
إعلان ماكرون اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول القادم، أثار غضب اليمين الإسرائيلي. قال نتنياهو إن “إنها خطوة تكافئ الإرهاب، وستستخدم كنقطة انطلاق لتدمير إسرائيل”. وقال وزير العدل ياريف لفين: “الأمر يتعلق بوصمة سوداء في تاريخ فرنسا”. وقال رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت: “إعلان ماكرون قرار مخجل، وسيرمى في سلة قمامة التاريخ. الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد مذبحة 7 أكتوبر هو تدهور أخلاقي وهدية للقتل الجماعي”.
لكن إعلان ماكرون سياسياً وأخلاقياً يبدو عكس ذلك تماماً. فالحلم السياسي الشامل الذي يطمح ماكرون إلى الدفع به قدماً يرتكز إلى مبدأ تقسيم المكان بين البحر والنهر إلى دولتين قوميتين، على أساس اعتراف متبادل بحق تقرير المصير القومي لليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين.
في المقابل، الحلم الديني – السياسي، الإسلامي – القومي، لحماس، الذي باسمه خرج قتلتها لذبح الإسرائيليين في 7 أكتوبر، هو القضاء على دولة إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية بدلاً منها. سياسة ماكرون لا “تكافئ” حماس على المذبحة فحسب، بل تتعارض مع رؤية هذه المنظمة القاتلة والعبثية.
وفي حين أن تدمير إسرائيل هو هدف حماس النهائي، فهدفها المتوسط هو الحرب الدينية اللانهائية ضد إسرائيل، وفيها رسالة رمزية وثابتة للمجتمع الدولي، التي ترتكز على أن “وجود دولة إسرائيل في أرض فلسطين المقدسة، وعاصمتها القدس” هو أمر غير شرعي.
في هذه النظرة تشابه ديني – سياسي بين حماس واليمين القومي المتطرف – الديني اليهودي: مثل حماس، ها هم نتنياهو ولفين وبينيت وأمثالهم، يتمسكون بنهج المواجهة الدينية السياسية المستمرة، على أساس مبدأ نزع الشرعية عن الحقوق السياسية والقومية للشعب الجار شريطة أن حل تقسيم الوطن لا يتحقق ذات يوم. لذلك، فإن إعلان ماكرون يبدو تحدياً مزدوجاً، سواء لرؤية حماس القاتلة أو رؤية اليمين الإسرائيلي الظلامية، ولهذا السبب يبدو إعلان ماكرون السياسي يصيب اليمين بالجنون.
ولأن خطاب اليمين اليهودي الأيديولوجي وصل إلى نقطة الغليان عقب إعلان ماكرون، فإن الردود عليه في أوساط دوائر نشطاء السلام تتراوح بين التثاؤب وهز الكتف المتشكك. إزاء الكارثة الوطنية والإقليمية التي تحيط بنا، يبدو أنه تشكك مفهوم، لكن يجب عدم التوافق معه لأسباب رئيسية:
السبب الأول، أنه إذا انضمت بريطانيا لفرنسا فستزداد احتمالية أن تتحول حقوق الفلسطينيين في المستقبل القريب إلى نوع من “المسألة اليهودية” في أواخر عصر الحداثة. مسألة قومية ودولية من الدرجة الأولى تحتاج إلى حل فوري وملح وينقذ الحياة، على شاكلة إقامة دولة قومية مستقلة.
السبب الثاني، أنه كلما وقفت دول غربية عظمى أخرى خلف الحقوق الوطنية والسياسية للفلسطينيين، فإن ذلك سيساعد القضية الفلسطينية في رفع أهمية قيم ومفاهيم التنور والإنسانية والمساواة سيتشكل في المجتمع الدولي. من الآن فصاعداً معسكران، لكل منهما صورة سياسية وأخلاقية واضحة، الأول هو المعسكر الليبرالي والإنساني الذي يثني على قيمة المساواة بين الشعوب التي تتمثل بمبدأ الدولتين لشعبين، إسرائيل وفلسطين. والثاني هو المعسكر الدولي المسيحاني، الذي تتحالف أجزاؤه معاً بالسر وتشمل إسرائيل المسيحانية والولايات المتحدة الإفنغيلية، وهذا رغم التناقض الذي يبدو ظاهرياً، والذي سيشمل حماس وإيران، وجميعهم على موقف انتحاري مفاده أن حل الدولتين غير محتمل لأسباب لاهوتية مقدسة.
انقسام هذين المعسكرين لا يضمن انتصار معسكر المساواة والعقلانية في هذه المعركة. مع ذلك، التمييز السياسي والأخلاقي الواضح بين الموقف الوطني، المساواتي والمتنور، والموقف اللاهوتي الظلامي الذي يمثل تحالفاً دولياً من “آكلي الموتى” في سبيل الله، هو شرط ضروري على طريق تعزيز حل الدولتين. وهو حل ضروري الآن ليس فقط للإسرائيليين والفلسطينيين، بل أيضاً لإعادة تأهيل أخلاقي للمجتمع الدولي.
بهذا المعنى، فإن إعلان ماكرون قد يشكل وبحق “نقطة انطلاق”، ولكن ليس لـ “تدمير إسرائيل”، بل لنهضة إسرائيل الجديدة، الشرعية، إلى جانب دولة فلسطين وفي إطار مجتمع دولي أفضل وأكثر عدلاً.
ديمتري شومسكي
هآرتس 28/7/2025