تحقيقات عراقية تكشف عن تورط نواب في صفقات فساد كبيرة

2021-04-22

عادل النواب

كشف مسؤول عراقي في بغداد أن تحقيقات أجرتها لجنة مكافحة الفساد الحكومية أظهرت تورط عدد من نواب البرلمان الحالي ومسؤولين سابقين في صفقات فساد ضخمة. ولفت إلى أنه من المرجح أن توجّه اللجنة خلال الأيام القليلة المقبلة طلباً إلى البرلمان من أجل رفع الحصانة عن عدد غير محدد من النواب للتحقيق معهم.

يأتي ذلك بعد أيام من اعتقال قوة أمنية تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب السياسي البارز زعيم حزب "الحل" جمال الكربولي، من منزله وسط بغداد، على خلفية تهم تتعلق بصفقات فساد في وزارة الصناعة. وتُعتبر الخطوة الأولى من نوعها لجهة اعتقال سياسي بارز، يملك حزبه عدة مقاعد في البرلمان، أغلبها عن محافظة الأنبار وبغداد.

ومع اتهامات عن تدخل زعيم ائتلاف "الفتح"، هادي العامري، بمحاولة التوسط في مسألة اعتقال الكربولي، أصدر العامري بياناً نفى فيه تدخله، قائلاً "ننفي نفياً قاطعاً المزاعم بشأن تدخله بقضية اعتقال شخصية سياسية"، معتبراً أن زج اسمه "يندرج ضمن حملات التسقيط السياسي، لا سيما مع اقتراب الانتخابات".

وشكّل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، نهاية أغسطس/ آب من العام الماضي، لجنة عليا، بصلاحيات واسعة، برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف، تتولى فتح ملفات الفساد والتحقيق مع المسؤولين. ووضع قوة خاصة تتبع لجهاز مكافحة الإرهاب تحت إمرة اللجنة، التي نجحت في اعتقال عدد من المسؤولين، أبرزهم رئيس دائرة التقاعد العامة أحمد الساعدي، ورئيس هيئة استثمار بغداد شاكر الزاملي، ورئيس شركة (كي كارد) بهاء المعموري، ومدير بلدية المنصور في بغداد علي جار الله، ومحافظ بابل حسن منديل السرياوي، ومن قبله محافظ نينوى نوفل العاكوب، بالإضافة إلى مسؤولين في بنوك محلية أهلية وأخرى حكومية، وشركات تحويل مالي خاصة.

وأكد مسؤول عراقي، أن "لجنة التحقيق بقضايا الفساد الحكومية بصدد تقديم طلب للبرلمان لرفع الحصانة عن عدد من أعضاء البرلمان، بعضهم شغلوا منصب وزراء في حكومات سابقة، عن جرائم فساد تسببت بضرر بالغ في المال العام"، مشيراً إلى أنهم لا يقلون عن خمسة أعضاء. وأضاف المسؤول أن هناك تواصلاً بين رئاسة البرلمان واللجنة الحكومية، من أجل تضمين فقرة التصويت على رفع الحصانة عن النواب المعنيين في أقرب جلسة للبرلمان، كاشفاً عن أن أغلب ملفات الفساد تتعلق بوزارتي الصناعة والكهرباء، بعد اعتراف عدد من المعتقلين الحاليين في اللجنة على نواب وسياسيين، لعبوا دوراً في السمسرة وأخذ عملات مالية ضخمة، أو التلاعب والتحايل على القانون في أعمال وصفقات مشاريع كبّدت الدولة مبالغ ضخمة.

ولفت المسؤول إلى أنه "قد يصار للطلب من جهات أردنية ولبنانية وإماراتية التعاون في ما يتعلق بحسابات المتهمين بقضايا الفساد في البنوك الموجودة لديها، بعد الحصول على معلومات بشأن إيداع عملات ومبالغ مالية في بنوك بتلك الدول، عن صفقات فساد داخل العراق طوال السنوات الماضية". وأكد، في الوقت نفسه، وجود ما وصفها بـ"ضغوط سياسية كبيرة تمارس في الوقت الحالي، لاستبعاد أسماء عدد من المستهدفين برفع الحصانة من الذين وردت أسماؤهم بالتحقيقات. كما أن هناك معلومات عن أن الاعتقالات ستطاول أيضاً أبناء مسؤولين ونواب وردت أسماؤهم في قضايا فساد". وبين أن هناك اعتقالات لمديرين عامين ورؤساء أقسام، بلغ عددهم خلال الاثنتين والسبعين ساعة الماضية 8 شخصيات، وهناك قرارات منع سفر لآخرين أيضاً.

ووسط ترحيب شعبي واسع بعمل اللجنة الحكومية، فإن شكوكاً دوماً تثار بشأن عملها، وأنها ما زالت تتجنّب فتح ملفات الفساد الضخمة، التي يُتهم فيها كبار القيادات والشخصيات السياسية في البلاد، لا سيما تلك الحليفة لإيران، مثل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ووزير النقل الأسبق هادي العامري، وزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، ومستشار الأمن الوطني الأسبق موفق الربيعي، ووزير الدفاع الأسبق سعدون الدليمي، ورئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، ونائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، وآخرين.

بدوره، قال صباح الكناني، رئيس مؤسسة "الإصلاح والتغيير"، وهي منظمة غير حكومية تتولى دوراً في الكشف عن قضايا وملفات الفساد في العراق، إنه "وفقاً للمعلومات المتوفرة لدينا فقد اعترف رجل الأعمال العراقي البارز بهاء الجوراني، المعتقل لدى لجنة مكافحة الفساد، على نواب وشخصيات سياسية مهمة، تعامل معهم بقضايا غير قانونية، ترتبت عليها جرائم فساد مالية كبيرة". وأضاف الكناني، أن "الجوراني سلّم وثائق وتسجيلات تدين عدداً من المسؤولين والنواب بقضايا الفساد، وقد نكون الآن أمام أولى محاكم الفساد المؤكدة التي يتورط فيها سياسيون كبار التي نأمل ألا تكون الأخيرة في العراق". وكشف أن عدداً ممن يرجح رفع الحصانة عنهم قد يتجاوز 15 نائباً، وردت أسماؤهم في قضايا فساد بوزارات الكهرباء والصناعة والتربية والتجارة، وفقاً لأدلة متوفرة لدى اللجنة.

من جهته، قال عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي مختار الموسوي إن البرلمان "سيدعم التصويت على أي طلب قضائي برفع الحصانة عن أي نائب يرد اسمه، وهناك اتفاق على ذلك"، مرجحاً وصول أسماء إلى البرلمان في الفترة القليلة المقبلة لهذا الغرض، بينها أسماء بارزة. وأضاف الموسوي أن "الفساد بات يهدد كيان الدولة العراقية برمتها، وقد يكون أخطر من الإرهاب والإرهابيين، لذا سيتم التصويت على طلبات رفع الحصانة المرجح وصولها من القضاء، بطلب من لجنة مكافحة الفساد". لكنه في الوقت نفسه أكد وجود "مخاوف سياسية من جعل جهود محاربة الفساد ملفاً لغرض الابتزاز السياسي قبل الانتخابات"، مطالباً بأن يبقى الملف قضائياً بحتاً وغير خاضع لأي تهديد، أو ضغوط سياسية، أو حتى خارجية.

لكن النائب في تحالف "سائرون"، رياض محمد، أكد،  الأربعاء، أن القضية لم تعد تتعلق بالحصانة، بل بتفعيل مذكرات القبض، مضيفاً، في إيجاز صحافي من مبنى البرلمان، أنه "سبق أن ردت طلبات من القضاء العراقي برفع الحصانة عن العديد من النواب خلال الدورة الحالية". وتابع "أي نائب يتم رفع الحصانة عنه تشاهده في اليوم الثاني بفندق خمس نجوم في دولة أخرى، ولدينا مشكلة في القضاء والجهات المسؤولة عن إجراء التحقيقات، حيث تمت استضافة وزراء ومحافظين ومسؤولين، لا يقل عددهم عن 100 شخصية، وتحديداً في نهاية حكومة عادل عبد المهدي السابقة وليومنا هذا، إلا أن جميعهم تمت تبرئتهم وإخراجهم بكفالة. وبالتالي فإن الموضوع لا يتعلق بالحصانة، بل بالقضاء والحكومة التي هي أداة جلب المتهمين". ولفت إلى أن "الفساد أصبح في العراق سلوكاً اجتماعياً غير طبيعي، من أعلى المستويات إلى أدناها. وكل حكومة تأتي ترفع راية مجابهة الفساد، وتقوم بذلك، لكن إجراءاتها لا تتعدى 2 في المائة في أفضل الحالات"، مضيفاً أن "الفساد في العراق تتم حمايته دولياً وإقليمياً، أو من قوى سياسية وعصابات. ولا يوجد مفصل في العراق خالٍ من الفساد، بل تصل نسبته إلى ما لا يقل 90 في المائة".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي