
سبق أن أجاب دافيد غروسمان عن هذا السؤال بشكل أفضل مني، فقال: “تغيرنا، نحن أناس الاحتجاج… لم نعرف أن فينا مثل هذه القوى، مثل هذا التصميم، النفسي الطويل… نحن الذين لم نعد مستعدين للسكوت بعد اليوم. نخرج للتظاهر، نصرخ، نزأر… نعيد صياغة مبادئ المجتمع المدني… نرى أين تمر خطوطنا الحمراء، خطوط الرفض والعصيان المدني غير العنيف… أناس الانقلاب لم يقرأوا على نحو سليم، لا توقنا للحرية ولا القيم والأماني الأولية… قيمة المساواة لكل إنسان وإنسان، الروح الديمقراطية، الإنسانية… واضح لنا جميعاً بأننا خط الدفاع الأخير لدولة إسرائيل في وجه الطغيان الوقح”. قول حق كالسيف.
ماذا كان؟
توقف/تعليق. حوار
تشريع الانقلاب النظامي توقف في الدقيقة التسعين. كان هذا إنجازاً هائلاً للاحتجاج المتعاظم. قوته هي التي أدت بغالانت لطلب انعقاد الكابينت، وهي التي أخرجت نتنياهو عن توازنه، وأدت سواء إلى الإقالة المتسرعة (التي ستلغى أغلب الظن) أم للتعهد السائد لإقامة “حرس ثوري” تابع لبن غفير. لكن حصلت أمور أخرى؛ فبينما يغرق مواطنو الدولة في مصاعب غلاء المعيشة، أقرت لجنة المالية امتيازات خنزيرية لـ “الزعيم العزيز” وعائلته. قانون “منع انعدام الأهلية” أجيز ودخل حيز التنفيذ، وقانون “القضاة المحكومون” رفع إلى الكنيست للقراءتين الثانية والثالثة، وستة قوانين أخرى أجيزت بقراءة تمهيدية وأولى. أوضح نتنياهو بأن التشريع “علق” فقط، ريغف، ودرعي، وروتمن وآخرون يوضحون بأن في نيتهم مواصلة زخم التشريع بعد نحو شهر. ونعم، بصوت هامس، بدأ النقاش في “مخطط الرئيس”. قلة تؤمن بأنه سيؤدي إلى نتيجة، لأن المعارضة لا يمكنها أن تقبل تسييساً لتعيين القضاة وهزالاً للديمقراطية. ويرى الائتلاف في تلك المواضيع الحد الأدنى الضروري لخروجه، كل من أزماته. بالنسبة إلى نتنياهو، يعد الهدف من المداولات إضعاف الاحتجاج وتطبيع أعمال حكومته، عبر استعداد الرئيس والمعارضة للبحث فيها، والسماح له بإلقاء المسؤولية عن الفشل، حين يأتي، على لبيد وغانتس، وتنظيم مظاهرات تأييد واسعة النطاق، وتفعيل عصابات الزعران المحرضين من “لاهفا” و”لا فاميليا” و”فتيان التلال”. وعندها فقط في لحظة مريحة له في دورة الكنيست التالية، إجازة تشريع الانقلاب النظامي في إجراء قصير. هكذا فعل قادة الانقلاب في بولندا. هكذا سيفعل هنا نتنياهو. هذه الخطة ولا توجد غيرها.
لبيد وغانتس يحاول كل بطريقته الاستجابة لعاطفة جماهيرية قوية نحو التسوية بين الطرفين، وهما يؤمنان بأن المسؤولية عن المأزق ستقع على نتنياهو. يقدران بأن ليس لهما ما يخسرانه. بتقديري، وقع الضرر بقوة ما يسمح به هذا لنتنياهو، ولأنهما يمثلان الطرف المتضرر من الانقلاب النظامي ويفترض بهما أن يقودا الكفاح لا أن ينجرا في هوامشه.
على جدول أعمال في هذه اللحظة حسم أو تسوية.
حسم أم تسوية؟ هذا هو السؤال. على حد علمي، ثمة لحظات في حياة الشعب يكون فيها الحسم هو الأفضل خصوصاً في خيار بين حسم أليم وتسوية عفنة. نحن بالضبط في مثل هذه اللحظة. جابوتنسكي قال: “الصمت عار”. لقد وصف آينشتاين الغباء ذات مرة بأنه “أن تتوقع نتائج أخرى من التجربة ذاتها”. لقد سبق لكل اللاعبين أن اختبروا خداع نتنياهو: الرئيس هرتسوغ في قضية حكومة الوحدة، وغانتس في قصة “حكومة التبادل”، ولبيد عند خدمته في حكومة نتنياهو. ثلاثتهم يفهمون بأنه قد تكون أحبولة حقيرة وفيها أضرار تنتظرهم من نتنياهو. المستشار القانوني السابق مندلبليت الذي يعرف نتنياهو جيداً، شخّص بأن نتنياهو أصبح كاسحاً وبلا كوابح في محاولاته لسحق جهاز القضاء، وأن “الصدام في هذه الحالة أفضل من التسوية السيئة!”. التسوية العفنة ستجعل إسرائيل دكتاتورية بالأمل الواقع، مع باب مفتوح على مصراعيه لفساد شخصي وعام، وتغيير تدريجي وأليم لكل ما هو عزيز علينا، وضرر لا رجعة عنه بعلاقات إسرائيل – الولايات المتحدة، وبعلاقاتنا مع يهود العالم، وبجودة حياتنا في إسرائيل. يجب ألا يحصل هذا. يتعين على زعماء المعارضة أن ينسحبوا من المداولات العقيمة في أقرب وقت ممكن وأن يخوضوا صراعاً حاسماً لإسقاط الحكومة، لا لإنقاذها. هل ثمة شك لدى أحد ما في أن نتنياهو كان سيتصرف هكذا لو كان مكانهم؟
وربما عفو؟ أو صفقة قضائية؟
في الآونة الأخيرة انطلقت دعوة من بعض الأشخاص مرة أخرى، وبعضهم متفكرون: في ضوء بديل السقوط إلى الهاوية، تعالوا نعطي نتنياهو “مظلة هبوط ذهبية”، إلغاء كل التهم والعفو مع شروط اعتزال مدللة، مقابل خروجه بعد وقت محدد من الحياة السياسية. لا توجد سخافة أكبر من هذا. هذا اقتراح بإفلاس أخلاقي، وسياسي، وجماهيري وقانوني. معناه أن إسرائيل تستسلم للابتزاز بالتهديد من جهة من يقف على رأسها لأنه لم يتردد، حين تورط بالجنائي، من رفع يده على الدولة وعلى المحكمة. لن تقوم للمجتمع قائمة من مثل هذا الإفلاس. إذا ما أعطي له عفو فإنه يلغي الجرائم التي يقدم عليها إلى المحاكمة، وما إن تلغى الجرائم فلا قوة في العالم تخلعه من الحكم حتى لو تعهد فيها بذلك. كما أن شيئاً لن يمنعه من التنافس في الانتخابات مرة أخرى لأنه لا جرائم ضده رسمياً. واقتراح الصفقة القضائية هي الأخرى إشكالية، لكن إذا كانت صفقة قضائية مناسبة، تتضمن كل العناصر فيجب النظر فيها. بمعنى: أن يعترف نتنياهو بالتهم، أن يعرب عن الندم، أن يدان وفق اعتراف، وأن يلقى عليه العار والغرامة والسجن مع موقف التنفيذ. ولما كنت لا أسارع لرؤيته في بزة السجين، ربما تستبدل بعقوبة السجن أعمال خدمة. صفقة كهذه قد تكون عقاباً مناسباً مع تحذير للمستقبل لكل من يرفع يده على سلطة القانون.
ماذا سيكون؟
علينا أن نجعل الأزمة فرصة، ليس عبر تسوية عفنة بل عبر حسم واضح، لحظة دستورية تسمح ببلورة دستور أو على الأقل قانون أساس محصن “التشريع” يضمن استقلالية المحكمة وقيم وثيقة الاستقلال والديمقراطية. الاحتجاج سينتصر، إذ لا بديل وليس لنا بلاد أخرى. ونحن في جانب الحقيقة وفي جانب التاريخ. لكن هذا لن يكون سهلاً أو قصيراً. تجند الشباب المتحمس وكل الجماعات الرائدة في المجتمع الإسرائيلي مؤثر وملهم، لكن أساس اختبار التصميم لا يزال أمامنا. والخصم داهية ومجرب ويقاتل في سبيل حياته السياسية. لا سبيل للتوقع إذا كان انهياره سيبدأ بإحباط من سموتريتش وبن غفير والحريديم أو درعي، أو أي منهم لا يلقى رضاه، من انهيار نتنياهو نفسه أو من انتصاب العمود الفقري لأدلشتاين، وديختر، وغالانت وبركات، وبيتان أو أعضاء آخرين. من الحيوي تشديد قوة المظاهرات والتشويشات إلى عموم عصيان مدني غير عنيف على أوسع مدى. حتى لو تحتمل ارتفاعات وهبوطات معينة في أثناء الأعياد في الأسابيع القادمة، مطلوب تحديث أهداف الاحتجاج. بدأنا بمنع تشريع الانقلاب. ما إن ديس على هذا الحاجز، حتى رفعنا طلب سحب كل تشريع الانقلاب. وحين ديس على هذا الحاجز أيضاً شاهدنا إقالة غالانت الذي طالب بعقد الكابينت للبحث في خطر أمني قريب وحقيقي ورفض. لقد فضل نتنياهو مصالحه الخاصة على أمن الدولة. خطوة سائبة وغير مسبوقة تضع قدرة نتنياهو على التفكير أمام علامة استفهام كبيرة، وكذا رؤيته للواقع وأهليته لإدارة شؤون الدولة في وضعه هذا. في هذا الوضع الجديد، علينا رفع المستوى وطلب إبعاد نتنياهو الذي لم يعد أهلاً عن مواقع القوة في الدولة. بعد إبعاده، سيكون ممكناً إقامة حكومة وحدة بمشاركة الليكود. هذا هدف أصعب على التحقيق، لكنه شرط ضروري لنجاح الكفاح في سبيل صورة طريق ومستقبل إسرائيل. نحن ملزمون بالشجاعة والتصميم لتحقيق هذا من أجل جيلنا والأجيال التالية. عيد حرية سعيد لكل شعب إسرائيل.
إيهود باراك
يديعوت أحرونوت 5/4/2023