

دونالد ترمب توعّد خصومه بالثأر، إن وصل، وهو بعدما وصل، ينجز وعيده، بالأدوات نفسها التي حاربه بها خصومه، أدوات القضاء والعدل والنيابة والأمن.
في السابق، حينما كان الرجلُ في «المعارضة» عبَّر ترمب عن غضبه العارم مما وصفه بحملة «مطاردة الساحرات» التي استهدفته في إطار التحقيق في التواطؤ مع روسيا، إلى اقتحام «الكابيتول» ومساعي عزله في الكونغرس، إلى عملية دهم منزله في «مارالاغو» بتهم احتفاظه بوثائق سرية.
الحقيقة أن ترمب كان صادقاً في توصيف ملاحقة خصومه الديمقراطيين له في المراحل السابقة، حتى وهو على رأس الولاية الأولى، ما بين مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل وغيرهما من أجهزة الدولة التي اتهمها ترمب وأنصاره بالمطاردة السياسية باسم القانون.
هل يفعل ترمبُ اليوم مع خصومه ما فعله خصومه معه بالأمس؟!
التقارير تقول إنه في عهد ترمب الحالي، الذي لم يطوِ عامه الأول، تمّ طرد عشرات الموظفين في وزارة العدل شاركوا في التحقيق ضده، مروراً بالتدقيق في الميول الحزبية لموظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي، وصولاً إلى مقاضاة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) السابق، جيمس كومي، والمدعية العامة ليتيسيا جيمس، ومستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون.
مستشار ترمب السابق للأمن القومي بولتون كان آخر من تم توجيه التهم له في الأيام الأخيرة، بسبب احتفاظه بوثائق سرية... يقول الرجل المعروف بانتقاده العلني لترمب، الذي يُعدُّ أحد أبرز «صقور» الجمهوريين، إن هذه التهم مسيَّسة، وإنه أصبح «الهدف الأخير لتسييس القضاء وملاحقة خصوم ترمب».
في برنامج مشترك بين «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق» ورد عن بول بيليتيي المسؤول السابق في وزارة العدل، والمدّعي العام الفيدرالي السابق أن: «محتوى قضية بولتون مختلف، ومتعلق بمعلومات سرية استغلَّها في مسيرته المهنية. كما أن المدعين الذين وجَّهوا التهم ضده ليسوا مسيسين مثل أولئك الذين عيَّنهم ترمب في قضيتَي كومي وجيمس».
ترمب ليس من النوع الذي يتسامح في الحطّ من شخصيته أو إعاقة طموحه، حتى لو كان بطريقة عفوية، ما بالك وهو فعلاً مُحقٌ في أنَّ خصومه من الليبراليين الأوباميين قد استخدموا القضاء وأجهزة الدولة ضدّه على نحوٍ مُسيّس بامتياز.
لا أظنُّ أنَّ صاحبنا ترمب يمتثل ما قاله شاعرنا في العصر الأيوبي المعروف بلقب الحيْصَ بيْص، وهو سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي، يُقال إنّه لُقّب بهذا اللقب، لأنَّه دخل يوماً على قومٍ يختصمون فقال: ما بال الناس في حيْصَ بيْص؟!
قال:
مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح
فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ
ترمب مع خصومه في «حيْصَ بيْص».
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - الشرق الاوسط