قصة رجلين في حرب: ممثل كوميدي وضابط استخبارات
2022-12-28
رفيق خوري
رفيق خوري

مجلة "تايم" الأميركية اختارت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "شخصية العام". أما عام 2007، فإن خيارها كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هي بررت خيار بوتين بأنه أعاد "الاستقرار" إلى روسيا خلال سبع سنوات من السلطة، ولو "بثمن خطر على حساب المبادئ والمثل في العالم الحر". وبررت خيار زيلينسكي بأنه راهن على الشجاعة في مواجهة غزو دولة كبرى لبلاده. فلو هرب، كما توقع قادة الغرب قبل بوتين وكما فعل الرئيس الأفغاني أشرف غني أمام هجوم "طالبان" والرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش أمام ثورة "الميدان" في كييف وقادة بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا واليونان وبولندا والنرويج ويوغوسلافيا أمام الهجوم النازي، لصارت أوكرانيا ملحقة بالاتحاد الروسي. رجلان مختلفان في النشأة والبيئة والهدف. ممثل كوميدي معجب بالمسرحيات الكوميدية الروسية والمخرج ليونيد غيداي. لعب دور رئيس في مسلسل هزلي على التلفزيون فانتخبه الأوكرانيون رئيساً عام 2019. وضابط استخبارات في "كي جي بي" انهار عالمه حين سقط الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات، فعمل سائق تاكسي في بطرسبورغ قبل أن يسلمه الرئيس يلتسين جهاز الاستخبارات ثم يعينه رئيساً للحكومة ويصبح بعد ذلك سيد الكرملين.

زيلينسكي تبحر في قراءة تاريخ أوكرانيا وسمع من والده الضابط السوفياتي الذي قاتل ضد الغزو الألماني، قصص المقاومة الأوكرانية، ومن جدته قصة الجنود السوفيات الذين صادروا القمح والطحين بأوامر من ستالين في ثلاثينيات القرن الماضي، بحيث مات 3 ملايين أوكراني من الجوع. قرأ كثيراً عن تشرشل وصموده في الحرب، لكنه لم يعجب به لأنه "إمبريالي". وكان جورج أورويل وتشارلي شابلن محطي إعجابه. وبوتين المولع بالتاريخ أراد استعادة تاريخ روسيا القيصرية والسوفياتية واخترع، كما تقول المؤرخة آنا ريد، "أسطورة عن أوكرانيا وأراد بالقوة العسكرية أن يجعل الواقع مثل الأسطورة". زيلينسكي لم يخدم في الجيش ولا كانت الأمور العسكرية محل اهتمامه. وبوتين ضابط الاستخبارات "لم يشارك في معركة قط ولم يخض حرباً أبداً ولا عرف ما هو الجيش"، كما يقول الجندي المظلي الروسي بافيل فيلاتيف الذي شارك في حرب أوكرانيا في كتاب تحت عنوان "زوف". لكن المواجهة كبيرة بينهما في حرب بكل أنواع الأسلحة.

زيلينسكي ترك للعسكر إدارة المعارك، وبدأ هو معركة بسلاح بسيط: جهاز "آيفون" يخاطب به الداخل والخارج يومياً، بحيث جعل أوكرانيا حاضرة في كل مكان على أساس أن "الانتباه هو أهم عملة في عصر الديجيتال". انطلق من القول إن حرب بلاده ضد الغزو الروسي هي حرب الدفاع عن"الديمقراطية والأمن العالمي". وتدفق عليه السلاح والمال من الغرب الأميركي والأوروبي. وبوتين الذي قرر الغزو لضم أوكرانيا واستعادة الدور الكبير لروسيا على قمة العالم، أخطأ في الحسابات تجاه قوة الجيش الروسي و"ضعف" الجيش الأوكراني وانقسام الغرب ولا مبالاته. والنتيجة: انكشاف نقاط الضعف لدى الجيش الروسي وظهور نقاط القوة لدى الجيش الأوكراني وتماسك الغرب. أكثر من ذلك، فإن بوتين قاد روسيا إلى شبه عزلة دولية، من حيث أراد لها أن تكون الشريك القوي في نظام عالمي متعدد الأقطاب. وعلى العكس، فإن صمود زيلينسكي وشعبه رفعا مكانة أوكرانيا في العالم وكرسا موقعها الجيوسياسي في أوروبا. لكن زيلينسكي يدرك أن روسيا كقوة كبرى نووية "لا تزال قادرة على إعادة تجميع قواتها ومعاودة الهجوم". وهو يستعد لذلك كما يستعد بوتين المصر على تسمية حربه الكبيرة "عملية عسكرية خاصة" بحيث يعاقب كل روسي يسميها حرباً بالسجن 15 عاماً.

حين اخترق 100 ألف جندي روسي حدود أوكرانيا وأنزلت طائرات النقل آلاف الجنود في مطار كييف للاستيلاء على العاصمة، فاجأ زيلينسكي مساعديه بالأوامر الأولى التي أعطاها: "لا رحمة، استخدموا كل الأسلحة". وهنا تبدل الانطباع حيال الرجل الذي بدا من الوزن الخفيف فكان شديد الصلابة. ولن تتبدل الصورة ولو ربح بوتين الحرب.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • صراع غير متكافئ على روح لبنان
  • "الربيع العربي".. ما قبل وما بعد    
  • زمن الذكاء الاصطناعي: خطورة وحش آلي





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي