هزمتك حماس فانطلقت لإيران.. لنتنياهو: هل سمعت بـ "نكتة النووي"؟
2025-06-25
كتابات عبرية
كتابات عبرية

كل يوم يمر يثبت وهج المقولة “الوطنية هي الملاذ الأخير للوغد”. منذ 13 حزيران، اليوم الذي هاجمت فيه إسرائيل إيران، حصلت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو على موجة تعاطف من كل الطيف اليهودي في إسرائيل، وحتى من الخارج. كل منتقدي نتنياهو أدوا له التحية على جرأته وعزيمته. جميع اليئيريين، سواء كانوا معتدلين أكثر أو متطرفين أقل، اعتبروا عملية “شعب كالأسد” رداً مناسباً على التهديد الإيراني.

كما هو معروف، لم يكن هناك استفزاز مباشر من قبل إيران يستدعي هجوم إسرائيل، ولا دليل على أن النظام في إيران نفذ مؤخراً قفزة كبيرة نحو السلاح النووي. المعروف أن نتنياهو يحلم بالحرب ضد إيران منذ سنوات. انتظر الوقت المناسب لتحقيق هذا الحلم. وقد حان الوقت عندما تبين له أخيراً بأن “النصر المطلق” في غزة، الذي كرر التنبؤ به منذ بداية الحرب، لا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل القريب. قتله لعشرات آلاف الغزيين المدنيين بلا أي شفقة لم يساعد في هزيمة حماس. والجيش الإسرائيلي يسقط، والمخطوفون البائسون ما زالوا هناك، والشعور بالمرارة يتعاظم في إسرائيل.

ها هو الزعيم قد جاء بالخلاص. الهجوم على إيران وحد الشعب المنقسم. يحظر على أي جهة في الشرق الأوسط امتلاك سلاح نووي، أما لنا فمسموح (حسب منشورات أجنبية) لأن لدينا نظاماً ديمقراطياً يعيش بسلام مع جيرانه ويعترف بالحقوق الأساسية والمساواة. في المقابل، النظام الإيراني ديكتاتوري، يقمع مواطنيه بقسوة. لا أعرف إذا كان النظام في إيران أكثر اضطهاداً واشمئزازاً من النظام السوفييتي في 1949، عندما أجرى ستالين تجربته النووية الأولى.

لكن الوضع الحالي يذكرني بتسخين أجواء الحرب الباردة، التي سممت كل السياسة في الخمسينيات. الكثير من الأمريكيين آمنوا أن السلاح النووي لدى الاتحاد السوفيتي سيؤدي إلى حرب عالمية فظيعة، حيث إن السوفييت شجعوا وسلحوا جميع قوى “الوكلاء” ضد الولايات المتحدة، بدءاً بالأحزاب الشيوعية وانتهاء بالحركات المناهضة للكولونيالية.

لكن الواقع كان مختلفاً كلياً؛ فورثة ستالين حرصوا على منع انتشار السلاح النووي. وفي 1962، ذروة الصراع بين الكتلتين، تبين أنهم أكثر مسؤولية من الأمريكيين عن كل ما يتعلق بمنع الحرب النووية بين الدولتين العظميين.

السياسة السوفييتية الثابتة التي خشيت من انتشار السلاح النووي كانت أحد العوامل الرئيسية في الانشقاق في نهاية الخمسينيات بين الاتحاد السوفييتي والصديقة المقربة، الصين الشيوعية. ماو غضب من رفض الاتحاد السوفييتي تسليح جيشه بالسلاح النووي، والصين نجحت في الحصول على هذا السلاح بقواها الذاتية في 1964. وللدهشة، نظام ماو الديكتاتوري والقمعي، بدرجة لا تقل عن النظام السوفييتي، امتنع عن انتشار السلاح النووي. الادعاء المشهور القائل بوجود صلة بين النظام الديكتاتوري والمغامرة العسكرية – الافتراض الذي وضعه النظام الفاشي في إيطاليا والنظام النازي في ألمانيا –لا أساس له. الدولة الوحيدة في القرن العشرين التي استخدمت السلاح النووي ضد المدنيين هي الدولة التي اعتبرت الدولة الأكثر ليبرالية في العالم. فرنسا الديمقراطية هي التي بدأت في تسريب السلاح النووي إلى الشرق الأوسط. في الحالتين، هذه العملية لم تكن ضرورية، والحالة الأخيرة مرتبطة بشكل وثيق بالوضع الخطير الذي نعيشه الآن.

مفهوم “الغموض النووي” الذي وضعته إسرائيل أصبح نكتة منذ زمن، وكل عاقل في الشرق الأوسط يعرف أن إسرائيل تعتقد أنها يجب أن تكون الدولة الوحيدة التي لها (حسب منشورات أجنبية) هذا الامتياز. وسبب عدم مهاجمة إيران أي دولة غير مهمة في المئة سنة الأخيرة، فلأنها قد تفعل ذلك؛ ولهدا الادعاء، انضم ترامب إلى “صديقه” نتنياهو وأشرك الولايات المتحدة في المواجهة العسكرية.

هذه ليست المرة الأولى التي يشجع فيها رئيس أمريكي على مهاجمة إيران. ففي الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات، التي قتل فيها حوالي مليون شخص، أيدت الولايات المتحدة صدام حسين ووفرت له معلومات استخبارية عن إيران، وحتى أنها نقلت إليه السلاح الكيميائي الذي استخدمه. المفارقة هي حقيقة أن النزاع الذي اندلع فيما بعد بين الصديقتين سابقاً، أدى في 2003 إلى غزو الجيش الأمريكي للعراق واحتلاله، بهدف تحييد سلاح الدمار الشامل الذي ما زال في حوزته. بعد سبع سنوات على تدمير دولة العراق على يد الجيش الأمريكي، لم يتم إيجاد السلاح غير التقليدي، وتم وقف البحث عنه.

حتى الآن، لا نعرف نتيجة هذا الاتفاق المستعجل مع إيران. هل سينهار النظام الديكتاتوري وستنتصر المعارضة الليبرالية، أم سيتم قمع معارضي النظام على يد موجة وطنية جارفة كما حدث أكثر من مرة في التاريخ. الوطنية ليست إلا ملاذاً للأوغاد، وربما تكون مصدر هزيمة من يحبون السلام والحرية.

 

شلومو زند

هآرتس 25/6/2025



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟
  • ما أبعاد مرسوم ترامب لحماية الدوحة أمريكياً وإقليمياً ودولياً؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي