2022... كل سنة وأنتم طيبون
2021-12-24
أحمد الفيتوري
أحمد الفيتوري

كتب لي رسالة بالبريد، صديقي الطبيب الشاعر محمد قصيبات، الذي يعيش في كندا. ولما كان قليلاً أن تصلني رسالة أصلاً، فتحتها بفرح عند صندوق البريد. ما أذكره أنني فوجئت بكتابة جملة بالخط العريض، حجمها ربع الورقة A4: "أنا ليبي". وكتب لتفسير جملته: للمرة الأولى يا أحمد، أفرح حين أدعى من جيراني بالليبي، لقد غدوت الجار الليبي الشهير، عقب عاصفة من الدرجة الحمراء ضربت مونتريال، فأسقطت آلافاً مؤلفة من الأشجار.

طبعاً، يا أحمد، أنقطعت الكهرباء، وبعد ساعة أو أقل دق باب بيتي، وتعاقب الجيران على ذلك. ما أذهلني أنهم مدهشون من الإضاءة في البيت. وحين دخولهم يذهلهم الدفء أيضاً. كانوا يستغربون ذلك. وجعلوني ليس أستاذاً في الطب فحسب، بل في أمور أخرى مثل الضوء. عقب انقطاع الكهرباء، لم أفعل شيئاً وزوجتي، سوى أننا تصرفنا كليبيين، أخرجنا زجاجة الزيت، وجلبنا صحوناً، وضعنا شيئاً من الزيت في صحن، ثم قطعة قطن كفتيلة وأشعلناها. ولما أكملنا القطن، استخدمنا مناديل الورق. وفي اليوم الثاني، وقد كان بيتنا في الريف، علمنا جيراننا المزارعين حلب أبقارهم التي كانت تُحلب بآلة كهربائية.

"أوميكرون"، المتحورة التي جعلت 2021 تشبه أختها 2020، ذكرتني برسالة الصديق، إذ تنبهت إلى أن البشرية خلاقة، وأن بيانها في مثل هذه الحالة: رب ضارة نافعة. وقد تحققت من ذلك عبر رحلة في الإنترنت. فقد وجدت كيف أن لدى البشر مقدرة خارقة على التكيف، وأنهم سرعان ما يعودون إلى تراثهم، ويستحثون خيالهم، فيكون الصعب عليهم ساعة الاسترخاء والأمان، سهلاً عند المحنة، بالتالي يستحدثون وسائل للمواجهة، فيحلبون من بقرة الضرر الحليب النافع، ويضيئون ظلامهم من ضوء ما مضى.

ليس هذا في ما يخص الجائحة، المحنة الجامعة، فحسب، بل حتى عند المحن الخاصة، فشح الوقود مثلاً في لبنان وارتفاع ثمنه، وهبوط العملة اللبنانية، جعل الناس يذهبون إلى الطبيعة، وألواح الطاقة الشمسية، وفي المواصلات غدا المقتدر منهم يركب وزملاؤه في سيارة واحدة يجمعون معاً ثمن وقودها. وغير المقتدرين يركبون حافلات أعادوا إصلاحها وبعثوا الحياة فيها. وهذا ليس في بيروت فحسب، بل في غيرها من المدن وقرى العالم، حيث انتشر الشباب ينظفون شوارعهم. وهذا ما أعاد إحياء المجتمع الأهلي، وخلق لحمة اجتماعية حديثة تستمد من الماضى سبلاً تم تناسيها.

أول ما تم تداركه، هو عقبة المجتمع الاستهلاكي، فلم يعد من السهل الإهدار، في الطاقة والجهد والمال والوقت، فحين تشح الطاقة وتهدد الصحة، تتغير المفاهيم، حيث "ربما لن يدوم أي شيء، باستثناء قابلية التغير"، أو كما يقول الشاعر الرومانتيكي شيلي. نعم الأهم ما يحدث أولاً زلزلة الكيان فقد دقت ساعة الخطر، ومن هنا يظهر الدائم والأهم أي قابلية التغيير. وهو ما يبرز في هذه اللحظة الاستثنائية الريبة في المفاهيم الراسخة، ومن ثم القلق والتوتر، والاحتدام والصخب، ومن ثم فإذا الحاضر في خطر فالمستقبل معدوم. وإن الساعة الآن الرابعة والعشرون، نهاية اليوم، نهاية العام، والحياة في خطر، من هذا نلاحظ أن حالة ربّ ضارة نافعة، تكون في السبق، على الرغم من أن الملاحظة المتسارعة تظهر حالة الهروب إلى الأمام، لكن كل التاريخ البشري يظهر أن البشرية ابنة محنة كمثل: الطرد من الجنة.

مؤشرات كثيرة تقول إن 2022، على مستوى الجائحة، يجبّ ما قبله، وليس بمعني أن أجمل الأيام ما لم نعشها، بحسب قول الشاعر ناظم حكمت، ولكن بأن ما في الحياة أن أوهامنا معنا بحسب قول الشاعر مفتاح العماري. في الأولى المعنى الاعتيادي أن لا يأس مع حياة، لكن في القولة الثانية أن الحياة من صنعنا، وكلا القولين لا يتعارضان. وهكذا كما أسلفنا أن بيان البشرية والكوجيتو الأساس أن رب ضارة نافعة، هي مثلاً ما تجعل من كورونا مستحثاً، ومن "أوميكرون" المتحورة، بأن الخروج من الجنة، طريقة إلى الحياة، فلقد لاحظت أن الصرخة في وجه "أوميكرون" المتحورة، أن لا داعي للهلع، ولنجعل من 2022 نهاية الجائحة.

إلي الجميع مع مطلع 2022 كل سنة وأنتم طيبون.

إلى الليبيين، من كانت رسالة أحدهم مطلع المقالة، كل 24 ديسمبر (كانون الأول) عيد الاستقلال، كل عيد وأنتم طيبون... والسلام للجميع مرة ثانية.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس –اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • ما بعد الجائحة
  • أنت لمن؟
  • الخطر شرقاوي وليس إسلاميا





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي