ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان.. من الخلافات إلى الاضطرار الإقليمي: هل يصلح نموذجاً؟
2023-05-04
كتابات عبرية
كتابات عبرية

حظي اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، والذي وقع في تشرين الأول الماضي، بجملة من المواقف والتحليلات، منها ما هو موضوعي ومنها سياسي غلبت عليه المصلحة السياسية الحزبية على المصلحة السياسية الاستراتيجية.

هكذا مثلاً كانت تصريحات رئيس الوزراء نتنياهو الذي وصف الاتفاق بأنه “اتفاق استسلام”. واضح في السطر الأخير حتى لرئيس الوزراء أن الاتفاق، وإن كان لا تغيب عنه نقاط ضعف، إنما يخدم مصالح إسرائيل الحيوية، استراتيجياً وأمنياً وسياسياً.

فضلاً عن ذلك، فإن التحليل المهني والموضوعي يبرز عدداً من الدروس المهمة، بما في ذلك الآثار التي قد تساهم في اتفاقات أخرى في المنطقة. خمس نقاط أساسية جديرة بالتشديد:

أولاً، إمكانيات الطاقة تشكل محفزاً لحل النزاع؛ فقد جسد الاتفاق كيف يمكن للإمكانية الكامنة التي وإن كانت لم تثبت بعد في المياه الاقتصادية اللبنانية، لكنها تشكل محفزاً بناء لحل الخلافات العالقة بين الدولتين.

ثانياً، الأزمة فرصة. فلم تكن تكفي الإمكانية الكامنة المذكورة آنفاً لإنهاء ناجح للمفاوضات. الأزمة الاقتصادية والسياسية غير المسبوقة والتي شهدها ولا يزال يشهدها لبنان ساعدت أصحاب القرار في بيروت للفهم بأن حل الخلاف مع إسرائيل يشكل فرصة للتصدي للأزمة الخطيرة.

ثالثاً، فاعلية الوسيط. الولايات المتحدة التي توسطت على مدى سنوات الخلاف في هذه المسألة بين الدولتين، يعتبرها الطرفان وسيطاً ناجعاً قادراً على تحقيق النتائج. فقد نجح الطرف اللبناني في التغلب على حقيقة أن الولايات المتحدة لا تعتبر لاعباً موضوعياً، في ضوء شبكة علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل، وفهم بأن واشنطن قادرة، في الملابسات الخاصة، على تحقيق اتفاق يحفظ مصالح كل الأطراف، بما في ذلك الوسيط نفسه (حول الحرب في أوكرانيا).

رابعاً، الهندسة الإقليمية في شرق البحر المتوسط. فمكتشفات الغاز في مياه البحر المتوسط حركت سلسلة من السياقات خلقت هامشاً مبهراً من التعاون الذي نشأ وتعمق بين عدد من اللاعبين في المنطقة – إسرائيل، مصر، اليونان، قبرص، بل وأدت إلى إقامة إطار إقليمي جديد في شكل منتدى الغاز الإقليمي. ساهمت هذه السياقات في الاستقرار في المنطقة لكنها جسدت للاعبين مثل لبنان بأن التغيب عن هذه السياقات لا يخدم مصالحها.

خامساً، دور شركات الطاقة الدولية. فالعلاقات المعقدة بين إسرائيل ولبنان أبرزت الدور الحيوي الذي يمكن لشركات خاصة أن تؤديه. الشركة الفرنسية “دوتال” المشاركة في حقل الغاز اللبناني الذي يلامس الحدود البحرية الإسرائيلية، أدت دوراً بناء في وجه العائق الذي نبع من عدم الاعتراف اللبناني بإسرائيل ورفضه البحث مباشرة معها حول نصيبه في الحقل المشترك. يمكن لهذا أن يشكل سابقة إيجابية لنزاعات أخرى في المنطقة أيضاً.

ثمة عقبات لا بأس بها تبقت أمام الدولتين، وجدير بإسرائيل إلى جانب اللبنانيين، أن تأمل بتنقيبات ناجحة ستتم في الفترة القريبة القادمة، وفضلاً عن ذلك، هل يمكن للاتفاق الإسرائيلي اللبناني أن يساعد في حل الخلافات في نزاعات أخرى في المنطقة، مثل مشكلة قبرص والخلاف القديم بين تركيا واليونان؟ ربما أيضاً حول حقل الغاز الفلسطيني أمام شواطئ غزة.

يجدر أخذ جانب الحذر والتواضع في هذا السياق. لكن لا تزال الحقيقة المبهرة على حالها، بأن الدولتين نجحتا في تجاوز ألغام مركبة لا مثيل لها: عدم الاعتراف اللبناني بإسرائيل، ودور لاعب غير سياسي في المفاوضات، ومساومات سياسية تجاوزت مسائل قانونية معقدة. إن الشكل الذي حلت فيه الخلافات في هذه السياقات قد يساعد في حالات أخرى، مع إدراج اهتمام أوروبا بالغاز عقب الحرب في أوكرانيا.

 

ميخائيل هراري

معاريف 4/5/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي