال عن موقعها على الخارطة

العائدة لما اصطلح على تسميتها بـ’الرواية العراقية الجديدة’، لأن رواية جبيلي مثلما جاءت مختلفة عن روايات كثيرة اشتهرت بتمركزها (أو تمركز مؤلفيها) حول الاستعادات الذاتية شبه الغامضة، في معظم نتاجات الرواية العراقية ‘ما قبل الجديدة’، فإنها وقفت خارج مشاكل البطء والتكرار على مستوى التقانة، والهوس بالتقليعات الثقافية وحتى الأنثربولوجية التي لم تتمكن من العثور، كما هو الحال في أكثر من محاولة، على عناصر القوة داخل السرد لدى العديد من كتّاب الرواية العراقية الجديدة”.

الرواية والتجريب

 

أسهم جبيلي بجدارة في إبراز المعالم الجديدة للرواية والقصة العراقية في الألفية الثالثة، وفاز بجوائز عربية عديدة أبرزها جائزة دبي للإبداع عن رواية "لعنة ماركيز" 2007، جائزة الطيب صالح عن مجموعته القصصية "ماذا نفعل بدون كالفينو" 2017، وجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية بالشراكة مع الجامعة الأميركية عن مجموعته "لا طواحين هواء في البصرة" في الكويت 2018.

تحمل أربع من روايات جبيلي أسماء شخصيات مثل ماركيز وفنسنت والجنرال مود وبوغيز، وكذلك مجموعتاه القصصيتان “ماذا نفعل بدون كالفينو” و”النمر الذي يدّعي أنه بورخس”، نسأله إن كان مرد ذلك أن الشخصية في رأيه هي المكون الأبرز في البنية السردية، ليجيبنا جبيلي “ليس تماما، لكنني أحاول توظيف العالمي ومزجه أو حتى تطبيقه على المحلي لينتج في النهاية نوعا من السرد يكون قريبا مما يحدث في العالم، وفي الوقت نفسه لا يبتعد عن المحلية التي هي من أهم أساسات العمل السردي”.

ويضيف “ربما يعد البعض ذلك أسلوبا لجذب الانتباه، أو مجرد فهلوة لفظية، لكن في الحقيقة عندما تقرأ ‘لعنة ماركيز’ على سبيل المثال، فإنك لا تجد من ماركيز سوى في حضوره الرمزي الذي يشكل دافعا لمجموعة من الكتّاب الشبّان لكتابة رواية عن العراق، قبل أن يفعل ذلك ماركيز.

من ناحية أخرى، قد يأتي توظيف بعض الشخصيات الشهيرة مثل الجنرال مود وكلكامش وغيرهما بدافع من التخييل التاريخي، أو الغرائبي والحلمي مثلما هو الحال في ‘النمر الذي يدّعي أنه بورخس'”.

تتخذ روايات الكاتب وقصصه مدينة البصرة فضاء تجري فيه الأحداث على نحو تتنقل من خلاله عبر التاريخ، وتتداخل فيه الأزمنة.

نسأل الكاتب هنا حول مدى اختلافه عن الكتّاب البصريين الذين تعاملوا مع المدينة كيوتوبيا في أعمالهم السردية، أو الذين جاءت كتابات بعضهم أشبه بمرثيات سردية لفينيسيا عربية تُدعى البصرة كانت حافلة بالتنوع والثروات الصغيرة، وبالشعر والسرود الجميلة.

يقول جبيلي “سبق أن قلت في مناسبة أخرى إنّ البصرة منجم للقصص التي لا تنتهي، وأضيف هنا أنني صرت أحاول في السنوات الأخيرة إعادة تعريف المدينة، أو لفت الانتباه إلى أنّها مدينة أدب وفن قبل أن تراها الأغلبية الآن بهيئة برميل نفط عملاق.

فبالإضافة إلى التلوث البيئي بسبب النفط، هناك تلوث من نوع آخر يمكن ملاحظته حتى في الحديث اليومي للناس، ففي الماضي كانت البصرة إذا ذُكرت يكون ذكر إخوان الصفا والفراهيدي وأبوالأسود والفرزدق والسياب والبريكان ومحمود عبدالوهاب ومحمد خضير وغيرهم أمرا بديهيا.

أما الآن، وكونها مطمع الجميع تجد النفط يلعب دورا كبيرا في حرف المنحى الثقافي فيها لصالح الاقتصادي”.

ثمة منحى ميتاسردي في روايتي جبيلي “لعنة ماركيز” و”وجه فنسنت القبيح”، نسأله هل يشكل ذلك نوعا من القصدية في اجتراح لعبة كتابية أم أنه نزوع سردي ما بعد حداثي؟

يجيبنا الكاتب “برأيي على الكاتب أن يجرّب كثيرا قبل أن يجترح له صوتا خاصا يميزه عن غيره. وقد شكّل النزوع السردي ما بعد الحداثي لدي في فترة مبكرة وعيا مختلفا ساعدني على فهم جدوى أن يتطوّر الأدب.

لهذا جاءت هذه المحاولات لتضيف إلى تجربتي طعما لم يكن مألوفا من قبل من خلال روايات التحري والألغاز وتداخل الواقعي بالغرائبي، ودور المؤلف ودخوله أحيانا كشخصية فاعلة سواء كانت متوارية أو ظاهرة”.

التشظي والخرافة

قال جبيلي مرة إن “فن الرواية هو الروح الخلاقة التي لا يملكها سوى مرضى نفسيين هم في الواقع أكثر إدراكا وفهما من علماء النفس أنفسهم”. يعلق جبيلي معللا ذلك من خلال تجربته الروائية قائلا “في الواقع إن دل هذا القول على شيء، فهو يدل في النهاية على روح الفرادة التي يمتلكها الكتّاب والفنانون.

الكاتب المحترف يشعر دائما بحالة فصام غريبة ولذيذة تفصله عما يدور في الواقع وهو يكتب، ولهذا يبدو الانتهاء من كتابة عمل أشبه بالاستيقاظ من نوم عميق يرى فيه حلما متواصلا زاخرا بالأحداث والشخصيات، وهو أمر لا يُتاح لأي كان، إلا لأولئك الذين يمرضون بالخيال وينعمون بعوالمه اللامتناهية”.

يختار بطل رواية جبيلي “أسد البصرة” لنفسه ثلاثة أسماء في الوقت ذاته؛ موشي وخاجيك وأمل، وهو يعيش أزمة نفسية تمثلها ثلاث نساء (العمة اليهودية هيلا، الخالة الأرمنية ميساك والأم بالتبني المسلمة حنان) فهل كانت هذه الأزمة تمثل جزءا من أزمة كبيرة يعيشها المجتمع العراقي الكبير؟

البصرة منجم للقصص التي لا تنتهي

يجيب جبيلي “بالتأكيد، إنه تشظي الهوية الذي يمكن ملاحظته في شخصية الفرد العراقي، الهوية على امتداد تفرعاتها وأشكالها.

لقد فعلت الهويات الدينية والمذهبية دورا كبيرا في تنحية شعور الفرد العراقي بالحس القومي مثلا، وجعلت انتماءه مناطقيا بالدرجة الأولى.

وقبلها كانت القومية قد وُظّفت من قبل الأنظمة الدكتاتورية حتى قوّضتها كثرة الاستعمال السلبي، فأصبح المصطلح هشا أمام مسميات أخذت تنمو حتى أصبحت تطغى على المصلحة الوطنية عموما.

نحن نعيش أزمة هوية حقيقية تغذيها عادة السياسة الحالية بمفاهيم خاطئة، ويجري ذلك عمدا في كل الأحوال”.

ينطلق جبيلي في روايتيه “أسد البصرة” و”تذكار الجنرال مود” من خرافة شعبية.

كما سألناه .. هل هذا من قبيل التمثيل الرمزي للواقع؟ وكيف تؤدي الرمزية وظيفتها في السرد الروائي الجديد حسب رأيك؟

يقول جبيلي “تعيش الخرافة بيننا وتنمو منذ آلاف السنين. إنها جزء من ثقافة شعب يؤمن دائما بنظرية المؤامرة، وهناك من يصدّق أن لقاح كورونا يمسخ الإنسان إلى زومبي! لقد ترعرعت الخرافة معنا وتفاقمت وأصبح التعامل معها وجها لوجه، بعيدا عن الرمزية التي أرى أنها تلاشت بعد أن صار كل شيء واضحا، وتوسعت مساحة الحرية بما يكفي لأن نسمي الأشياء بمسمياتها”.

 

  • كاتب عراقي

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي