وهذه النتائج تحمل دلالات واضحة، إذا ما قورنت بنتائج سابقة للتيار المحافظ أو الإصلاحي المنافس، وتكشف عن تراجع واضح وصريح في شعبية النظام والتيار الذي يمثله في الحياة السياسية، بحيث بات من الصعب على النظام إخفاؤها أو الالتفاف عليها، بمسوّغات مختلفة تصبّ كلها في إطار المؤامرة والتآمر على النظام، عن طريق ما يقوله المعارضون باللجوء إلى هندسة نتائج صندوق الاقتراع، خصوصاً أنه لجأ إلى هذه الهندسة قبل الانتخابات، مستخدماً ذراع لجنة دراسة أهلية المرشحين في مجلس صيانة الدستور التي تكفّلت تنظيف الطريق أمام مرشحيه للدخول في معركة انتخابية لا منافس حقيقي فيها أو إذا ما وُجد فإنه غير قادر على إحداث فارق أو تغيير.
ومن الدلالات التي قد تشكّل مؤشر تراجع في قبضة النظام السياسية، العودة إلى الاستعانة بوجوه محسوبة على التيار الأصولي التقليدي، ممثلاً بحزب "المؤتلفة الإسلامي"، خصوصاً في العاصمة طهران، وهو الحزب الذي يمثّل الإسلاميين التقليديين وجماعة البازار. ولعلّ حصول أبرز شخصيات هذا الحزب مصطفى مير سليم على المرتبة الثانية للفائزين على قائمة التيار المحافظ، محطة أساسية على طريق فهم حاجة النظام إلى الاستعانة بـ"الحرس القديم" بعدما خاض معهم معركة قاسية لاستبعادهم عن مراكز القرار، خصوصاً في المرحلة التي تلت إخراج الإصلاحيين من السلطتين التنفيذية والتشريعية في زمن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وقد اعتُبرت حينها المعركة داخل البيت الواحد، وقف فيها النظام ومؤسسة "حرس الثورة" وبعض المؤسسة الدينية المؤيدة للتيار المحافظ إلى جانب القوى الجديدة الناهضة التي أُطلق عليها اسم "المحافظون الجدد"، وهي المعركة التي أدت إلى فشل مرشحي هذا الحزب والأحزاب التقليدية في الحصول على المكاسب التي كانت تطمح إليها وترى فيها حقاً تاريخياً لجهة الدور الذي لعبته "كحارس" اجتماعي وديني وثقافي واقتصادي للنظام ومؤسساته. إلاّ أنّ العودة إلى الدفع بهذه القوى التقليدية إلى الواجهة قد يدلّل على أنّ النظام يواجه أزمة في تجديد قاعدته الشعبية. بالتالي، لم يكن أمامه خيار سوى الاستعانة بهذه القوى التقليدية التي كانت قادرة طيلة العقود الماضية على الحفاظ على ما تمثله شعبياً نظراً إلى ارتباطها بالمصالح الاقتصادية وسيطرتها على "البازار".
المفاجأة الأبرز في هذه الانتخابات، النتائج التي حققها التيار المحسوب على الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي استطاع في محطات عدّة، خصوصاً في السنيتن الأخيرتين من ولايته الثانية، وبعد خروجه من الرئاسة وفشله في وضع أحد مساعديه وصندوقه الأسود بين مرشحي الرئاسة، وصولاً إلى منعه بقرار من المرشد الأعلى من المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وتحوّله جراء المواقف الحادة التي أعلنها ضد شخصيات بارزة في النظام وتحديداً رئيس السلطة القضائية ولاحقاً رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام صادق لاريجاني واتهامه بالفساد والمحسوبية، فضلاً عن بعض المواقف التي تحدّى فيها إرادة المرشد الأعلى ومعارضته في بعض السياسات، التي انتهت جميعها بتحوّله إلى زعيم "التيار المنحرف أو الانحرافي" عن التيار المحافظ وخارجاً عن المسمّى الذي أُعطي له بزعامة تيار المحافظين الجدد.
قد يكون من المبكر توصيف الدور الذي يلعبه أحمدي نجاد والمقربون منه بأنه بات يشكّل "تياراً جديداً" في الحياة السياسية الإيرانية، إلاّ أنّ النتائج التي حصل عليها مقربون منه في الانتخابات الأخيرة وسيطرتهم على أكثر من 13 مقعداً من مقاعد التيار المحافظ، يُعدُّ رقماً كبيراً ومؤثراً إذا ما قورن بالرقم الذي حصل عليه التيار الإصلاحي بكل أحزابه وأجنحته ولم يتجاوز الـ 19 مقعداً. بالتالي، فإن هذه النتائج ستعيد وضع أحمدي نجاد الجماعة التي يمثلها أو تلك التي وقفت خلفه وإلى جانبه فكرياً ودينياً وسياسياً في المرحلة السابقة وأُجبرت على التراجع في المرحلة الأخيرة بضغط من النظام وقيادته السياسية والعسكرية، ستعود إلى تبني هذا الخيار من جديد والدفع به إلى الواجهة، انطلاقاً من قدرته التمثيلية الشعبية، ما قد يعيد وضعه على خريطة المنافسة مع التيار المحافظ من جديد وبشكل أكثر تأثيراً. وهذا يعني في المحصّلة أنّ النظام وكل مراكز القرار التي يسيطر عليها، لم تستطع القضاء على شيء اسمه "ظاهرة أحمدي نجاد"، على الرغم من أنها هي التي أسهمت في نشوئها وتبلورها في العقد الأخير من تاريح النظام.
* نقلا عن أندبندنت