مسلسل "الاختيار": حرب المعلومات في معركة السُلطة مع الإرهاب

2021-05-02

ميزة التصوير الوثائقي المُصاحبة للأحداث بتواريخها الدقيقة

كمال القاضي*

فرضت نهاية الجزء الأول من مسلسل «الاختيار» في الموسم الرمضاني السابق، وجود كريم عبد العزيز كبطل للأحداث الجديدة، حيث اقتضت وفاة الضابط أحمد منسي، غياب أمير كرارة عن الجزء الثاني، حفاظاً على المصداقية الدرامية، حيث أنه من غير المنطقي، استمرار البطل نفسه بالمواصفات الشكلية والجسمانية نفسها، في أداء شخصية أخرى، ولهذا كان حتمياً استبدال كرارة بكريم ليبقى الامتداد طبيعياً بتنوع الأحداث والتفاصيل، فشخصية الضابط زكريا يونس، التي تستحوذ على التركيز والاهتمام، لها الحضور نفسه، والوقع ذاته، وتتمتع بجاذبية درامية وإنسانية، تجعلها جديرة بملء فراغ شخصية منسي، التي بُنيت عليها الأحداث كافة في الجزء الأول، ناهيك من وجود شخصية يوسف الرفاعي التي يؤديها أحمد مكي، بكل زخمها وثقلها، فتزيد من ثراء الحدث وعمق الرؤية في كل حلقة، وهو ما يُعد اكتشافاً آخر لقدرات مكي النوعية في التمثيل والأداء، خارج مساحته الكوميدية المعهودة.

ولا شك في أن الصبغة الإنسانية التي يتسم بها الجزء الثاني من المُسلسل، قد خلقت بعداً مُختلفاً للأحداث والشخصيات، فترك ذلك أثره الإيجابي في المشاهد، وربما تحققت ذروة التماس النفسي والإنساني بين الجمهور والعمل الفني الكبير، في لحظة استشهاد ضابط الأمن الوطني محمد مبروك، الذي أدى دوره إياد نصار بتمكن، عمّق من الإحساس بالشخصية فانعكس أداؤه على الحالة الدرامية العامة، فزادت جرعات التعاطف والتفاعل السريع بين المُتلقي والحدث الفني والواقعي، وهو ذكاء يُحسب للكاتب هاني سرحان، كونه لم يجعل الهدف الرئيسي هو الحرب بين الفريقين على خلفية التناحر والمواجهة الدامية بين من يؤمن بالدور الأمني، ومن يُصر على المقامة المُسلحة، ولضمان تحقيق المُعادلة الفنية بنسبها المتساوية بين الإنساني والتراجيدي والملحمي، تم توسيع زوايا الرؤية فأخذت علاقة الضابط «يوسف الرفاعي» أحمد مكي بأبيه الفنان الراحل هادي الجيار وصديق أبيه أحمد حلاوة وقتاً أطول في استعراض التفاصيل الحياتية والعائلية ومشكلة الرفاعي مع خطيبته أسماء أبو اليزيد وغيرها، وكذلك التعريج القليل على حياة الضابط «زكريا يونس» كريم عبد العزيز وزوجته وأسرته، لم يأت من قبيل فرد المساحات الدرامية فحسب، وإنما جاء أيضاً في إطار التدشين لنقل صورة حية عن الحياة العائلية للعاملين في القطاع الأمني، بعيداً عن الصورة النمطية الثابتة لهم كشخصيات لا تمارس شيئاً حيوياً خارج نطاقها الوظيفي.

نأتي إلى النقطة الجوهرية والأساسية في الجزء الثاني من مسلسل «الاختيار» التي نراها أكثر إضاءة، وهي المُتمثلة في عناية الكاتب بتوفير المعلومة الصحيحة عن طبيعة الصدام بين القوتين المتصارعتين في مدارات شتى، وكيفية إدارة الحرب بينهما، وملامح الخُطط المدروسة من جانب الطرفين بدقة شديدة، وهي الخلفية الوثائقية شديدة الأهمية في بانوراما الأحداث المتواترة والسريعة والغنية، حيث لم يكن بالإمكان إقناع الجمهور بأي من الصور المرئية والوقائع، إلا إذا توافرت السندات المطلوبة لاستقامة المفاهيم وصحة هذه الوقائع مع عمل التغطية التسجيلية الكاملة لجوانب الأحداث كافة بمعطياتها الصغيرة والكبيرة، وما يدل على صحتها، سواء ما يتعلق منها بالاقتحامات والمداهمات الأمنية لبؤر الإرهاب، وتصفية بعض العناصر الخطرة، والقبض على العناصر الأخرى، أو ما يتصل بتكتيك التنظيمات الإرهابية وجهودهم الدؤوبة للوصول إلى كمائن الشرطة، واستهدافها عن طريق العملاء، وتوظيف المال السياسي في تنفيذ المُخططات والعمليات الكبرى، بمباركة الجهات الممولة والداعمة.

هذا هو المُتغير الحقيقي الذي ميز بالفعل الجزء الثاني من المُسلسل، وجعله أقرب من حيث الموضوعية للأحداث الواقعية التي دارت فصولها في مناطق متفرقة من سيناء، ما بين العريش والشيخ زويد وبئر العبد، وخلافه، غير أن أذرع الإرهاب طالت في أوقات كثيرة نقاط حصينة داخل القاهرة وبعض المُدن المصرية الأخرى، وهو ما حرص مخرج المسلسل بيتر ميمي على تضمينه، ليكون حاضراً ومُسجلاً في الخلفية كعنصر وثائقي بالغ الأهمية والدلالة.

ويُضاف إلى ميزة التصوير الوثائقي المُصاحبة للأحداث بتواريخها الدقيقة ما اهتم صُناع العمل بوضعه داخل السياق الدرامي، ليكون داعماً بقوة لمصداقية ما يطرحه المُسلسل، وهو الجانب المُتمثل في تفريغ المُكالمات السرية لقادة التنظيمات، التي بموجبها تمت الصفقات والاتفاقات على إتمام وتنفيذ أخطر العمليات، وتُعتبر هذه الخطوة من الناحية الفنية هي الأهم في حيثيات الإقناع الدرامي بمجريات ما حدث فعلياً على أرض الواقع، فضلاً عن ما تم الكشف عنه بوضوح وقضى بالاعتراف عن وقوع بعض الخيانات في صفوف الضباط والجنود، ما سهل على العناصر الإرهابية اغتيال بعض الشخصيات الأمنية القيادية الكبرى، وهو مستوى من الشفافية لم يكن متوافراً قبل ذلك بهذه الكيفية على الأقل.

في تقديري أن الأضعف فنياً في البانوراما الشاملة لمُسلسل «الاختيار» هو تتر البداية، الذي يجافي بدرجة كبيرة الجو العام للصورة والحدث والإيقاع، ويمثل خطاً موازياً لعزف منفرد خارج الأوركسترا الحماسية الملحمية المهمة.

 

  • كاتب مصري






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي