
رئيس الحكومة نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب يلتقيان للمرة الرابعة منذ عاد ترامب لمنصبه في كانون الثاني، يبدو أنه لقاء سيكون الأكثر دراماتيكية من بينها. هذه المرة، أكثر مما في اللقاءات السابقة، الطرف الأمريكي هو الذي يخلق التوقعات العالية. أمس، غرد ترامب: “هناك احتمالية لشيء ما كبير في الشرق الأوسط. للمرة الأولى الجميع أظهر الاهتمام”.
بعد لقاء ترامب مع زعماء الدول العربية والإسلامية الأسبوع الماضي، سرب المزيد من التفاصيل عن خطة الـ 21 نقطة لإنهاء الحرب في قطاع غزة واستئناف الخطوات السياسية في المنطقة. للمرة الأولى، يبدو أن الأمر لا يتعلق فقط بنثر آمال عبثية ووعود غير ملزمة بشأن الاحتمالية المتزايدة لصفقة تبادل قريبة. أيضاً عودة جاريد كوشنر، صهر الرئيس، إلى المشاركة المحمومة تدل في هذه المرة على جدية ترامب والإدارة الأمريكية في الدفع قدماً بهذه الخطة.
الرسالة الرئيسية التي يطلقها نتنياهو مؤخراً من خلال إحاطات من قبل مكتبه هي وجود خطة مع حقوق إنتاج إسرائيلية: رئيس الحكومة والمقرب منه الوزير رون ديرمر، شاركا في صياغة كل حرف في نقاط ترامب. باستثناء أنها تسريبات قد ينظر إليها بشكل سيئ لدى الرئيس الذي لا يحب مقاسمته في الفضل، خصوصاً أنه لا يريد أن يظهر كدمية لنتنياهو. ثمة شك أنه ادعاء دقيق. من الواضح أن نتنياهو ما زال يحظى بنفوذ استثنائي على ترامب، بما يتجاوز قوة إسرائيل الحقيقية. ولكن الصيغة التي تتم مناقشتها الآن إذا تمت الموافقة عليها، بعيدة عن أن تشكل انتصاراً كبيراً لرئيس الحكومة. عملياً، يدور الحديث عن صيغة محدثة لخطة بايدن في منتصف السنة الماضية، التي وافق عليها نتنياهو ثم تهرب من تنفيذها بعدة ذرائع.
بعد ذلك، ترامب تساوق مع نتنياهو في اللقاءات الثلاثة السابقة في ولايته الحالية. إذا تمسك هذه المرة التمسك بموقفه، فسينفذ خطة أجزاء كبيرة فيها لا تشبه ما وعد رئيس الحكومة به قاعدته السياسية خلال سنتي الحرب. حسب التسريبات، لن تكون هنا هزيمة نهائية لحماس (الأمر الذي تحقق الآن – هزيمة حماس كقوة عسكرية منظمة – تحقق قبل بضعة أشهر)، ولن يكون نزع كامل للسلاح في القطاع، وسيكون في المقابل انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع. حتى وهم اليمين المسيحاني الخطير، الذي شجعه نتنياهو، بشأن تهجير فلسطيني وعودة المستوطنات إلى القطاع، لن يتحقق.
في المقابل، أكد نتنياهو في الفترة الأخيرة على نضاله لمنع مشاركة السلطة الفلسطينية في أي حل مستقبلي في القطاع. هذا كما يبدو ليس صدفياً: السلطة ستأخذ دوراً محدوداً، وقد يعرض نتنياهو ذلك كإنجاز توصلت إليه إسرائيل بفضل علاقته القريبة مع ترامب. حماس لم ترد بعد بشكل مباشر على خطة ترامب الجديدة التي لم تطرح رسمياً. سيتم استخدام ضغط كبير على حماس من قبل الدول العربية للحصول على رد بالإيجاب. الصعوبة الرئيسية التي تراها حماس هي إطلاق سراح جميع المخطوفين بدون انسحاب فوري وكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع.
في المقابل، التنازلات المطلوبة من إسرائيل بالصيغة الحالية لـ 21 نقطة ستكون صعبة جداً على الاستيعاب من قبل جزء واسع في ائتلاف نتنياهو. وليس التنازل عن الترانسفير والاستيطان فحسب، فقد أعلن ترامب أنه لن يسمح بضم مستوطنات كتعويض لإسرائيل في الضفة الغربية. وثمة نية لتحرير 200 سجين فلسطيني محكومين بسبب أعمال قتل، وهي خطوة سيستصعب اليمين استيعابها. ما زال هذا على مستوى السيناريو فقط، لكن إذا وضع ترامب كل ثقله على نتنياهو فربما يحدث أمران: سيتعين على رئيس الحكومة الاستجابة، وسيتفكك الائتلاف.
لنتنياهو طريقة ثابتة: إغراق رؤساء أمريكا المتعاقبين بمشكلاته الداخلية، على أمل (الذي لم يتحقق ذات يوم) أن يأخذوا ذلك في الحسبان ويظهرون مرونة أخرى من ناحيتهم. هناك احتمالية غير سيئة في أن يحاول التسويف مع ترامب بإعطاء إجابات على صيغة “نعم، ولكن”، ثم يأتي التملص كما فعل مع سلفه بايدن خلال أكثر من سنة في الحرب. ولكن على ترامب أن يتذكر بأن ليس لدى نتنياهو مانع حقيقي للمصادقة على صفقة تبادل حتى بحكومة انتقالية. مشكوك فيه أن تتدخل المحكمة العليا، وسبق ليئير لبيد أيضاً أن وعد نتنياهو بشبكة أمان مبررة للصفقة. في حين أن غانتس ظهر كمن هو على بعد خطوة أو خطوتين من القفز عائداً إلى الائتلاف، بعد انفصال فعلي عن أصدقائه في المعارضة.
المهم أن الحرب يجب أن تنتهي. منذ زمن وحرب عبثية تجري في القطاع بدون جدوى، خصوصاً منذ القرار السياسي الذي اتخذه نتنياهو بخرق وقف إطلاق النار واستئناف القتال في آذار الماضي. أحداث الأيام الأخيرة وفيها القرار الذي يمثل جنون العظمة لدى نتنياهو بأن يفرض على الجيش إسماع خطابه الذي ألقاه في الأمم المتحدة عنوة لسكان القطاع عبر مكبرات الصوت، فقد تجسد الحاجة الملحة لوقف القتل، وتحرير المخطوفين، وإعادة الجثامين لدفنها.
طلب يصعب تجاهله
في توقيت يصعب تصديق مجيئه بمحض الصدفة، أن أعلنت حماس أمس؛ أي قبل يوم من لقاء ترامب ونتنياهو، بأنها فقدت الاتصال مع اثنين من المخطوفين الأحياء. قالت حماس إن الاتصال معهما ومع حراسهما انقطع بسبب عمليات الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة. تطالب حماس بانسحاب الجيش الإسرائيلي من بعض الأحياء في المدينة، إلى جانب وقف الطلعات الجوية التي تجمع المعلومات من قبل المسيرات الإسرائيلية، ووقف هجمات سلاح الجو لمدة يوم من أجل العثور عليهما.
نشرت حماس اسمي المخطوفين: عمري ميرام، ومخطوف آخر (عائلته لا تريد نشر اسمه). يدور الحديث عن مخطوفين معروفين جيداً للجمهور، إزاء نضال حثيث تقوم به عائلاتهم لإطلاق سراحهم. في هذه المرحلة، تصعب معرفة الحقيقة. إذا كان حقاً تم فقد الاتصال معهما أم أن الأمر يتعلق بمناورة حرب نفسية من قبل حماس بهدف التخويف والحصول على هدنة في القتال، التي قد تكون ضرورية. ولكن في ظل غياب معرفة مؤكدة بشأن ما حدث، هذا إذا حدث، ستجد إسرائيل صعوبة في تجاهل طلب حماس، بالتأكيد إزاء الضائقة التي تمر فيها عائلاتهم أصلاً.
عاموس هرئيل
هآرتس 29/9/2025