يا عقلاء أوروبا اتحدوا
2023-03-04
سعد العجمي
سعد العجمي

مضى عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، مرت الذكرى السنوية الأولى للحرب بين البلدين الجمعة الماضي، قتل مئات الآلاف من الجانبين، بعض التقديرات المتواضعة تشير إلى مقتل أكثر من ربع مليون بين الجانبين، وتشرد الملايين من سكان أوكرانيا (تقول بعض التقديرات بتشريد 10 ملايين أوكراني)، وتسببت الحرب بخسائر مادية هائلة، ولا تزال الحرب حامية الوطيس، قيادة روسية متعنتة لن تقبل بالتراجع، وقيادة أوكرانية تابعة للغرب تريد الدعم اللامحدود من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لتستمر بالحرب حتى تهزم بوتين وجيشه.

يبرر الغرب الأوروبي الوقوف اللامحدود مع أوكرانيا بحجة أنها تقاتل نيابة عن بقية أوروبا، وبأن الصمود الأوكراني حيوي بالنسبة إلى بقاء وحرية واستقلال بقية أوروبا، بينما يبرر بقية الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، ومعهم اليابان، بأن الدفاع عن أوكرانيا ومساندتها إنما هو دفاع عن مبادئ الحرية والقيم الديمقراطية التي تتمتع بها هذه البلدان.

من جانبها، تبرر روسيا قيامها "بالعملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، كما تسميها، بأنها دفاع عن "روسيا الأم"، مستحضرة التسمية أثناء الحرب "القومية"، أي الحرب العالمية الثانية التي قدمت فيها روسيا (الاتحاد السوفياتي) ما بين 25 إلى 30 مليون ضحية للتصدي للغزو النازي بقيادة هتلر عام 1941.

وتتصاعد الحرب وتتصلب المواقف وتزداد أعداد القتلى والضحايا بين الجانبين ويقترب شبح الحرب العالمية الثالثة التي ستكون مدمرة لهذا الكوكب لو اندلعت.

يشكل العالم الغربي (أوروبا وأستراليا وأميركا وكندا) ومعه روسيا، معظم مساحة اليابسة بالكرة الأرضية، لكنهم لا يشكلون سوى مليار ونصف المليار تقريباً من سكان الكرة الأرضية البالغ عددهم 8 مليارات، وهم بذلك بحجم سكان بلد واحد مثل الهند، والقصد هنا أن بقية العالم الذي لا ناقة ولا جمل له بهذه الحرب، على رغم أضرارها على الاقتصاد العالمي، قد تكون ضحية حرب نووية يقوم بها المتقاتلون ومساندوهم في أوكرانيا وروسيا من دون أن يكون لبقية دول العالم دور في إشعالها أو استمرارها. ومن هنا فإن بقية البشر على هذا الكوكب تستصرخ العقلاء من أحفاد ستالين وهتلر وديغول وموسوليني وتشرشل وترومان ألا يجروا هذا العالم نحو النهاية بسبب التعنت والغباء والطموح وجنون العظمة وحب السلطة والسيطرة. أعرف كثيراً من الأوروبيين والأميركيين الذين تجمعني بهم لقاءات أكاديمية ونقاشية وبحثية، ويحزنني بل يؤسفني أن لغة السلام والتفكير بالحل السلمي للحرب بين روسيا وأوكرانيا، ليست حديث القرية بالنسبة إليهم، وإن الواحد ليقف مستغرباً من هذه الشعوب التي ذاقت ويلات الدمار العالمي بشكل لم تشهده البشرية في تاريخها أثناء الحرب العالمية الثانية التي وضعت أوزارها بالأمس القريب، فما هي إلا 75 عاماً مضت على نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي مدة زمنية قصيرة في عمر الشعوب والأمم. ومن المؤكد أن من عايشوا ذلك الحريق الهائل الذي اجتاح العالم، واحترقت أوروبا كلها تقريباً بسببه، قد سردوا لأحفادهم الذين يعيشون اليوم في أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا وروسيا واليابان قصص الفناء والدمار التي يشيب لها الولدان، 60 مليون قتيل ومئات ملايين الجرحى و50 مليون مشرد ولاجئ في أوروبا وحدها، وقنبلتان نوويتان على اليابان، ناهيك عن دمار مدن، بل دول بأكملها، كانت حصيلة الحرب العالمية الثانية.

وإن الواحد ليتساءل، أين دروس تلك المحرقة المدمرة؟ ماذا تعلمتم من ذلك الخراب العظيم؟ هل تدركون أن الحرب النووية مثلما الحروب في الماضي الغابر والحاضر الآني "أولها كلام"؟ وأن التهديد باستخدام السلاح النووي قد كررته موسكو التي لن يقبل جيشها بالهزيمة ولو هدم المعبد على من فيه؟ أين حركات السلام الغربية التي اجتاحت أوروبا وأميركا في الستينيات ضد الحرب الفيتنامية؟ ما الذي جرى لينسى شباب أوروبا اليوم مسيرات وتظاهرات السلام وأناشيد "كل اللي نقوله، أعطوا فرصة للسلام" ALL WE ARE SAYING, GIVE PEACE A CHANCE.

يا عقلاء أوروبا ويا عقلاء العالم، اتحدوا من أجل السلام!

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • رفح ورفحاء
  • الرحيل أمتارا!
  • قطارات ومحطات





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي