وفي أكتوبر.. تتجدد الذكريات!!
2021-10-12
  د. عبد الوهاب الروحاني
د. عبد الوهاب الروحاني

أواخر عقد الثمانينات كانت الحركة نحو الوحدة تسير بخطى متسارعة.. الزيارات تتقاطر بين صنعاء وعدن.. واحتواء الخلاف على حقل "جَنّة" النفطي بين شبوة ومأرب في ابريل 1988، الذي كاد ان يفجر الوضع بين الشطرين (حينها) كان واحدا من محفزات الحركة بين صنعاء وعدن.. فقد فتحت "اسواق الوحدة" وحلت محل "براميل" الشريجا وسناح، ودبت الحياة في الجسم اليمني من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.

 أما العامل الأهم فقد كانت مؤشراته تبرق من موسكو.. حيث البروستريكا والغلاسنوست – الإصلاحات والشفافية (Glasnost and Perestroika)، التي أعلنها الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في ابريل 1985.

‏في أكتوبر 1988م، رأس مجاهد ابو شوارب (نائب رئيس الوزراء للشئون الداخلية) "وفدا" رسميا وشعبيا ضم قادة عسكريين ومدنيين وأمنيين، بينهم قادة المنظمات الجماهيرية والمهنية والابداعية.. وبذلك كان الحراك الوحدوي يملأ أرض اليمن وسمائها..

كان الرئيس صالح (رحمه الله) يدعو للوحدة من صنعاء عبر الاستفتاء على الدستور، بينما الأستاذ علي البيض أمين عام الاشتراكي (الحزب الحاكم) يدعو للوحدة عبر وحدة المنظمات الجماهيرية أولا.. وكان هو الرجل الأول والأقوى بين رجالات السلطة في الشطر الجنوبي بعد 86م..

زاره "وفد" الشمال بمقر اللجنة المركزية للحزب.. وكانت المرة الأولى التي اتعرف فيها على الاستاذ البيض بعد ان قدمني اليه وزير الدولة لشئون الوحدة الأستاذ راشد محمد ثابت بكوني "الصحفي المشاعب" - كما أطلق علي- على خلفية مقال كنت كتبته في الثورة (الصحيفة) إثر أول زيارة لي للجنوب في مايو88م، وصفت فيه حال الجنوب وعدن بشكل خاص بعد أحداث يناير الدموية، تضمن نقدا حادا لتجربة الرفاق في الجنوب، أثار المقال ردود فعل سياسية واعلامية غاضبة في عدن، وبدا لي انزعاج البيض منه كثيرا.

حديث الشفافية:

كانت فرصة لترتيب مقابلة لمجلة "اليوم السابع" التي كنت أمثلها في صنعاء، وكانت تصدر من باريس برئاسة الأستاذ القدير بلال الحسن، فطلبت المقابلة وتأخرت عن العودة إلى صنعاء لذات المهمة.

بعد انقضاء يومين إضافيين من اقامتي في فندق الجولد مور (عدن) تحدد موعد المقابلة، وعند الثانية عشرة ظهرا وجدت الدكتور عبدالله الحو (سكرتيره الاعلامي) في انتظاري في بهو مبنى اللجنة المركزية، اصطحبني من فوره إلى غرفة استقبال مجاورة للمكتب الذي يمارس فيه البيض مهامه..

في الغرفة مكتبة متوسطة وضعت على رفوفها أمهات كتب التاريخ والأدب اليمني، وكانت مكتظة بكتب اليسار والاشتراكية العلمية من كابيتال ماركس والاعمال الكاملة لفلاديمير ايليتش، إلى كتيب صغير لميخائل غورباتشوف مترجم للعربية عن خطة إصلاح الأوضاع الاقتصادية "البريسترويكا".

 ‏بضع دقائق ودخل الأستاذ البيض مرحبا بابتسامته الهادئة المعهودة، نهضت للسلام ثم أشار لي بالجلوس على كرسي بمواجهته، وقال مستغربا:

- يبدو أني شفتك من قبل ... مش أنت اللي كتب المقال عن عدن وكنت مع جماعة صنعاء اللي زارونا هنا ..؟!!

- قلت: نعم، وأرجو ألا أكون قد تسببت بأي ازعاج بكتابة ذلك المقال.. فقد كان مجرد انطباعات بعد اول زيارة لعدن!!

- قال: لا لا، اكتبوا ما شئتم، ولكن عندما طلب الرفيق عبد الله (وأشار إلى سكرتيره) تحديد موعد المقابلة لمندوب مجلة اليوم السابع، ظننت أنك فلسطيني وليس يمني.

- قلت: بل يمني، وأنا مراسل "اليوم السابع"، والمجلة مهتمة كثيرا بشأن الوحدة، والتحركات التي تجري من أجل تحقيقها بينكم وبين القيادة في صنعاء.. فقال:

-  أنا من قراء المجلة، وهي امتداد متميز لنضال الرفاق الفلسطينيين.. وهم مهتمين بوضعنا في اليمن عموما.

 حدثني عن المجلة وخلفية إصدارها، ودور منظمة التحرير والرئيس عرفات من ورائها، وأبرز كتابها، وأشياء كثيرة لم أكن على معرفة بها.. شعرت للوهلة الأولى بأن البيض ليس فقط السياسي الأقوى بين قيادات الحزب والدولة في الجنوب، وإنما هو أيضا متابع جيد للحركة الثقافية والإعلامية العربية، وذو اطلاع واسع مقارنة بالكثير من قيادات الصف الأول في الشمال والجنوب.

حزب ومؤتمر ومنظمات:

 كان الأستاذ البيض منفتحا في حديثه معي للغاية، لم يكن انفعاليا أو متسرعا كما كان شائعا عنه، ‏تحدث بشفافية مطلقة عن الخطوات باتجاه الوحدة، ‏ومما علق في الذاكرة تركيزه على التريث وعم الاستعجال، والبدء بوحدة المنظمات الجماهيرية والمهنية والابداعية اولا، وكان لذلك عنده - بالتأكيد - دلالته، فالمنظمات الجماهيرية هي أحد أهم أدوات الصراع بيد الحزب الاشتراكي اليمني، الذي كان يسيطر على قراراتها وتوجهاتها ليس فقط في الجنوب الذي يحكمه، وإنما في الشمال أيضا، عبر أعضائه (غير المعلنين) المنخرطين فيها بقوة.

 ‏بالمناسبة، كان تأسيس المؤتمر الشعبي العام، والسماح بتأسيس وإنشاء المنظمات الجماهيرية في النصف الأول من الثمانينات في الشمال مجاراة للوضع للوضع الذي كان لقائما في الجنوب، وليكون هناك تماثلا في الهياكل والاشكال التنظيمية لتسهيل حوارات الوحدة بين هيئات الشطرين الشعبية والرسمية..

وهكذا تتجدد في أكتوبر (الثورة والمناسبة) ذكريات عن أجمل ايام الوطن، وحركته نحو الوحدة وزمن التعددية والاختلاف والقبول بالأخر..

                وكل عام ووطننا بخير.

 

  • كاتب وسياسي يمني

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس

 

 



مقالات أخرى للكاتب

  • الوحدة.. إعادة الكرامة!
  • سبتمبر.. الذي يتجدد!
  • ابحثوا عن السلام في بطون الجياع!!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي