
اللقاء الذي جرى أول أمس في العقبة والذي شارك فيه، بعد سنوات، ممثلون عن إسرائيل ومصر والأردن والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، اعتبر لقاء أمنياً وليس لقاء سياسياً، كان هدفه فحص طرق للتعاون من أجل وقف التدهور الأمني في الضفة والقطاع. يبدو أن الحديث يدور عن اجتماع لذوي مصالح يرومون هدفاً مشتركاً، ليس فقط منع الاشتعال في “المناطق” [الضفة الغربية]، بل ووقف انتشاره إلى الدول المجاورة.
في الأيام العادية، قبل ثلاثة أشهر، جرت هذه النقاشات بشكل ثنائي؛ فإسرائيل تناقشت مع مصر في الشؤون المتعلقة بقطاع غزة وإعادة إعماره وحول عملية تبادل بين السجناء الفلسطينيين والجثث والمخطوفين الإسرائيليين؛ وثمة نقاشات حول الحرم تعلقت مع الأردن؛ أما النقاشات مع السلطة الفلسطينية، في حالة إجراء نقاشات كهذه، فتناولت التنسيق والتعاون الأمني.
لكن بعد بداية ولاية حكومة بنيامين نتنياهو وتوزيع الوظائف الرئيسية على ممثلي اليهودية المتطرفة والتصريحات المثيرة عن شرعنة التسع بؤر وبناء آلاف الوحدات السكنية ونقل جزء من صلاحيات الحكم في “المناطق” من الجيش إلى وزراء ومسؤولين مدنيين، كان من الواضح أن الحوار الأمني الثنائي بين إسرائيل وكل جارة من جيرانها على حدة لن يكون كافياً. التهديد السياسي – السياساتي لشبكة العلاقات الهشة أصلاً بين إسرائيل والأردن، دفعت رئيس الحكومة لزيارة عمان بشكل مستعجل والتعهد بعدم تغيير مكانة الأردن في الحرم.
مع ذلك، لم تهدئ زيارة نتنياهو الشكوك. جهود إسرائيل لتأطير شبكة العلاقات هذه في سياق الحرم تتجاهل أن أي تطور عنيف في “المناطق”، سواء في جنين أو في جنوب جبل الخليل، لا تؤدي إلا إلى تقلبات هزات في المملكة. الطريقة أصبحت معروفة في الأردن. في البداية، المظاهرات تحمل شعارات ضد الاحتلال الإسرائيلي وتحظى بالشرعية على الفور. ثم تتحول المظاهرات للتركيز على العجز الاقتصادي للحكومة في محاولتها لمواجهة البطالة والفقر، وبالطبع ضد الملك نفسه.
التأثير الذي للأردن على إسرائيل وقدرته على التأثير على السياسة في الضفة الغربية، محدود. الأردن ليس الإمارات التي أعطت لنتنياهو هدية كبيرة على شكل اتفاق السلام والاتفاقات التجارية بالمليارات. ولا تعتبر عمان شريكة محتملة في المعركة ضد إيران. لذا، فإن الأردن بحاجة إلى حزام أمان عربي أوسع كي يستطيع الدفاع عن نفسه من التهديد من الغرب.
في الوقت نفسه، تحدثت شخصيات مصرية رفيعة، مع وسائل إعلام عربية، قالت إن النظام في القاهرة لا يثق بنتنياهو، ويعتقد أنه لا يمكنه تنفيذ كل الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين الدولتين. تخشى مصر أن حكومة نتنياهو لن تسمح لها بلعب الدور الثابت كوسيطة أمام حماس، وستقلص حجم التجارة بين إسرائيل وغزة، وستشعل السجون، الأمر الذي سيتسبب بتمرد السجناء. خوف مصر الأساسي هو أن تدفع الحكومة حماس والجهاد الإسلامي إلى الزاوية، وتصعب على الحكومة في القاهرة مساعدتهم. مع أنها لم تدع نتنياهو لزيارة رسمية حتى الآن، تدير مصر العلاقات مع إسرائيل من خلال كبار الضباط في الجيش و”الشاباك”، وحتى إنها تشتكي من عدم حصولها على أجوبة متواصلة من المستوى السياسي.
الولايات المتحدة، التي تمسك بيدها رافعة الضغط السياسية والاقتصادية والأمنية الأكثر أهمية، أسمعت إدانات ودعوات تحذير تجاه خطط الانقلاب النظامي، لكنها تعرضت أيضاً للانتقاد من معظم وزراء الحكومة بأن هذه التصريحات تعدّ تدخلاً وقحاً في شؤون إسرائيل الداخلية. تحذر واشنطن في هذه الأثناء من التصادم مع الحكومة في ساحة المعركة التي تعتبر “قيماً مشتركة” للدولتين. وهي في هذه الأثناء تكتفي برسم خطوط حمراء في موضوع المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وكأنه لا علاقة بين جنون العظمة القانوني والإداري للحكومة، والاستعراضات التي تحدث في الضفة. هذا الموقف المتراخي يضع الولايات المتحدة في الخندق نفسه مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والإمارات والسعودية، التي لم تتأثر ولم تنفعل من أن طريقة الحكم في إسرائيل أصبحت تشبه أكثر الدارج لديها، شريطة ألا يكون لذلك تأثير على الفتيل الذي بدأ في الضفة والقدس، وألا يمتد إلى عواصمهم.
هنا تكمن أهمية اللقاء في العقبة. اللاعبون الرئيسيون في هذا اللقاء هم رؤساء أجهزة المخابرات في الأردن وإسرائيل ومصر. واللاعبون الثانويون هي الجهات السياسية التي شاركت فيه. الافتراض الرئيسي الذي ارتكز عليه اللقاء هو أن رؤساء أجهزة المخابرات في الدول الثلاث وفي السلطة الفلسطينية يمكنهم التعاون بشكل ناجع وودي أكثر من المستويات السياسية. لهذا الافتراض أساس على الأرض – العلاقات التي يقيمها “الشاباك” مع نظرائه في السلطة الفلسطينية والأردن.
الأمر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو الاعتراف الخفي الذي يكمن في عقد اللقاء نفسه، والذي بحسبه لا يمكن معرفة كيفية تصرف المستوى السياسي في إسرائيل ومن يترأسه “جسم مشبوه” الذي حتى الآن، تحت الضغط من داخل الحكومة. من هنا يمكن الاستنتاج بأن المنتدى الذي عقد في العقبة، والذي يتوقع أن يعقد ثانية في شرم الشيخ في آذار، يطمح إلى إيجاد “حزام أمان” يقيد قدرة الحكومة على إشعال المنطقة وإشعال انتفاضة إقليمية.
أمل المبادرين لهذا اللقاء هو أن “الشاباك” ما زال له تأثير كبير على قرارات نتنياهو الأمنية، على الأقل في كل ما يتعلق بإدارة المعركة في “المناطق”. الردود العاصفة التي أسمعها وزير المالية سموتريتش، ووزير الأمن الوطني بن غفير، وغيرهما، على مجرد عقد اللقاء والتصريحات التي خرجت منهم حول عدم الدفع قدماً ببناء مستوطنات في “المناطق”، والنفي من جانب نتنياهو، الذي عرف ووافق على البيان المشترك الذي خرج من اللقاء، تدل على وجود مخاوف لدى الشركاء في الاجتماع وهناك ما تستند إليه. السؤال المطروح الآن هو: هل ستكون جدوى من اجتماع آخر لهذا المنتدى إزاء التطورات العنيفة في الضفة والقدس، وإذا ما كان حزام الأمان هذا قد يلعب دوره ويوقف الانفجار القادم؟
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 28/2/2023