حكومة لبيد أمام سؤال حماس "هل تنتظرون منا لجم المقاومة في غزة"؟
2022-08-08
كتابات عبرية
كتابات عبرية

جهود الوساطة الدولية في محاولة للتوصل وبسرعة إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، حظيت أمس بتسريع كبير، كان المبرر الأولي لذلك الحاجة إلى وقف إطلاق نار إنساني: في محطة الطاقة بغزة كان هناك نقص في السولار، الذي كان من شأنه أن يصل إلى القطاع من إسرائيل. في ظل غيابه، يتشوش تزويد الكهرباء في القطاع، ما قد يمس بأداء المستشفيات بشكل كبير ويؤثر بصورة سيئة على علاج مئات المصابين من هجمات سلاح الجو.

ولكن من المحادثات حول إدخال السولار خلال توقف لتبادل إطلاق النار، توصل الطرفان بسرعة إلى محادثات حول وقف فوري لإطلاق النار. وقالت مصادر مصرية إن وقف إطلاق النار هذا سيدخل إلى حيز التنفيذ ليلاً. وأعلن الجهاد الإسلامي رسمياً بأن الأمر سيكون في الساعة 11:30 ليلاً. وأكدت مصادر سياسية وأمنية في إسرائيل هذه الأقوال، وظهرت إسرائيل أمس متفائلة نسبياً. قد يحدث هذا، قالت. ولكن في الساعة العاشرة مساء، مثلما اعتادت التنظيمات الفلسطينية على الأغلب في ظروف كهذه، أطلق الجهاد صلية ثقيلة نسبياً نحو جنوب البلاد و”غوش دان” بهدف غرس نوع من رواية انتصار للمقاومة.

كالعادة، ظهرت مشكلات اللحظة الأخيرة؛ فقد طلب الجهاد ضمانات لأمن المعتقلين المسجونين في إسرائيل. وعد المصريون بأن تكون الأمور على ما يرام، شريطة أن يتعهدوا بالهدوء. كان التوجه الظاهر هو وقف لإطلاق النار، لكن الأمور قد تستغرق وقتاً معيناً إلى حين وقف إطلاق النار المطلق. إن الضربات التي تلقاها الجهاد، التي سببت قتل اثنين من قادته في القطاع، تعقد المحادثات قليلاً. أولاً، يصعب عليه إنهاء القتال بدون أي إنجاز عسكري أمام إسرائيل. ثانياً، أصبحت عملية اتخاذ القرارات معقدة في الوقت الذي يوجد فيه جزء من القيادة السياسية في الخارج (على الأغلب في سوريا، وفي هذه الأثناء في إيران)، وجزء منها في القطاع.

طوال أيام القتال الثلاثة، جلست حماس جانباً. ومثلما في عملية “الحزام الأسود” في تشرين الثاني 2019 فإن إسرائيل تركز النار على الجهاد، وحماس لا تتدخل في القتال. كان الخوف في إسرائيل أنه كلما طالت المواجهة العسكرية ورافقتها إصابات للمدنيين الفلسطينيين، فإن ذلك يصعب على حماس الحفاظ على ضبط النفس. لقد حصلنا على مثال على ذلك السبت، بعد الإبلاغ عن موت أربعة أطفال وفتى فلسطيني في مخيم جباليا للاجئين في شمال القطاع. المشاهد القاسية أشعلت النفوس لفترة قصيرة، لكن كان يمكن لإسرائيل أمامها أن تثبت استناداً إلى الصور بأن الانفجار لم يكن نتيجة هجوم لسلاح الجو، بل نتيجة خلل في إطلاق صاروخ فلسطيني سقط بالخطأ على بيت في المخيم. المتحدث بلسان الجيش، بشكل استثنائي، يواصل نشر أفلام تم فيها توثيق قرارات لسلاح الجو بعدم مهاجمة بيوت في القطاع، لأنه تم تشخيص مدنيين قربها. الرسالة واضحة: إسرائيل تبذل جهوداً خاصة من أجل تجنب المس بغير المشاركين.

طوال نهاية الأسبوع، اتسع الاتفاق في المستوى السياسي والمستويات المهنية بأنه من الأفضل إنهاء المواجهة بأسرع وقت. تفاجأت إسرائيل قليلاً نحو الأفضل من الإنجازات العملياتية التي سجلتها عندما نجحت في اغتيال اثنين من قادة الذراع العسكري للجهاد، قادة القطاعات في شمال القطاع وجنوبه. وثمة شخصية كبيرة أخرى، وهي رئيس منظومة الصواريخ المضادة للدبابات في الجهاد، قتل هو أيضاً. القدرة على تشخيص مكان كبار قادة الجهاد حتى في حالة هربهم، وأحدهم أصيب بعد يوم على بدء القتال، تدل على تنسيق مهني بمستوى عال بين الشاباك والاستخبارات العسكرية وسلاح الجو وقيادة المنطقة الجنوبية. أما في الجانب الدفاعي فإن بطاريات القبة الحديدية وفرت حتى الآن دفاعاً مثيراً للانطباع ضد أكثر من ألف صاروخ أطلقت من القطاع.

كل ذلك بالطبع يعكس نجاحاً تكتيكياً وليس استراتيجياً. وكان يمكن أن ينتهي تسلسل النجاح مرة واحدة، سواء بسبب نجاح فلسطيني في ضرب الجبهة الداخلية أو عملية قرب الجدار في القطاع أو خلل في هجوم إسرائيلي يقود إلى المس بأبرياء ويحول موقف المجتمع الدولي ضد إسرائيل. حتى الآن، يتركز الإعلام العالمي على ما يحدث في أوكرانيا وتايوان، ويظهر لامبالاة تجاه جولة القتال الدورية في القطاع.

بقي في الخلفية مناطق أخرى مهيأة كما يبدو للاضطرابات: القدس، والضفة الغربية، والمدن المختلطة داخل الخط الأخضر. أما الجهود الاستفزازية لعضو الكنيست ايتمار بن غفير وأمثاله فلم تنجح. في ظل حماية متشددة للشرطة تم الحفاظ على الهدوء النسبي في الحرم حتى أثناء زيارة 2000 يهودي هناك أمس.

لم تتوقع إسرائيل رداً شديداً للجهاد الإسلامي على اعتقال زعيم الجهاد في جنين، الشيخ بسام السعدي، قبل أسبوع. كان التفكير كما يبدو أن شخصاً سبق اعتقاله على الأقل ست مرات في السابق لن يثير عاصفة كبيرة في المرة السابعة. هذا التنبؤ تشوش كما هو معروف، وتبين أن التنسيق المسبق بين قيادة المركز التي نفذت الاعتقال وقيادة الجنوب التي تحملت التداعيات، كان يعتريه نقص. بعد الاعتقال، هدد الجهاد الإسلامي بعملية رد من القطاع، وبذلك سرع التصعيد هناك.

لكن منذ ذلك الحين، ظهر تركيز عملياتي في الجانب الإسرائيلي، الذي أثمر عدة إنجازات. مع ذلك، من الجدير بالحكومة وقيادة أجهزة الأمن عدم الإصابة بالدوار. بالملخص، تريد إسرائيل الضغط على حماس لممارسة المزيد من ضبط النفس تجاه نشاطات عسكرية لـ”الجهاد الإسلامي” ضدها في المستقبل. هذا يبدو كهدف قد يكون قابلاً للتحقق، مقارنة مع أقوال الهراءات حول هزيمة حماس مرة واحدة وإلى الأبد. عرض رئيس الحكومة يئير لبيد، هذه الأمور بصورة صريحة على رؤساء المجالس في النقب الذين التقى معهم أمس بعد الظهر. العملية استنفدت نفسها، ونحن نتطلع إلى إنهائها.

لعبة حماس المزدوجة

هناك موضوع لم يتناول هذه المرة، وهو الطلب التقليدي الذي يسمع في أيام العمليات لاحتلال القطاع بواسطة قوة برية. هذا يرتبط كما يبدو بسبب موضوعي – الجهاد منظمة أصغر من حماس بكثير، والمس بقوتها بدرجة كبيرة لا يحتاج إلى عملية برية – ويرتبط أيضاً بصبر الجمهور الإسرائيلي الآخذ في النفاد على تحمل خسائر عسكرية.

مع ذلك، احتمالية القيام بضربة إسرائيلية مسبقة للقطاع، التي ستوجه ضد حماس، طرحت على الأقل مرتين في مدة السنة وربع السنة الأخيرة. في السنة الماضية، بعد عملية “حارس الأسوار”، كان هناك بعض رجال الأمن (من بينهم رئيس الشاباك في حينه نداف ارغمان) اعتقدوا أنه من الأفضل ضرب حماس من أجل وقف بناء قوتها العسكرية في القطاع. في الربيع الماضي، في أعقاب موجة الإرهاب في الضفة التي أدت إلى عمليات صعبة على حدود الخط الأخضر، فحص رئيس الحكومة في حينه، نفتالي بينيت، فكرة القيام بعملية في غزة، لكنه ووجه بمعارضة واضحة من جانب قيادة الجيش الإسرائيلي.

القرار المختلف في هذه المرة نبع من تغير الظروف؛ فقد وجدت إسرائيل نفسها أمام تحد من قبل الجهاد الإسلامي، الذي أدت تهديداته بالانتقام إلى إعلان حظر التجول في بلدات غلاف غزة. وللخروج من الشرك، فقد بادرت إلى نوع من الهرب إلى الأمام، والقيام بعدة هجمات ضد كبار قادة الجهاد وضد خلايا تنفيذية، من خلال الافتراض بأنها لن تتطور لتصبح مواجهة شاملة.

وثمة مسألة أخرى يجب فحصها عند انتهاء العملية بشكل مؤكد، تتعلق بسياسة إسرائيل الشاملة تجاه القطاع، فقد اتخذت حكومة بينيت – لبيد، منذ أشهرها الأولى، مقاربة مختلفة في غزة، ورفعت جزئياً القيود على إدخال بضائع إلى القطاع، وبهذا خففت على تنفيذ مشاريع كبيرة تتعلق بإعادة ترميم البنى التحتية المدنية. وسمحت أيضاً بدخول 14 ألف عامل غزي إلى إسرائيل من أجل العمل، مع وعد بزيادة هذا العدد إلى 20 ألفاً على الأقل، إذا تم الحفاظ على الهدوء. يقف خلف هذه الخطوات افتراض بأن تحسين الوضع الاقتصادي سيقنع حماس باتخاذ ضبط أمني لفترة طويلة ومنع عمليات لتنظيمات أخرى.

هذا التقدير تبدد بدرجة كبيرة في الأسبوع الماضي. استعد “الجهاد” لعملية، أما حماس، رغم توجهات من إسرائيل عبر رجال المخابرات المصرية، فقد أبلغت بأنه لا يمكنها وقفه. تسلسل الأحداث يثير سؤالاً إلى أي درجة كانت تنبؤات المخابرات صحيحة، وما إذا كانت حماس ستلعب لعبة مزدوجة عندما تغمز لـ”الجهاد” وتسمح له أحياناً بالعمل. بهذا، يبدو أن حماس لم تتنازل كلياً عن روح المقاومة العنيفة ضد إسرائيل، واهتمت بأن لا ينظر إليها كعميلة لها.

 

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 8/8/2022

 



مقالات أخرى للكاتب

  • لغانتس "الساذج" وآيزنكوت "المغبون": ساعر حجر نتنياهو الأخير لـ "الإخفاق المطلق"  
  • شلهوب وديمقراطية إسرائيل".. ما معنى أن يعبر "غير اليهودي" عن رأيه في مؤسسة أكاديمية؟    
  • الاستخبارات الإسرائيلية تسائل نفسها: هل قتلنا مروان عيسى؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي