

ترامب غير التسارع. فمنذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني، وهو يتحدث عن رغبته في إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. ولكن الأمور تغيرت كلياً في مؤتمره الصحافي مع نتنياهو قبل أسبوع تقريباً. هو في محط الأنظار الآن: يلقي بكل ثقله لحث الطرفين على إنهاء الحرب وتحقيق صفقة التبادل. يبدو أن العوائق ما زالت كثيرة، لكن في الذكرى السنوية لاندلاع الحرب، تلوح في الأفق للمرة الأولى بعد فترة طويلة جداً احتمالية كبيرة لوقفها. حتى إن ترامب ونتنياهو يلمحان إلى أن التغيير للأفضل قد يبدأ أثناء عيد العرش.
تم التوضيح بأن ترامب متأثر جداً من مظاهرات ضخمة في إسرائيل لصالح عقد الصفقة. أول أمس، نشر صوراً منها على صفحته في الشبكات الاجتماعية. وهو الآن يستغل هذا الضغط العام في إسرائيل للمضي بعقد الصفقة، كما أمل كثيرون في حدوثها في كانون الثاني. لكن مقاربة نتنياهو مفاجئة قليلاً – حتى اليوم، وخلال المفاوضات منذ ولاية بايدن وحتى الآن، حرص رئيس الحكومة على وضع العصي في الدواليب في كل المناسبات. أما الآن بالتحديد فينمي توقعات لحدوث تقدم. ربما حان الوقت ليدرك بأنه لا يستطيع وقف خطوات ترامب.
جهود كبيرة تستثمر في بلورة خط دعاية جديد لنتنياهو أمام ناخبيه: يتبين أن الأمر يتعلق بشكل عام بإنجاز سياسي كبير لإسرائيل، الذي لولاه لما تحقق. عدد من الذين يدعون ذلك بينوا لنا قبل يومين لماذا يجب عدم التوقيع على أي اتفاق مع رؤساء حماس، النازيين الجدد. ربما يجدر سؤال خبير، لكن هناك شعور بأن الحالة اليوم أشبه بظهور صحف الأحزاب الشيوعية في دول الكتلة الشرقية قبل لحظة من سقوط سور برلين في 1989.
أمس، استعدت بعثة المفاوضات الإسرائيلية برئاسة الوزير رون ديرمر، للتوجه إلى مصر للالتقاء مع دول الوساطة. الخطوط الأساسية لصفقة المخطوفين واضحة جداً؛ ترامب يسعى إلى إطلاق سراح العشرين مخطوفاً الأحياء وإعادة الـ 28 جثة – هذه أرقام إسرائيلية؛ الرئيس يذكر كل مرة رقماً مختلفاً – خلال 72 ساعة، التي قد تبدأ قبل نهاية الأسبوع. مشكوك فيه إذا كان هذا الأمر قابلاً للتنفيذ الكامل في هذه الفترة القصيرة جداً. إحدى العقبات تتعلق بالعثور على كل الجثامين. لقد مرت على القطاع هزة أرضية خلال سنتين، وحتى لو أرادت حماس إنهاء هذه القضية فربما تنتظرنا قضايا طويلة على صيغة اختفاء الطيار رون أراد في لبنان.
ثمة عقبات أخرى؛ فنشر ترامب السبت، خارطة انسحاب إسرائيل: يدور الحديث في المرحلة الأولى عن انسحاب محدود إلى الخطوط التي كان فيها الجيش الإسرائيلي في تموز الماضي. هذا بعيد عن إرضاء حماس، حتى بسبب استمرار سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا. لكن حماس تعارض طلب أمريكا نزع سلاحها، وفقاً لما ظهر في وثيقة الـ 21 نقطة (التي تم تقليصها إلى 20). هي تسعى إلى تقويض نية نقل القطاع إلى سيطرة قوة متعددة الجنسيات وتتحدث عن قوة فلسطينية. إضافة إلى ذلك، لن ترغب حماس في السماح لإسرائيل بتحديد وتيرة انسحاب الجيش الإسرائيلي وطبيعة دخول قوة بديلة إلى القطاع.
الطريق إلى اتفاق بعيد المدى في القطاع تبدو مليئة بالعقبات. مستوى اهتمام ترامب بتفاصيل الاتفاق محدود جداً: مثلما في قضية إيران، يرى ترامب أن الحرب انتهت لأنه قال إنها انتهت، والويل لمن يعارضه. عملياً، هذه هي المرة الثانية خلال ثلاثة مدة أشهر ونصف، التي يأمر فيها ترامب نتنياهو بوقف القصف.
بعد أشهر من التملص، يبدو أن نتنياهو خضع لضغط ترامب: حسب الخطة، سيعلن عن وقف كامل لإطلاق النار، وإطلاق سراح المخطوفين (مقابل إطلاق سراح حوالي 2000 فلسطيني، بينهم 250 قاتلاً)، بدون أن تتعهد حماس بنزع سلاحها، وبدون تنفيذ نتنياهو لوعده، تصفية نهائية لحماس، كجزء من النصر المطلق. مع ذلك، لا يمكن حتى الآن استبعاد إمكانية نجاح نتنياهو في إفشال الصفقة، حتى لو بدت أنها في مرحلة متقدمة جداً.
استنتاجات غير ملزمة
الجمعة الماضي، بعد ضغط كبير من قبل ترامب، أرسلت حماس ردها على خطة الـ 20 نقطة. واعتبر الرئيس الأمريكي، لاعتباراته وبصورة مميزة، رد المنظمة الإرهابية إيجابياً رغم التحفظات الكثيرة التي تضمنها. خلال بضع ساعات، فرض على نتنياهو وقف معظم عمليات قصف الجيش الإسرائيلي في غزة. حتى السبت، وضع رؤساء أحزاب اليمين المسيحاني في حكومته، الوزير بسموتريتش والوزير بن غفير، أمام حقيقة قائمة.
كلاهما تصرفا وفقاً للأسلوب غير المسؤول الذي تبنياه منذ بداية الحرب؛ فقد هاجما قرارات نتنياهو وكأنه ليس رئيس الحكومة، وبعد التصريحات التفسيرية امتنعا عن القيام بخطوات عملية في هذه المرحلة. في الأثناء، يبدو أنهما يفحصان ما إذا كانا سيؤخران انسحابهما حتى تحقيق المرحلة الأولى في الخطة التي سيعلن في إطارها عن وقف إطلاق النار وإعادة المخطوفين والجثامين جميعاً. بالتأكيد، وبدون أي شك، ستوفر المعارضة لنتنياهو شبكة أمان برلمانية تمكنه من المصادقة على الاتفاق. ولكن بعد ذلك، قد لا يكون أمام سموتريتش وبن غفير أي خيار. سيحاربان على الأصوات في هوامش اليمين، وحتى يميزا أنفسهما عن نتنياهو عليها الانسحاب من الحكومة قريباً. هذا السيناريو يقرب الانتخابات القادمة باحتمالية كبيرة، إلى الربع الأول من السنة القادمة.
إذا فاز نتنياهو في الانتخابات أو فرض التعادل، الذي ستكون في نهايته حكومة انتقالية شبه خالدة، فسيتمسك بالهدف السامي: البقاء في الحكم واستمرار تأجيل محاكمته الجنائية ومنع ممنهج لتشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في الإخفاقات التي سمحت بحدوث المذبحة. وبصفته صاحب البيت الرئيسي في الـ 14 سنة التي سبقت الحرب، والتي سوق فيها رعاية حماس بأموال قطرية وتجاهل تحذيرات الاستخبارات في 2023، فإن لديه الكثير لإخفائه. وإلى حين اتضاح قضية التحقيق، ستبقى لدينا قناتا استيضاح: تحقيق مراقب الدولة، وعمل اللجنة العسكرية برئاسة اللواء المتقاعد سامي ترجمان.
من المحادثات مع الشخصيات الرئيسية التي التقى معها مراقب الدولة متنياهو انغلمان، تظهر صورة واضحة جدا. طاقمه يميل إلى التركيز على الليلة التي سبقت هجوم حماس وتوجيه جزء كبير من النيران إلى كبار قادة الجيش الإسرائيلي، وعلى رأسهم في حينه رئيس الأركان هرتسي هليفي. يتوقع أن تقدم “لجنة ترجمان” استنتاجاتها لرئيس الأركان إيال زامير في الفترة القريبة القادمة. النغمة التي تصاعدت في اللقاء مع الضباط المتورطين شديدة جداً. سيكون لترجمان والضباط الكبار في الاحتياط الذين عملوا معه أقوال كثيرة لقولها، سواء عن الإخفاقات أم عن الطريقة التي اختارها الجيش الإسرائيلي للتحقيق مع نفسه. ستكون بؤرة التوتر مع زامير، الذي عيّن اللجنة، حول الاستنتاجات الشخصية. حتى اليوم، امتنع زامير وسلفه هاليفي عن فعل ذلك. عملياً، الضباط القلائل الذين تم تأجيل تعيينهم بعملية ناجعة، كانوا هم المتضررين من قرار وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي كعادته عمل بدافع شعبوي وبدون التعمق في الحقائق.
يقف في بؤرة الاهتمام والرهان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، الجنرال شلومي بندر. فعندما كان عميداً قبل سنتين، ترأس بندر قسم العمليات في هيئة الأركان. لجنة ترجمان هي لجنة انتقادية فيما يتعلق بالتحقيق الذي فحص أداء هذا القسم والأداء الفعلي. يميل زامير إلى الاعتقاد بأن المستوى التنفيذي في قيادة المنطقة الجنوبية وهيئة الأركان فشل في 7 أكتوبر، بسبب أداء مخيف لشعبة الاستخبارات العسكرية. هذا هو الاستنتاج الحاسم للعقيد ش.، وهو قائد وحدة في القسم والذي صاغ تقريراً شخصياً عن الفشل، وقال فيه بأن ما وفرته الاستخبارات قبل 7 أكتوبر وفي الليلة التي أعقبت اندلاع الحرب، أفشلت القادة. هذا ليس ما يعتقده ترجمان ورجاله – بكلمات أخرى، يرون أن قسم العمليات هو من أهمل حتى بدون صلة بالاستخبارات العسكرية.
زامير الذي يقدر بندر ويريد أن يواصل وظيفته، سيتعين عليه أن يحسم، لكن كالعادة، قد يتدخل السياسيون لاعتباراتهم غير الموضوعية.
واقع وهمي
السلسلة الوثائقية لعمري اسنهايم “ماذا حدث للجيش الإسرائيلي” (القناة 13)، سجلت هذا الأسبوع إنجازاً كبيراً عندما تضمنت في الفصل الأخير مقابلة مع رئيس الأركان السابق افيف كوخافي. هذه هي المرة الأولى منذ اندلاع الحرب التي يجري فيها كوخافي مقابلة، الذي أنهي مهمته قبل تسعة أشهر من اندلاع الحرب.
اثنان من الضباط السابقين في جهاز الأمن، كوخافي ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين، أشير إليهما خلال سنوات وكأنه يمكنهما التوجه إلى الحياة السياسية، وربما حتى التنافس على رئاسة الحكومة. كلاهما يوصف بنوع من “الشباب الذهبيين”، وكانت لهما أسباب جيدة للتقليل من الظهور في وسائل الإعلام بعد 7 أكتوبر. عندما كانا تحت إمرة نتنياهو، كان لهما دور رئيسي في التصور الذي كان يقف على رأس الفشل: اختيار إدارة النزاع الفلسطيني وتجميده بدون حراك؛ واستيعاب مستمر لحماس؛ واعتقاد ان حماس خائفة وضعيفة بعد كل جولة قتال؛ وتزويدها بالمال القطري كحل سيهدئ العنف الذي يوشك على الاندلاع في القطاع.
عند اندلاع الحرب، فضل كوهين -حيث بطحة كبيرة على رأسه- عدم الاختفاء، بل أخذ يحاول إعادة تشكيل صورته من جديد. لقد ظهر عدة مرات في الأستوديوهات، وهناك تنصل من نقل الأموال القطرية (رغم أنه كان من مهندسي هذا الأسلوب، ولم يهاجم ذلك إلا بعد إنهاء منصبه في مقابلة مع إيلانا ديان). مؤخراً، عاد للظهور لتسويق سيرته الذاتية التي نشرها. نزل كوخافي من تحت الرادار، إلى أن اقتنع مؤخراً بالجلوس أمام كاميرات اسنهايم. ليست هذه المرة الأولى التي ينجح فيها اسنهايم في الوصول إلى مشاهير يرفضون إجراء مقابلات معهم. يبدو أن أسلوبه يساهم في ذلك.
عاموس هرئيل
هآرتس 6/10/2025