طمس كلمة "أُبيدوا".. أرشيف النكبة بـ"الخطأ": "سنجبر العرب على الهجرة بكل الوسائل"
2023-03-03
كتابات عبرية
كتابات عبرية

خطأ فني لأرشيف الدولة وفر لنا إطلالة نادرة على الجهاز الموجود خلف الرقابة على وثائق تاريخية، ويكشف جوانب عنصرية، مميزة، فاسدة وغير أخلاقية في نشاطات الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل على عرب البلاد بين حرب الاستقلال والعام 1966.

مؤخراً، نشر الأرشيف في موقعه نحو 200 صفحة من البروتوكولات التي توثق نقاشات اللجنة الوزارية لشؤون الحكم العسكري، التي عملت في أواخر الخمسينيات. إلى جانب المادة التاريخية، نُشر في الموقع أيضاً بالخطأ عدد من الصفحات من العام 2021، التي يأمر فيها موظف في مكتب رئيس الحكومة، الذي يخضع له الأرشيف، أعضاء الأرشيف؛ أي المقاطع التي يجب إخفاؤها. لم يخف الأرشيف في النهاية هذه الوثائق، ولكنه أبقى تعليمات الرقابة داخلها.

كشف عن المادة بناء على طلب من معهد عكفوت للتحقيق في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين الذي نشر في موقع الإنترنت الخاص به مئات وثائق الأرشيف المرتبطة بنشاطات الحكم العسكري. وتظهر قراءة الوثائق ما الذي طلب من أرشيف الدولة إخفاءه عن الجمهور. ومثلما في حالات أخرى في أخطاء كهذه، يجسد مدى خفة اليد على زناد الرقابة.

كان يجب أن تشطب المقاطع المذكورة، أحياناً صفحة كاملة وأحياناً فقرة أو كلمة، التي توثق الأسلوب السلبي الذي تعاملت به عناصر الحكم العسكري المختلفة مع مواطني إسرائيل العرب وطرق العمل الإشكالية لها إزاء هؤلاء المواطنين. في الواقع يمكن أن يؤدي كشفها إلى إحراج الدولة ومؤسساتها، ولكنه لا يعرض أمن الدولة للخطر. “لا يوجد للمادة التي تقرر شطبها أي علاقة، ولو علاقة ضئيلة، بأمن الدولة. يمكن أن يقرر القراء ذلك بأنفسهم بواسطة مشاهدة الملفات”، قال آدم راز، الباحث في عكفوت.

من أرشيف الدولة جاء: “فحص الملفات يظهر أن الأمر يتعلق بملفات مرت بفحص آخر، الذي تقرر فيه عدم طمس المقاطع المشار إليها. لم يكن من الواجب مسح تعليمات الطمس ضوئياً، وتم الإبقاء عليها في الملف بالخطأ. هذا الأمر سيتم فحصه لضمان عدم تكراره”.

الأمثلة كثيرة. في إحدى الجلسات في نهاية العام 1958 تحدث المقدم يهوشع فيربن، الحاكم العسكري للمنطقة الشمالية، عن النكبة. تبقى أقواله مؤثرة حتى بعد مرور 75 سنة.

“في 1948 حدثت هنا كارثة للسكان العرب، من ناحيتهم”، قال. “لقد حدثت هنا هزة وعاصفة شديدة في أعقاب حرب الاستقلال، وهرب معظم السكان، أبيدوا، تم فصلهم عن المكان الذي عاشوا فيه لأجيال متتالية”.

من بين هذه الأقوال، طلب من أرشيف الدولة أن يطمس كلمة “أبيدوا”، هكذا حتى لا يكون أي ذكر بأن شخصاً عسكرياً يستخدم كلمة لاذعة جداً لوصف موت عرب البلاد في حرب الاستقلال.

ثمة مقطع واسع طلب من الأرشيف شطبه، تناول سرقة الأراضي من العرب. في البروتوكولات يتم اقتباس الحاكم العسكري لمنطقة المثلث، زلمان ميرت، وهو من أوائل المحاربين في “البلماخ”، الذي أشتهر بأنه هو الذي عالج موشيه ديان بعد إصابته في عينه أثناء اقتحام القوات البريطانية لسوريا ولبنان في 1941 وفي حرب الاستقلال عمل كقائد لكتيبة “موريا” في المعارك في القدس.

في النقاش الذي يدور الحديث عنه، أوضح ميرت بأن تجريد العرب من أراضيهم التي عاشوا فيها قبل الحرب استهدف إخلاء مناطق لصالح مستوطنات يهودية أقيمت لدوافع أمنية في المنطقة التي مرت بها الحدود مع الأردن. وقد فصّل وأوضح الطريقة التي سلبت فيها هذه الأراضي من أصحابها – الإعلان عن منطقة كمنطقة عسكرية مغلقة طبقاً لتعليمات الطوارئ، “من أجل الحفاظ على نفس الاحتياط من الأراضي التي خصصت للاستيطان الأمني”، أي من أجل إقامة المستوطنات اليهودية في أراضيهم.

“يبدو أنه أمر خطير”، قال ميرت. “لكننا عملياً، نستخدم هذه التعليمات ونحرص على تنفيذها بالأساس من أجل الحفاظ على شيئين، أحدهما الحفاظ على احتياطي الأراضي”.

وقدم الحاكم العسكري أمثلة ملموسة أيضاً؛ فقد قال إنه في 1951 طلب من “سكان قرية خربة الحرش العربية مغادرة البيوت والانتقال إلى جلجولية من أجل إخلاء المكان لإقامة “كيبوتس حورشيم”، الذي سمي “استيطاناً أمنياً يهودياً”. في المقابل، انتقل سكان الجلمة إلى باقة الغربية من أجل إخلاء مكان لإقامة “كيبوتس لاهفوت حبيبا”. “لقد قالوا لهؤلاء العرب بأننا مضطرون لإقامة مستوطنة عسكرية في هذا المكان على الحدود”، قال. “إبعادهم عن الأرض والحفاظ على الأرض ومنحها للمستوطنات اليهودية تم من قبل الحكم العسكري. في موازاة ذلك، عن طريق إغلاق هذه المنطقة فقد منعنا العرب، اللاجئين الذين عاشوا في القرى المذكورة، من العودة إلى قراهم”.

وقال الحاكم العسكري، العقيد ميشال شاحم، في إحدى الجلسات عن القرى التي كانت في الأراضي الأردنية وتم ضمها لإسرائيل في اتفاق الهدنة: “قمنا بإخلائها من الحدود من الداخل”، قال عن سكانها. أما بنحاس روزن، وزير العدل، فأشار إلى أنه لا يفهم كيف لا يمكن لأصحاب الأراضي العرب الذين هم مواطنون إسرائيليون، العودة والعيش فيها. “هذا غريب كما يبدو. إن صاحب أو أصحاب الأراضي لا يمكنهم السيطرة على ممتلكاتهم”، قال. رد شاحم وقال: “بخصوص الأملاك، هم غائبون”.

وقال شموئيل ديبون، مستشار الشؤون العربية في مكتب رئيس الحكومة: “الحديث يدور عن أراض هي بصورة قانونية من ممتلكات الدولة”. وصمم روزن: “لكنك قلت بأن هؤلاء الناس في حينه… “وانقطع الحديث.

تركز النقاش على العرب الذي تم إخلاؤهم من بيوتهم من أجل إقامة مستوطنات يهودية في المكان. “قمنا بإخلائهم؟” تساءل الوزير روزن. “هؤلاء قمنا بإخلائهم”، أجاب شاحم. “عن اللاجئين الذين تم إخلاؤهم”، رد روزن: “أقول شيئاً بخصوصهم على الأقل، من المنطقي أنهم يريدون السيطرة على الممتلكات التي هي أملاكهم، ونحن لا نعطي هذه لأسباب أمنية”، حاول التأكد من أنه فهم: “ليس بمعنى أن هؤلاء الناس هم الذين يعرضون الأمن للخطر، بل إذا أردنا تنفيذ استيطان أمني فهذا يعني أن ادعاءنا هو أنه لو لم نفعل ما فعلناه، ألم نكن نستطيع ضمان وجود استيطان أمني؟”.

عندما أجاب شاحم بأن “الادعاء كان مختلفاً”، أصر روزن وقال: “السؤال هو: هل ادعاؤه حقيقي أم لا”. أجاب شاحم: “بخصوص القريتين في المثلث، لم يتم عرض الأمر على المحكمة العليا. بخصوص القرى في الشمال (إقرث وبرعم) كان الادعاء البسيط هو أنهم يريدون العودة إلى قراهم. أولاً، أخلوها بصورة غير قانونية، ثم استندوا إلى قانون المناطق الأمنية (1949)”.

وشهد العرب على ذلك في الجلسات. نعيم أكول، عضو بعثة الجمعية اليهودية – العربية من أجل السلام والمساواة في الحقوق، قال إن “الحاكم العسكري جاء للسكان وهددهم، وقال لهم إذا لم توقعوا على هذا وذاك فسأطردكم. وفي كفر اسميع قال للمختار: إذا لم توقع على هذا فإن ابنتك لن تصبح معلمة”. عندما سئل ما الذي كان على المختار أن يوقع عليه، أجاب: إن هذه الأراضي تعود للحكومة وليس له”. بعد خروجه، قال: وقعتُ على ذلك تحت الضغط. عندما قاموا ببناء “بكيعيم” الجديدة اليهودية، هذا ما حدث أيضاً. وقال الحاكم العسكري: إذا لم تعط الأرض فستُطرد.

ثمة موضوع آخر على الأجندة، وهو تقييد دخول العمال العرب، مواطنين إسرائيليين، إلى المستوطنات اليهودية. وقدم الحاكم العسكري ميرت عدة مبررات لذلك. أولاً، تحدث عن الحاجة إلى “منع إغراق سوق العمل اليهودية بالعمل العربي الرخيص” وعن “منع انتشار عمل حوراني كهذا في القطاع اليهودي”. هكذا فسر ذلك: “فرض علينا التأكد من أن نفس أماكن العمل التي خصصت للمهاجرين الجدد والعمال اليهود سيتم الحفاظ عليها للعمال اليهود، وأن العمال العرب لن يمنعوا المهاجرين الجدد أو العمل اليهودي من كسب الرزق من هذه الأعمال… من مهمتنا أن نمنع سيطرة عرب المثلث على سوق العمل”.

اعترف ميرت بأن عمل العمال العرب ليس أرخص فحسب، بل وأفضل من عمل اليهود. “كل عامل عربي من المثلث يمكن أن يعطي ناتجاً أكبر من المهاجر الجديد من أي دولة من دول الشرق والدول الأوروبية على حد سواء. هو متعود أكثر، تعود على الظروف والمناخ وتعود أيضاً على العمل. من جهة أخرى، العامل العربي غير ملزم بالضرائب والدفعات الأخرى الموجودة بخصوص العامل اليهودي – ظروف اجتماعية، تأمين وما شابه – كل ذلك معاً يسبب أن هناك طلباً كبيراً على عمل عرب المثلث”. وقال أيضاً: “لا نعتبر ذلك خطوة غير إنسانية أو غير عادلة أو أحادية الجانب”.

وقدم الحاكم العسكري أيضاً مبرراً أمنياً لعدم إعطاء تصاريح العمل للمواطنين العرب، والخوف من وجودهم قرب مواقع عسكرية، الموجودة قرب مستوطنات يهودية. “حركة العرب غير المراقبة والحرة والفوضوية غير مرغوب فيها”. وتحدث عن “كيبوتس رمات دافيد” وقال إن بقربه مطاراً. أجزاء من المقطع القادم كان يجب أن تكون مشطوبة: “مرغوب فيه بأن لا يكون في محيطه القريب عرب، سواء كانوا عرباً جيدين أم سيئين، أي عرب، لأننا لا نثق بهم تماماً، حتى لو تعلموا في “كيبوتس سريد” أو في أراضي الكيبوتس القطري، فعلينا تقييد حركتهم في المحيط اليهودي. ولنا على هذه الخلفية الكثير من المحادثات غير اللطيفة”.

قدم ميرت أيضاً معلومات مهمة عن الطريقة التي يجند فيها الحكم العسكري العملاء والمتعاونين من أوساط المواطنين العرب. لقد اعتبرهم “عاملاً مساعداً للجهات الحكومية، لا سيما للجهات الأمنية، مثل التجسس وتقديم الأخبار وما شابه”. حسب قوله “نعطي لهؤلاء الأشخاص كل الدعم، وأنا مستعد للاعتراف بأننا نعطي أكثر. نعطيهم أفضليات”.

أعترف أيضاً بأن إسرائيل تغض النظر عن نشاطات جنائية تورط فيها بعضهم مقابل التعاون معها. “نعرف أنه إضافة إلى ذلك، يعملون في قضايا ليست تماماً لصالح الجيش. يهرّبون بضائع وأخباراً، ويعملون أيضاً في قضايا أمنية تخصنا”، قال.

بعد ذلك، فسر كيف أن الحكم العسكري يحمي هؤلاء العملاء إذا ما تورطوا مع سلطات القانون بسبب نشاطاتهم الجنائية.

نقدم لهم الدعم في حالة عملوا في قضايا أمنية. وإذا اعتقلتهم الشرطة، نقدم في صالحهم كلمة جيدة ونخرجهم من السجن قبل سنة أو نصف سنة قبل انتهاء حكمهم.

الأرشيف طلب منه أيضاً شطب شهادة خميس عن محادثة تحدث فيها مع حاكم عسكري عن منع استغلال المزارعين العرب. الأخير الذي اعتقد بالخطأ أن خميس يهودي، أجاب: “هل جئت للدفاع عنهم؟ نحن معنيون بأن يكونوا أكثر فقراً، وبسبب ذلك سيتركون البلاد”. وقول خميس بأن الحاكم العسكري يستخدم العامل الأمني كذريعة لتحقيق أهداف سياسية وغيرها، وحسب كلامه حرفياً “هذا ليس موضوعاً أمنياً، وهم يستخدمون هذا الاسم المقدس، الأمن، لأغراض أخرى كان يجب أن تكون مخفية”.

الخطأ التقني لأرشيف الدولة سمح برؤية الشخص الذي طلب شطب المادة، وهو شخص عمل عشرات السنين في مكتب رئيس الحكومة. وحقيقة أن موظفاً عاماً قد قرر منع الجمهور من معرفة تاريخه، تعد تحدياً حقيقياً للديمقراطية.

بقلم: عوفر اديرت

هآرتس 3/3/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • هل تؤتي ثقافة المافيا التي اتبعتها إدارة ترامب ثمارها في الشرق الأوسط؟
  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟








  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي