حكومات إسرائيل إزاء إيران.. إنجازات أم سياسة عبث وغموض؟
2022-06-10
كتابات عبرية
كتابات عبرية

تتميز الأشهر الأخيرة بقفزة مقدار درجة في المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران. إسرائيل، وفقاً للمنشورات تشدد الضغط الهجومي رداً على استمرار المحاولات الإيرانية لضرب أهداف إسرائيلية في الخارج ومواصلة تموضعها في الشرق الأوسط، وذلك إلى جانب الطريق المسدود في مفاوضات إيران مع القوى العظمى بالنسبة للاتفاق النووي.

احتمال لتصعيد آخر في السنة القريبة القادمة في المواجهة بين إسرائيل وإيران بات أعلى، لكن بخلاف ما ادعاه رئيس الوزراء نفتالي بينيت هذا الأسبوع بأن إسرائيل غيرت في السنة الأخيرة سياسة عملها ضد إيران، واضح أن جهاز الأمن بكل أذرعه يكيف طريقة العمل (الأكثر هجومية) مع تقويم الوضع المتغير، وعمله لا يشكل تعبيراً عن قرار بتغيير السياسة.

صرح وزير الدفاع بيني غانتس مؤخراً في مؤتمر معهد السياسة والاستراتيجية في جامعة رايخمن، بأن إيران تواصل جمع المعرفة والتجربة في البحث والتطوير والإنتاج وتفعيل أجهزة طرد مركزي متطورة، وهي على مسافة أسابيع قليلة من جمع مادة مشعة تكفي لقنبلة أولى.

وأضاف غانتس بأن إيران تحاول توسيع نفوذها في الشرق الأوسط من خلال تسليح، مساعدة ودعم ميليشيات ومنظمات إرهاب، فيما أن كمية وسائل القتال الاستراتيجية الكفيلة بأن تهدد دولة إسرائيل ازدادت بشكل كبير في اليمن والعراق. وأشار وزير الدفاع إلى أنه رغم الهجمات المنسوبة لإسرائيل في سوريا، فإيران لا تتوقف عن محاولاتها إنتاج بنى تحتية متطورة للنار، والتي ترمي لبناء قدرات لمواجهة واسعة مع إسرائيل.

إن محور النووي ومحور التموضع الإيراني في الشرق الأوسط في قلب الانشغال الأمني والسياسي لإسرائيل، إلى جانب جهد عملياتي مواظب لإحباط عمليات الثأر لـ”فيلق القدس” ضد أهداف إسرائيلية في الخارج. أما الحرب في أوكرانيا والاهتمام الدولي الموجه إلى هناك، فيتركان المسألة الإيرانية بعيدة عن جدول الأعمال الدولي. على مدى سنوات طويلة سجلت إسرائيل نجاحات تكتيكية في الصراع ضد النووي الإيراني مثلما في المعركة التي تخوضها ضد التموضع الإيراني في الشرق الأوسط.

لكن إلى جانب ذلك، ينبغي القول وبصدق إن للنظام الإيراني ساعة رمل خاصة به مثلما له طول نفس لمواصلة ميول وسياقات ثابتة. وذلك بخلاف ظاهر مع كل منطق من زاوية نظر غربية، في ضوء الأثمان الجسيمة التي تدفعها إيران في الضرر الثابت اللاحق باقتصادها تحت عبء العقوبات، مثلما هو أيضاً استثمارها الذي لا ينقطع في وسائل قتالية تنقل إلى الشرق الأوسط، وقسم لا بأس به منها يحترق عقب الهجمات المنسوبة لسلاح الجو.

لكن من هنا بالضبط تنشأ الاستراتيجية الإيرانية، وثمة صعوبة للتصدي لها بوسائل عسكرية فقط. فالقدرات الاستخبارية الاستثنائية لإسرائيل ومستوى التنفيذ المبهر المنسوب لسلاح الجو، التي وجدت تعبيرها في الشهر الأخير في سلسلة هجمات في سوريا تلحق ضرراً كبيراً بالإيرانيين. فوتيرة تموضعهم في المنطقة تباطأت، وقد تعرضوا لضربة بمشاريع محددة مثل مشروع الصواريخ الدقيقة، ونقل منظومات دفاع جوي متطورة تستهدف ضرب حرية عمل سلاح الجو.

رغم هذه جانب الإنجازات، لا يمكن تجاهل أن إيران مصممة على مواصلة العمل، وكلما مر الوقت تعاظمت قدراتها العسكرية. هذا صراع عبثي من ناحية إسرائيل يجري على مدى السنين، فيما تعمل القيادة السياسية وفقاً لتوصيات المستويات المهنية، وفي هذه المسألة لا فرق كبيراً بين نمط عمل هذه الحكومة تحت نفتالي بينيت أو تلك الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو.

أقوال غير مسؤولة

وإذا كان لا بد من تناول رئيسي الوزراء، فقد قال بينيت هذا الأسبوع إن إسرائيل تعمل في السنة الأخيرة ضد رأس الأخطبوط وأذرعه، مثلما كان يجري في الماضي. كان يوده أن يقول عملياً إنه غير سياسة المعركة تجاه إيران منذ تسلمه المنصب.

أثارت أقواله في هذا الموضوع غضباً في جهاز الأمن، بل إن محافل رفيعة المستوى وصفت هذه الأقوال “بغير المسؤولة” على خلفية إخطارات خطيرة جداً بعمليات ثأر إيرانية. أقوال فارغة من المضمون تستهدف جني ربح سياسي.

ووجه انتقاد مشابه في حينه إلى نتنياهو الذي جعل في أثناء جولات الانتخابات سياسة الغموض أكثر جلاء، دون إجراء مداولات استراتيجية مسبقة. شرعي أن تقرر القيادة السياسية تغيير السياسة عقب بحث مرتب، لكن ليس لأي مصدر سلطوي، حتى وإن كان لرئيس وزراء الحق في تغيير أو إخراج سياسة أمنية غامضة لاعتبارات سياسة إلى النور.

هنا المكان لقول ما هو مسلم به؛ فسياسة الغموض التي تتخذها إسرائيل لا تنبع من اعتبارات كتمان السر. فعندما يهاجم سلاح الجو أهدافاً في دمشق، فالعنوان واضح؛ إذ لا يعتقد أي محفل في الشرق الأوسط بأن سلاح الجو البلجيكي هو الذي يقف خلف العملية.

تتخذ إسرائيل طوال سنين خطاً واضحاً، وهو الاكتفاء بهجمات تتحدث عن نفسها، وعدم زق أصابع إضافية في عيون طهران. في السنوات الأخيرة، كان موقف جهاز الأمن بأن إسرائيل، كجزء من قوتها، عليها أن تتحمل مسؤولية كاملة عن الهجمات، فتنقل بذلك رسالة مباشرة إلى الإيرانيين. ولكن قراراً كهذا لم يتخذ قط، ولهذا فإن بينيت ملزم بالسياسة الحالية، حتى لو كانت رائحة الانتخابات تعم الأجواء والورقة الإيرانية تعد مرة أخرى ورقة يمكنها أن تحقق ربحاً سياسياً.

مثلاً، جرت حملة تشهير بأعمال إرهاب للحرس الثوري، على خلفية القرار الذي كاد يتخذ في الولايات المتحدة لإخراج المنظمة من قائمة منظمات الإرهاب. بشكل غير مسبوق، كشف الموساد عملية اختطف فيها على الأرض الإيرانية رجل الحرس الثوري الذي وقف خلف الشبكة لتنفيذ عمليات في تركيا ضد أهداف إسرائيلية، وكذا للمس بجنرال أمريكي رفيع المستوى. لغير الصدفة، وثقت هذه العملية وسجلت بالصوت والصورة، وسرح رجل الحرس الثوري بعد إعطاء الإفادة.

جداول زمنية قصرت

تتميز الفترة الأخيرة باحتدام خط هجومي لإسرائيل تجاه إيران، كما في تصفية الضابط الكبير في “فيلق القدس” على مدخل بيته. على مدى سنوات طويلة، تعزى لإسرائيل تصفيات لعلماء نووي، كجزء من الضرب ومحاولة تشويش البرنامج النووي الإيراني وكبديل عن الهجوم على منشآت النووي.

إن تصفية ضباط كبار من الحرس الثوري هي تطور جديد، جاء كما يمكن الافتراض عقب تقويم للوضع أجراه الموساد. في ضوء محاولات إيران لضرب أهداف إسرائيلية، لا يمكن الاكتفاء بالدفاع وبإحباط العمليات، وبالتالي ثمة حاجة للانتقال إلى الهجوم وإطلاق رسالة عدوانية إلى الطرف الآخر، فإسرائيل تعرف كيف تنفذه بشكل أفضل.

لكن ليس للمهنيين أوهام؛ فالأحداث الأخيرة جزء من مسيرة تتواصل لسنين، ويتعزز فيها ميل تصعيد معتدل بقدر ما لا يحل بشكل سياسي، وسيحتدم في السنوات القادمة.

عندما يدور الحديث عن السياسة وليس كتعبير عن أعمال تنبع من تقويم للوضع الأمني، فقد كان لإسرائيل إزاء موضوع النووي تحت رئيس الوزراء السابق نتنياهو دور مهم في القرار الأمريكي للانسحاب من الاتفاق. وفي اختبار النتيجة، أدى هذا القرار إلى الفشل وإلى الوضع المتقدم الذي توجد فيه إيران اليوم – تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية وتطوير أجهزة طرد مركزي حديثة. وأشارت إسرائيل في الماضي، وعن حق، إلى بنود الاتفاق الإشكالية: ففي 2025 تم إدخال أجهزة طرد مركزي متطورة، وفي 2030 تم إنهاء الاتفاق فيما ينفد مفعول القيود على التخصيب.

في اختبار النتيجة بعد انسحاب الأمريكيين، وفي واقع لا اتفاق فيه، قصر الإيرانيون الجداول الزمنية بسنوات عديدة واستخدموا الخروج الأمريكي من الاتفاق حتى أقصى مدى. يدور الحديث عن فشل استراتيجي مدوٍ لإدارة ترامب ولإسرائيل، وبنيامين نتنياهو أسهم فيه أيضاً.

ثمة أصوات عديدة في الساحة السياسية – الأمنية تعتقد بوجوب تغيير السياسة، وأن التوقيع على اتفاق متجدد هو مصلحة إسرائيلية خصوصاً في واقع بقيت فيه إسرائيل شبه وحيدة وهي تستخدم ظاهراً قوة عسكرية ضد إيران.

اتفاق ما، كما زعم، سيوقف، ولو مؤقتاً، استمرار تقدم إيران في البرنامج النووي، ويسمح لجهاز الأمن بالوقت اللازم للاستعداد بشكل أفضل لإمكانية اقتحام إيراني نحو القنبلة. الخيار العسكري الإسرائيلي للهجوم على منشآت النووي غائب عن الطاولة في هذه اللحظة، وليس واضحاً ما إذا كانت يمكن لإسرائيل أن تتصدر خطوة كهذه بشكل مستقبلي.

بعد أقوال بينيت، قالت مصادر أمنية إنه يجب على إسرائيل أن تتصدر الخط باعتبار إيران مشكلة عالمية، وليست مشكلة خاصة لإسرائيل. أما الأقوال التي صدرت هذا الأسبوع عن رئيس الوزراء فتضعنا في رأس الحربة في المعركة تجاه إيران، وذلك بخلاف تام مع مصلحتنا.

 

بقلم: تل ليف رام

 معاريف 10/6/2022



مقالات أخرى للكاتب

  • هل هناك خط دبلوماسي إيراني - عربي- أمريكي لمنع حرب إقليمية؟  
  • هل كان اغتيال أبناء هنية بمنزلة حكم إعدام على "المحتجزين" لدى حماس؟  
  • بعد نصف سنة من السادية والتعطش للدماء: بلغ السيل الزبى  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي