معاهدة الأمس وتهديدات الغد
2021-12-24
أمير طاهري
أمير طاهري

هل يقف العالم على موعد مع سباق تسلح وشيك يمكن أن يتسبب في نشر أسلحة نووية داخل قرابة 12 دولة في غضون السنوات القليلة القادمة؟

ويعد هذا واحداً من الأسئلة إلى تطارد المؤتمر القادم لمراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كان هذا المؤتمر قد جرى إرجاؤه مرتين من قبل بسبب أزمة جائحة فيروس «كوفيد - 19». ويتوجب عقد هذا المؤتمر مرة واحدة كل 10 سنوات، واليوم تقرر عقده خلال الفترة ما بين 4 و28 يناير (كانون الثاني) المقبل في نيويورك.

إذا تطلعنا إلى الوراء على مدار العقود الخمسة الماضية، أي منذ تدشين المعاهدة في عام 1968، يمكن للمرء أن يلاحظ ثلاث مراحل متميزة في الكيفية التي ينظر بها العالم إلى امتلاك الأسلحة النووية.

خلال المرحلة الأولى، ومع تنامي المشاعر المناهضة للأسلحة النووية في جميع أنحاء العالم، كان هناك أمل كبير في أن تمهد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الطريق للتخلص من هذه الأسلحة تماماً نهاية الأمر. حتى الذين آمنوا بأن وجود الأسلحة النووية وعقيدة «الدمار المتبادل المحقق» يرجع لها الفضل وراء الحيلولة دون اندلاع حرب عالمية ثالثة، خالجهم اعتقاد بأن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية يشكل خطوة عملاقة نحو التخلص من الأسلحة النووية نهاية المطاف.

إلا أن ما حدث على أرض الواقع جاء مختلفاً تماماً.

خلال العقد الأول بعد إبرام المعاهدة، ظهر عدد من القوى النووية الجديدة، من بينها الصين والهند وباكستان و(على نحو غير رسمي) إسرائيل. كما اتخذ ما لا يقل عن 12 دولة أخرى، بينها إيران في عهد الشاه، وجنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري، والأرجنتين في ظل المجلس العسكري، خطوات عملاقة نحو ما يُعرف باسم «حالة العتبة»، أي دولة لديها القدرة العلمية والوسائل التقنية والصناعية لصنع أسلحة نووية، لكنها تتوقف على بعد خطوات قليلة من صنع الأسلحة النووية وتخزينها.

خلال هذه الفترة، انضمت فرنسا، التي لم توقع المعاهدة في البداية، إليها... لكنها واصلت تحديث وتوسيع ترسانتها النووية. كما واصلت فرنسا مساعدة إسرائيل في بناء قدراتها النووية، بينما وضعت العراق، في ظل نظام صدام حسين البعثي، على الخطوة الأولى في السلم النووي.

أما المرحلة الثانية، فشهدت سلسلة من اتفاقيات تقليص الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ظهر في المقابل أمامها قرار الصين إسراع وتيرة تعزيز ترسانتها النووية، بينما حطمت كوريا الشمالية بوابة النادي النووي الحصري وأصبحت دولة نووية.

وأخيراً، تزامنت المرحلة الثالثة مع نهاية الحرب الباردة، وتنامت الآمال من جديد في وضع نهاية للترسانات النووية، بينما مضت جميع القوى النووية الخمس المعترف بها رسمياً بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا، في تعزيز ترساناتهم النووية. كما جرى ضبط ألمانيا الفيدرالية، التي لم تكن قط قوة نووية، متلبسة بمحاولة بناء قدرة «عتبة نووية»، بينما واجه الحظر الذي فرضته اليابان على نفسها بعدم بناء قوة نووية، معارضة متزايدة.

وبعد ما يقرب من نصف قرن بعد إطلاق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، أصبح اليوم من الصعب حتى على أشد المعجبين المتحمسين للمعاهدة وصفها بالناجحة. كان من المفترض أن تَحول معاهدة حظر الانتشار النووي، كما يوحي اسمها، دون ظهور دول جديدة مسلحة نووياً. بيد أن هذا لم يحدث، وإنما نجد أنه على أرض الواقع تضاعف تقريباً عدد الدول التي تملك ترسانات نووية، ومنها الصين الشيوعية.

ولم تفلح جهود الحد من انتشار الأسلحة النووية؛ لأن قوتين نوويتين معترفاً بهما، فرنسا والصين، رافقتا آخرين في طريقهم لبناء القنبلة النووية. وعلى مستوى أدنى، ساعدت كل من كوريا الشمالية وباكستان، إيران على إحياء المشروع النووي المحتضر. وكان بناء «منشأة أبحاث نووية داخل سوريا من جانب كوريا الشمالية» حالة واضحة من حالات الانتشار النووي.

ومع ذلك، فإن حظر الانتشار النووي ليس سوى أحد الأهداف المعلنة لمعاهدة حظر الانتشار النووي.

تمثل هدف آخر في نزع الأسلحة النووية. على هذا الصعيد كذلك، أخفقت المعاهدة. إذ من الناحية النظرية، قلصت كل من الولايات المتحدة وروسيا عدد الرؤوس الحربية النووية والصواريخ اللازمة لحملها إلى الأهداف المطلوبة لديهما.

إلا أنه على أرض الواقع، جرى تطوير أجيال عدة جديدة من الرؤوس الحربية والصواريخ النووية لمنح «القوتين العظميين» الأصليتين قدرة تدميرية أكبر بكثير.

من ناحيتهم، يحتج أولئك الذين يبشرون «بالحق في تطوير أسلحة نووية» داخل العديد من الدول، بحقيقة أنه لم يحدث نزع حقيقي للأسلحة النووية، كمبرر لصالح تحويل الموارد الوطنية إلى مشروعات بناء قنابل نووية باهظة.

الملاحظ كذلك، أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أخفقت على صُعد أخرى تتعلق بطموحاتها المعلنة. ومن المفترض أنها تتولى تنظيم خطط لتقليص المخاطر وتعزيز الأمن فيما يتعلق بالدول غير النووية.

كما تحمل المعاهدة وعداً بأن الدول النووية الراسخة ستشارك بحرية ومنهجية في التقدم العلمي والتكنولوجي المرتبط بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية مع الدول غير النووية. ومع ذلك، لم يذهب أي من هؤلاء إلى ما هو أبعد من التصريحات الخطابية وبعض الإيماءات المسرحية.

من ناحيتها، وجهت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ضربة قاسية إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية من خلال تقويض سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الوكالة التابعة للأمم المتحدة المعنية بمراقبة تنفيذ المعاهدة.

واللافت، أن إدارة أوباما نقلت ملف المشروع النووي الإيراني بعيداً عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأنشأت هيئة غير رسمية، عُرفت باسم 5 + 1، في إشارة إلى الدول الخمسة التي تحظى داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، لبدء «حوار» مع ملالي طهران خارج إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وبذلك، جرى اختصار دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التفتيش والمراقبة الذي تحدد صيغته مجموعة 5 +1 وإيران. وتنص خطة العمل الشاملة المشتركة المزعومة بوضوح على أن هذا الدور مصمم خصيصاً لإيران ولن تنطبق على أي دولة أخرى.

ومع ذلك، جرى بذلك إقرار سابقة لتجاوز معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال تكليف مجموعة من الدول التي لم تنشئ وضعاً قانونياً رسمياً وتظاهرت باستبدال الأمم المتحدة تماماً.

وعلى صعيد مختلف، قوضت إدارة الرئيس دونالد ترمب هي الأخرى معاهدة حظر الانتشار النووي والوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال تقاربها الدبلوماسي مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وبذلك تفوق ترمب على أوباما في التعامل مع بيونغ يانغ.

وربما يوفر اليوبيل الذهبي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، الذي جرى إرجاء عقده مرتين، فرصة للتفكير الجاد في إخفاقات المعاهدة وسبل إعادة صياغتها كأداة فعالة لوقف انتشار الأسلحة النووية والإسراع في تفكيك الترسانات النووية، والتي تشكل تهديداً خطيراً لكوكب الأرض، لا يقل عن التغييرات المناخية.

وربما ندخل اليوم مرحلة التقليل من خطورة الأسلحة النووية؛ الأمر الذي لن تتمكن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في شكلها الحالي من التعامل معه.

في الشهر المقبل، وبمجرد الانتهاء من احتفالات أعياد الميلاد، يجب أن يبدأ العمل الجاد في مراجعة المعاهدة التي صممت لتلبية احتياجات الأمس، ويبدو واضحاً أنها غير مناسبة للتعامل مع التهديدات التي تلوح في أفق المستقبل.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس 

الشرق الاوسط



مقالات أخرى للكاتب

  • فرنسا: نحو عام من الضباب؟
  • هجوم موسكو الإرهابي: هل أوكرانيا مسؤولة؟
  • أوكرانيا والعواقب غير المقصودة






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي