
لا شيء مسلياً في وضع المخطوفين في غزة أو في وضع عائلاتهم. مثل كثيرين آخرين، أعود من المظاهرات في ميدان الغضب، محبطاً ودامعاً. على الرغم من ذلك، ثمة من تستفز الصرخة من على المنصة لديه غدد الفكاهة. قبل بضعة أيام، سمعت واحداً كهذا، مقرب من صفحة رسائل مكتب رئيس الوزراء. عندما أراد نتنياهو صفقة جزئية هاجموه، قال. طالبوا بصفقة شاملة، فقط صفقة شاملة، أما الآن، حين يريد صفقة شاملة يقولون لا، هات لنا صفقة جزئية.
يا لهم من منكري الجميل أولئك المدللون: لا شيء يرضيهم. الابتسامة الخفيفة على شفتيه قالت: شوفوني يا ناس، انظروا إلى مدى ذكائي. الحقيقة، لا تناقض، لا في حملة المخطوفين ولا في خطوات نتنياهو. مثلما انكشف في عدد كبير من التحقيقات الصحافية، من الأشهر الأولى للحرب،فعل نتنياهو كل ما في وسعه للامتناع عن صفقة. القلة الذين عادوا أحياء وأمواتاً في عمليات عسكرية، كانوا على ما يرام. حتى مع القلائل، من ذوي الجنسيات المزدوجة ممن عادوا بفضل اجتهاد مركز من بايدن، ترامب وبوتين لم تكن له مشكلة. عاد الآخرون رغم مناوراته، ليس بفضلها. أمس، في مستهل جلسة الحكومة، عزا عودة 207 مخطوفين أحياء وأمواتاً، لنفسه. ليست المرة الأولى التي يسوق بضاعة ليست له. أما السؤال “لماذا حرر الرجل 1027 مخرباً مقابل جندي واحد في حالة جيدة ثم انقلب رأساً على عقب حيال 20 تركوا لمصيرهم في الأنفاق”، فهو سؤال مفتوح للتفسيرات. ثمة من يعزو هذا الانقلاب إلى تهديدات سموتريتش وبن غفير؛ وثمة من يعزوه لضغط أبناء عائلته؛ وثمة من يبحث عن أجوبة في العلاقات المركبة بين نتنياهو وحماس: هو آمن بأنه روضهم، ردعهم، جندهم لرؤيا فلسطين الخانعة، المنقسمة. هم خانوه؛ وثمة من يسير بعيداً إلى تقديرات أخرى.
من الجدال على الصفقة الأولى، فكرت بأنه من الصواب السير نحو كل صفقة. كل من ينقذ نفساً واحداً وكأنه أنقذ عالماً بكامله: عجائز أو نساء أو جنود، اتفاق جزئي أو كامل، وقف نار أو وقف قتال – بداية، فليتحرروا. حين يدور الحديث عن حماس وعن التخلي، فلا مفر. ربما آمن نتنياهو (وكذا الجيش، الذي في وقع في خطيئة المساومة الصغيرة) بجنتلمانية حماس أكثر مني.
وهكذا وصلنا حتى الحافة: نتنياهو على حاله؛ المخطوفون في نزاعهم للموت. حتى لو لم يكن مخطوفون أحياء في مجال غزة، فمشكوك أن احتلال المدينة يساوي الثمن حياة المقاتلين، والمس بغير المشاركين، ومقاطعة العالم لنا، لكن في مجال غزة مخطوفون أحياء. ليس لحكومة إسرائيل الحق في الحكم عليهم بالموت.
رئيس الأركان إيال زامير يفهم هذا. هو وزملاؤه يفعلون أفضل ما يستطيعون، في المجال الذي أعطي لهم، لإقناع الكابنيت باختيار الصفقة. لكن نتنياهو على حاله. الصفقة على الطاولة لكنه يرفض البحث فيها. مثل الأدميرال التركي إياه، الذي حاول احتلال جزيرة مالطا وفشل، يعلن: “مالطا يوك” – لا توجد مالطا.
كان قد نتوقع من أحد من وزراء الحكومة، وربما من أعضاء الكنيست، أن يقول باسمه وبصوته – لعلك مخطئ سيدي رئيس الوزراء. لعل شيئاً ما فيما يقوله رئيس الأركان ويقوله كل قادة أذرع الأمن. هكذا هو الحال في الديمقراطية: حتى عندما يكون رئيس الوزراء قوياً ويكون مركز الحزب متطرفاً ومهووساً، على أحد ما أن يفتح فمه. هكذا كان طوال سنوات الدولة، حتى حيال رؤساء وزراء أقوياء مثل بن غوريون وبيغن.
لكن أحداً لم يفعل. كلهم يكتفون بهذر بلا أسماء، جبان، على مسمع صحافيين يترافق وتأييداً علنياً لكل نزوة لرئيس الوزراء. الخوف من ثأر آلة السم يشلهم. وربما أيضاً أحلام الخلافة.
عيناب تسنغاوكر، الصوت البارز في معسكر العائلات، قالت في نهاية الأسبوع إنه إذا مات متات ابنها في غزة فستتهم نتنياهو بالقتل العمد. الصيغة فظة، ليس مسموحاً لكل واحد، لكن إلقاء المسؤولة محق.
نتنياهو ليس وحده: هو محوط بعملاء. أحدهم رئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي. مؤخراً، يكثر الناس من ذكره كمن انضم إلى رئيس الأركان ولرؤساء أذرع الأمن نحو صفقة. ظاهراً، هو واحد قام: سياسي من الليكود، وزير سابق، تعيين شخصي من نتنياهو، قرر القيام بفعل ما.
هنغبي ليس رئيس الأركان. المسؤولية عن الحرب ليست ملقاة على عاتقه، ولا المسؤولة على المخطوفين أيضاً. أمهات عبريات لا يودعن أبناءهن تحت قيادته. هو يقف على رأس جسم واهن، تأثيره بائس. ليس له ما يخسره باستثناء شرف الجلوس إلى جانب نتنياهو في جلسات الكابنيت. إذا اعتقد بأن التخلي عن الصفقة واحتلال القطاع خطأ تاريخي، فليقم ويشرح للجمهور الإسرائيلي ما حصل في الأشهر التي سبقت 7 أكتوبر وفي الـ 23 شهراً التي مرت منذئذ. من تخلى، من كذب، من خدع، كيف الكبح، كيف الإصلاح. إذا كان هناك أحد يسمى تساحي فليظهر.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 1/9/2025