من جديد: طعنة سكين في سمعة المسلمين
2020-02-22
غادة السمان
غادة السمان

كلما كتبت ضد الدمج الخاطئ بين الإجرام والإسلام يحدث على أرض الواقع ما يجرح كبرياء كل مسلم في الغرب وفي الوطن.

ها هو شاب «متأسلم» آخر يطعن بسكينه المارة ويجرح ثلاثة منهم، وذلك في لندن هذه المرة.. وها هي الصحف الغربية لا تنسى ذكر مسلسل قتل الناس بذريعـــة الإسلام وبالتفصيل مع تاريخ كل جريمة!

أعتقد أنه من المفيد أن تدين المراجع الدينية الإسلامية كلها في الغرب والعالم الإسلامي والعربي هذا القتل المجاني باسمهم والإسلام بريء من هذا الإجرام.. ومن أشخاص مثل هذا المجرم (قتله رجال الشرطة).

هذه الأفعال تسيء إلى المسلمين جميعاً، لا في الغرب وحده بل وفي كل مكان. ولكن الصوت الخافت في إدانتها أو الصمت لم يعد مقبولاً. إن طعنة السكين هذه تصيب في الوقت ذاته سمعة الدين الإسلامي الحنيف.

كورونا «صينوفوبيا»

عدت من التسوق برفقة عاملتي المنزلية الفلبينية، والتقيت أمام مدخل ناطحة السحاب حيث أقيم، رجلاً ضخم الجثة لعله من جيراني. وتسمرت نظراته على وجه الفلبينية وصرخ بها: أنت صينية. لن أسمح لك بالدخول إلى المبنى!

تدخلت قلت له: هذه السيدة تعمل عندي منذ ربع قرن، فلماذا تريد منعها الدخول إلى المبنى؟

قال: إنها صينية وقد تحمل معها (فيروس كورونا).

قلت له: إنها لم تغادر فرنسا منذ عقد حتى إلى بلدها الفيليبين.

لم يعتذر. بل كان مذعوراً من الإصابة بفيروس كورونا، حتى أنه صار عدواً لأي وجه يشك في أنه صيني!!.. كما لو أن كل صيني سينقل له المرض. ولم ألحظ من قبل أن لعاملتي ملامح صينية. أدهشني ما حدث، وظننتها حادثة انفرادية.

قتل الآخر خوفاً من الموت

ولكن ما حدث ليس حادثة منفردة استثنائية، فقد شاهدت على شاشة التلفزيون الفرنسي تحقيقاً حول ذلك. وبعدما كانت المرأة المحجبة هدفاً للكراهية صارت ذات الملامح الصينية هي (العدو) وبالذات في وسائل النقل الجماعية (المترو ـ الباص) حيث يتحاشى الركاب الجلوس إلى جانبها، بل ويعتدي البعض عليه/عليها بطردها من المترو/الباص!

من حق كل إنسان أن يخشى على حياته من المرض، لكن من المعروف في فرنسا أن العائد من الصين تحتجزه الدوائر الطبية حوالي أسبوعين للتأكد من خلوه من المرض قبل أن يعود طليقاً في فرنسا.

موجة هلع مُحقة؟ وباء عالمي؟

المطاعم الصينية في الدائرة رقم 13 الباريسية (الحي الصيني) خوت من زبائنها.. والحوانيت تشكو من الأمر نفسه، وشركات الطيران العالمية ألغت رحلاتها إلى الصين خوفاً في انتقال المرض. أما عيد رأس السنة الصينية الذي كان يقام له كل سنة قمرية مهرجان وعروض لا تخلو من الجمالية و(التنين) فقد تم الاستغناء عنها خوفاً من «تنين كورونا».

وفي مدينة بوردو ومدن أخرى فرنسية كانت تستمتع بمشاهدة المسيرة الصينية للاحتفال بالعام الجديد الصيني، قامت كلها بإلغائها، وقيل حداداً على ضحايا المرض، وأعتقد أن الخوف من انتقال المرض بين المتفرجين والمستعرضين هو السبب!

لذا، لم يدهشني أن تأتي عاملتي المنزلية في اليوم التالي وهي تضع القناع الطبي الواقي من الجراثيم لتخفي به ملامحها الصينية…

عيد الكراهية، متى؟

ونحتفل بعيد الحب؟ أعتقد أنه صار علينا الاحتفال بعيد الكراهية، فأكسجين الإنسانية والمحبة يتناقص يوماً بعد آخر في كوكبنا..

هل ثمة فعل كراهية لا إنسانية مثل بشاعة (صفقة القرن) التي تحاول تجريد الإنسان الفلسطيني من بيته الذي تهدمه إسرائيل، وأشجاره التي تقطعها، ومراهقيه الذين تعتقلهم في محاولة لترويضهم قبل أن يصيروا شباناً.. وقائمة الأذى تطول.. حتى أن ترامب ونتنياهو يحاولان تحويل فلسطين إلى أوشفيتز جديدة بمعنى ما…

وفوق ذلك، يحاول أن يحرم الصهيونيُّ الفلسطينيَّ الإنسان (الذي أرغموه على الهجرة) من «حق العودة».. ويخترعون أسطورة حول حق عودة اليهود إلى إسرائيل بعد أكثر من ألف عام، ويحرم الفلسطيني من ذلك بعد أقل من قرن.. إنه عالم يفيض بالكراهية. فلماذا لا يكون للكراهية عدة أعياد (!) بدلاً من عيد الحب؟ ولماذا نضيق ذرعاً (بالكورونا فوبيا) ونحن نعايش كل يوم خوف إسرائيل من حق الفلسطيني في وطنه ربما أكثر من خوفه من كورونا فيروس؟

ملكات الجمال وسوق الجواري

هذا العنوان يعبر عن موقفي من انتخابات ملكة جمال بلد ما، وقد كتبته منذ زمن بعيد في أحد مقالاتي، ونشر في صحيفة دمشقية حتى قبل صدور كتابي الأول (المقال منشور في أحد كتبي). وهكذا فموقفي واضح منذ بداياتي الكتابية ولم أبدله.

والآن، ثمة في فرنسا وسواها من بلدان الغرب من صار يجد في تلك (المباريات) إهانة لإنسانية المرأة. وصارت (النسويات) الفرنسيات يقفن علانية ضد هذا الاستعراض للحوم النسائية، حتى أن إحداهن قالت إن مشهد استعراض المتسابقات في ثياب الاستحمام على شاشات التلفزيونات يشبه مشهد اللحوم في واجهة حانوت بائع اللحوم.

وشارك بعض مقدمي البرامج في الهجوم على تلك الاستعراضات، منهم مقدم برامج شهير هو لوران روكيه. ولعل ذلك ما دفع بفرنسا إلى انتخاب ملكة جمالها من أقل المتسابقات جمالاً كليمنس بوتينو، لكنها داكنة السمرة ونصف سوداء البشرة. وهكذا يكون انتخاب ملكة للجمال قد طرح قضية أخرى عامة هي العنصرية، ووقف ضدها. وذلك أفضل، ويذكرني بانتخاب شابة سوداء البشرة كملكة لجمال الكون 2019. ولكن ألا يعني ذلك أن انتخاب ملكات الجمال تجاوزه العصر وتكرهه كثير من النسويات ولا ينظر إليه كثير من الجيل الشاب باحترام، حتى ولو حاول تبرير حضوره برفضه للعنصرية. من طرفي، أجد أن مكافحة العنصرية ممكنة بوسائل أخرى كثيرة غير انتخاب ملكة جمال سوداء البشرة. وببساطة، أظن أن الزمن تجاوز حكاية انتخابات ملكات الجمال. حتى ولو وجدت في «أسود/أبيض» ذريعة لتستمر.



مقالات أخرى للكاتب

  • سأذهب للنزهة فوق قبوركم!
  • الأميرة الغائبة عن لبنان: الكهرباء!
  • راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي