إيران و"الطاقة الذرية": تعاون تدريجي واقتراب مفاوضات مع واشنطن
2025-09-12
هدى رؤوف
هدى رؤوف

توصلت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية أول من أمس الثلاثاء، إلى تفاهم حول كيفية التعامل في ظل الوضع الجديد، عقب الهجمات الأميركية والإسرائيلية عليها، في حين لم تنشر تفاصيل الاتفاق واعتبر مدير الوكالة رافاييل غروسي أن الاتفاق تقني تشغيلي، ومن ثم لن ينشر.

لكن تصريحات غروسي ووزير خارجية إيران عباس عراقجي أوضحت كثيراً من ملامح الاتفاق وشروط مرتبطة بتنفيذه، فالاتفاق بصورة رئيسة كان لعودة مفتشي الوكالة الدولية إلى إيران التي غادروها أثناء حرب الـ12 يوماً، كما أن إيران علقت بموجب قانون التعاون مع الوكالة، مما أدى إلى تحرك أوروبي لتفعيل آلية "سناب باك".

وكانت الشروط الأوروبية تتمحور حول تعاون إيران مع الوكالة الدولية وعودة المراقبين للتفتيش والإفصاح عن مصير اليورانيوم عالي التخصيب واستئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن. ومن ثم فإن عقد ثلاث جولات من المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية في فيينا، كانت التقارير الإعلامية تتحدث عن عدم التفاؤل بصددها، إلى أن أعلن عن التوصل إلى اتفاق للتعاون في ظل إطار جديد بين الطرفين بوساطة مصرية.

وفي حين أن الحرص المصري على تسوية الملف الإيراني بالدبلوماسية تفادياً للخيار العسكري الذي يكلف المنطقة كلفة كبيرة مفهوم، فضلاً عن الرغبة المصرية في الدفع بملف الانتشار النووي على المستوى الإقليمي، لكن الجديد هو رغبة إيران في إتمام الاتفاق في مصر، مما يرجع ربما لدور القاهرة في ما يخص ملف حظر الانتشار النووي، ومن جهة أخرى تتوافق الرغبة الإيرانية مع المصرية في ربط حل الملف النووي الإيراني مع الجهود الإقليمية التي يمكن من خلالها إثارة قضية سباق التسلح، وكذلك البرنامج النووي الإسرائيلي، والسبب الأخير هو رغبة إيران في دفع علاقتها قدماً مع مصر وتحسينها، ومن ثم كان التوصل إلى تفاهمات وإعلان الاتفاق من مصر.

وكثيراً ما أثارت إيران أن العودة للتعاون مع الوكالة الدولية يستلزم إطاراً جيداً، وكذلك غروسي أكد تلك الحاجة، فاعتبرت إيران أن الإطار الحالي لاتفاق ضمانات معاهدة حظر الانتشار النووي بين إيران والوكالة، والمصمم للظروف العادية، لا يستجيب عملياً للوضع بعد هجمات تل أبيب وواشنطن، وأنه لا توجد سابقة للتعاون بين الوكالة ودولة عضو في ظروف تعرضت خلالها منشآت خاضعة لضماناتها لهجوم.

ولخلق وضع مغاير أكثر، كانت طهران أقرت قانوناً من خلال مجلس الشورى الإيراني لتعليق التعاون مع الوكالة، وأن يتوقف أي تعاون في الملف النووي بناءً على قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لذا ربطت التعاون مع الوكالة بمتغيرين، الأول سابقة الهجوم على دولة عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي، والثاني هو الإجراءات وعملية اتخاذ القرار داخل إيران، لذا كان الاتفاق الجديد مع الوكالة.

واعتبر عراقجي أن الاتفاق يقر صراحة بقانون مجلس الشورى الإسلامي الذي يجب أن يعمل في إطاره والمسار الذي حدده قانون المجلس والذي يقضي بموافقة المجلس الأعلى للأمن القومي على كل شيء، معترف به في الوثيقة، وأن إيران ستنسق تعاونها من خلاله. لكن النقطة الأهم هي تأكيده أنه إذا ما اتخذ أي إجراء عدائي ضد إيران، بما في ذلك إعادة العمل بقرارات مجلس الأمن الدولي الملغاة، فإن إيران ستعتبر هذه الخطوات العملية ملغية. وبناء على ذلك، ستعتبر إيران تفعيل الـ"ترويكا" الأوروبية لـ"آلية الزناد" إنهاء لتعاونها مع الوكالة.

الاتفاق بين إيران والوكالة ليس تقنياً وحسب، بل يتناول الاعتبارات الأمنية والسياسية لطهران، ومع ذلك فإنه يتعلق بصورة رئيسة بالإخطار بعمليات التفتيش وتنفيذها، وأنه لن يمنح مفتشي الوكالة أي حق دخول حالياً، كما أنه بحد ذاته لا يتيح أي حق دخول، وبناءً على التقارير التي ستقدمها إيران لاحقاً، ينبغي التفاوض على نوع حق الدخول في الوقت المناسب، أي لا يوجد أي ذكر لشكل ونوع حق دخول الوكالة في هذا الاتفاق، وقد أرجئت مناقشته إلى ما بعد تقديم إيران لتقريرها خلال مفاوضات منفصلة تعقد مستقبلاً، كذلك يتعلق الإطار الجديد بتحديد جنسية المفتشين الذين سيفتشون المواقع ومستوى عمليات التفتيش، بينما تريد الوكالة عودة المفتشين من دون قيود وأن يتمكنوا من زيارة جميع المواقع النووية.

إجمالاً فإن الاتفاق الأخير الموقع في القاهرة هو إرساء لتعاون تدريجي بين الوكالة وإيران، لكن الهدف الرئيس منه شراء الوقت لتفويت تفعيل "سناب باك" وضمان احتفاظ إيران بورقة الضغط التي تمتلكها الآن، إذ لن يسمح للمفتشين بالعودة فوراً كما أنه لم يتضح ما إذا كان سيجري تفتيش المنشآت المتضررة من الحرب، كما أنه لن يكون من الممكن تقدير مدى الضرر وكمية احتياطات اليورانيوم الباقية لديها، والبالغة 60 في المئة في الوقت الحالي، أي ستحدد شروط السماح لمفتشي الوكالة بزيارة المنشآت النووية الإيرانية والتي ربطتها بتفعيل آلية "سناب باك" من عدمه.

وتعتبر إيران أن الكشف عن موقع مخزون اليورانيوم سيجعله هدفاً أكثر عرضة لهجمات مستقبلية محتملة، فلدى إيران شكوك تجاه مفتشي الوكالة الدولية بأنهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مكنوا إسرائيل من تنفيذ العملية من خلال تسريب معلومات حساسة حول برنامج إيران، فضلاً عن منح الفرصة لإسرائيل لمهاجمتها بعد تقرير الإدانة الذي صدر عن الوكالة.

ولن تفصح إيران عن مصير اليورانيوم حتى لا تضحي بآخر أوراقها للضغط والمناورة أمام واشنطن، ولا سيما أن لدى طهران قناعة بأنه لا يوجد ضمان لنجاح المفاوضات مع واشنطن، كما أن خوض محادثات معها لن يمنع أي إجراء آخر ضدها، ومع ذلك ستكون حريصة على أن يتضمن أي مسار مع واشنطن اتفاقاً شاملاً في شأن قضايا عدة.

ومع ذلك يمكن القول إن استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن بات قريباً جداً، ومنذ أيام اتخذت إيران إجراءات لبدء المحادثات مع الولايات المتحدة بحيث تتزامن مع إجراءات طلب تأجيل تفعيل الزناد.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - الاندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • مفاوضات ترمب مع إيران.. الشكل والمضمون واستثمارات أميركية
  • الشرق الأوسط بيئة مثالية للكبتاغون والميليشيات
  • إيران وأميركا اللاتينية... مكاسب حقيقية أم دبلوماسية دعائية؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي