لحم غزال و ملوك الجدعنة دراما رمضانية بلون الدم

كمال القاضي
2021-04-20

أن يتم استهلال الحلقات الأولى من الدراما الرمضانية بمشاهد القتل والحرق وإثارة الفزع، فهذا يعني أن هناك أزمة حقيقية في الأفكار، وأن ثمة رؤية ضبابية تسيطر على خيال الكُتاب والمخرجين، من الذين ينسجون القصص والموضوعات على مزاج النجوم والنجمات، فتفقد الكتابة خصوصيتها وأبعادها، وتذهب كل الجهود المبذولة أدراج الرياح، جراء خلط الأكشن بالميلودراما بالكوميديا، غير أن المشكلة الأكبر تكمن في ذلك الاستبداد الذي يمارسه كبار النجوم تجاه صُناع العمل، ليُصبح المسلسل مجرد قص وتفصيل على مقاس أحلامهم وطموحهم، وذوقهم الشخصي.

في عملين رئيسيين، «لحم غزال» لغادة عبد الرازق و«ملوك الجدعنة» لعمرو سعد ومصطفى شعبان، تبدو عيوب الكتابة واضحة تماماً، حيث البداية تؤكد أن الرهان الأساسي ليس على مضامين الأحداث، وإنما تلعب عناصر الإثارة في كل مسلسل أدوار البطولة، فالمطلوب أمام زحمة النوعيات الدرامية، وشراسة المنافسة، وجود مناطق جذب في كل الحلقات، ولأن التداعي الطبيعي في خلق أجواء ملائمة للتشويق، يأخذ وقتاً أطول فإن الأسرع في عملية التفاعل الجماهيري، هو ذلك التصعيد الدرامي غير المنطقي في الأحداث، لضمان تثبيت المُشاهد أمام الشاشة طوال زمن الحلقات، بغض النظر عن رأيه وقناعته الشخصية، بما يراه من تفاصيل فرعية خارجة عن ضروريات النص والحبكة الفنية بمقتضياتها الطبيعية.

في مسلسل «لحم غزال» جاء قتل النجم الشاب حمدي الميرغني وحرقه بيد البطلة غادة عبد الرازق في بداية الحلقة الأولى، لمجرد شكها في ضلوعه في جريمة اختطاف ابنها، الذي لم نره ولم نعلم عنه شيئاً، أو السياق الذي ارتكب فيه الميرغني جريمته الافتراضية.. كيف ولماذا وأين؟

وبالطريقة نفسها، ودون إبداء أسباب مُقنعة تم قتل أحد صغار البلطجية، حسن الرداد بطلقة من مسدس المعلم عمرو عبد الجليل، في ثاني مشهد من ظهوره عقاباً له على ما اقترفه في حق أفراد العصابة، الذين وجهوا إليه تهمة الاستيلاء على المال الحرام في مسلسل «ملوك الجدعنة» الذي يتزعم فيه البطلان عمرو سعد ومصطفى شعبان شلة المُشاغبين من سكان الحارة، ولأن البلطجة فن واحتراف وجدعنة، فقد صار شعار الإبادة مرفوعاً على أسنة الأسلحة البيضاء في كل المشاهد والمواقف، بداع ودونه، حتى أن أصغر المُشكلات اليومية بين الشخصيات الرئيسية والثانوية، لم يجد المؤلف ولا المخرج حلاً لها إلا بالحديد والنار، وهو ما يمثل افتئاتا صريحا على مجتمع الحواري المصرية، اللهم إلا إذا كان مسرح الأحداث المُلفق هو إشارة لمجتمع العشوائيات بقوانينها الوضعية الخاصة الخارجة عن أي نُظم أو أطر إنسانية.

المشكلة أن المُعالجات التي تدور كلها في فلك القتل والسحل والحرق والدمار، هي ذاتها التي تساهم في نشر كل أشكال الانحراف والخروج على كل النواميس، وهنا تكمن الخطورة، حيث تنتقل سلوكيات الأبطال من الشاشة إلى الواقع، بمجرد إغلاق الحلقة على نقطة التأثير والجذب في مشهد النهاية اليومي، وتكتمل الرسالة السلبية بطبيعة الحال، بانتهاء المسلسل بالكامل في نهاية الشهر الكريم، وحينئذ يكون كل من البطلين سفينة وسرية وفق التسمية الدرامية قد أديا ما عليهما تجاه المجتمع والجمهور، هما وبقية أبطال المسلسل بمن فيهم، دلال عبد العزيز صاحبة الموهبة التي تم تبديدها في أدوار لا تمثل أي إضافة لتاريخها ومشوارها الطويل، إلا بمزيد من النقاط السلبية في رصيدها الكلي. ومن دواعي التحفظ على اللغة الحوارية المُستخدمة في المسلسلين المذكورين، «لحم غزال» و«ملوك الجدعنة» لاسيما الأخير أن هناك مُبالغة في مفردات التخاطب والحديث المُسف والإسقاطات الإباحية، المُتضمنة في الجُمل والتورية، وكل أشكال التوظيف المُخجل للفن الدرامي، المُنفلت في موضوعاته وسياقاته وحواراته المكشوفة والعارية من أي صدق أو واقعية.

ناهيك من التكرار في الأدوار والشخصيات والإفيهات واللزمات، التي فقدت بكثرة استهلاكها أدنى تأثير لها على المستوى الايجابي، ولأن عمرو عبد الجليل أحد النجوم المشهورين باستخدام الإفيه، في معظم الأدوار، فقد جرى استنزافه داخل الحالة الكوميدية المُلتبسة بمستويات أدائه المختلفة ما بين الهزل الكثير والجد القليل، وهو الاغتيال الفعلي لتلقائيته وموهبته الفطرية، التي ظهرت أولى بشائرها في أدواره الاستثنائية مع المخرج خالد يوسف في مجموعة الأفلام التي نفضت عنه الغبار قبل سنوات، «حين ميسره» و«دكان شحاتة» و»كلمني شكراً».

وبالعودة لمسلسل «لحم غزال» فمن المتوقع أن تحمل الحلقات المقبلة مفاجآت من العيار الثقيل، سنعود للحديث عنها في حينه، حيث لا تزال هناك فرصة أمام البطلة لتحسين الصورة قبل النهاية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي