الهجرة في أميركا.. تناقضات ودروس
2021-06-14
جيمس زغبي
جيمس زغبي

يونيو هو شهر ميراث الهجرة، إنه الوقت الذي نتأمل فيه قصتنا الأميركية بكل تعقيداتها. إنها قصة عامرة بالتناقضات التي يجب الاعتراف بها، ومليئة أيضاً بالدروس التي تستجدينا لنتعلم منها. ففي جانب، هناك القيمة المثالية التي يجسدها تمثال الحرية بكلماته المغوية التي تقول: «أعطوني المتعبين والفقراء والجماعات المنهكة التواقة للتنفس بحرية، التعساء الذين يلقي بهم شاطئكم الزاخر. أرسلوا هؤلاء، الذين بلا مأوى والضائعين في العاصفة، إنني أرفع مصباحي بجانب الباب الذهبي».
واستجاب ملايين الأشخاص من كل أركان الأرض لهذا النداء في مسعى للحصول على ملجأ وفرص في الحياة. ورغم الصعوبات المبدئية، يرى كثيرون أن قصتهم الأميركية كانت حكاية استثنائية من القبول والتحول تستحق الاعتراف بها. فقد كان جيسي جاكسون مغرماً بالقول إن أميركا عبارة عن قماشة مرقعة تضم ألواناً كثيرة. انظروا إلى الناس الذين تتألف منهم أمتنا، وانظروا إلى ثقافتنا. فهل يستطيع أحد التحدث عن الطعام الأميركي والأزياء الأميركية وروح الدعابة والموسيقى الأميركية دون أن يرى تأثيراً عميقاً للطليان والأيرلنديين والاسكتلنديين والفرنسيين والصينيين واليهود والأفارقة واللاتينيين والعرب، وغيرها الكثير من التأثيرات الأخرى؟ لكن كثيراً من هذه الجماعات نفسها تتعرض للاحتقار وتكافح في مواجهة التمييز، رغم أنهم تركوا بصمتهم التي لا تمحى على أميركا.
وفي الوقت نفسه، يتعين علينا الاعتراف بالجانب المظلم من قصتنا. إن فكرة أميركا في حد ذاتها تكونت من خطيئتين أصليتين وهما الإبادة الجماعية والعبودية. فمنذ الوقت الذي وصل فيه أوائل المهاجرين، أو المستعمرين، وحتى وقت مبكر من القرن الماضي، انهمكنا في سرقة أراضي الشعوب الأصلية وتصفيتهم. وعلى مدار عقود، اُستقيت ثروة أميركا من كد العبيد وعملهم. والتركة المستمرة من العنصرية أدامت حالة من التشوه الاقتصادي المأسوي. وعلى خلاف أوروبا، حيث يشكل المهاجرون الجدد طبقة دنيا، يجد المهاجرون أن طبقة دنيا موجودة سلفاً تمكنهم من مزايا في الحراك الاقتصادي والاجتماعي.
لكن صور العنصرية والتمييز ظهرت في كل موجة جديدة من المهاجرين، وتضمنت غالباً حركات عنيفة من المتعصبين الذين سعوا إلى وضع تعريف لأميركا يجعلها ملكهم وحدهم. ومن ثم، عانى الأيرلنديون والطليان واليهود وشعوب شرق أوروبا والصينيون واليابانيون والعرب وآخرون من التمييز والصور النمطية العنصرية والاستبعاد. ومن المهم، الاعتراف بهذا حتى نفهم أن التجربة المعاصرة للمهاجرين اللاتينيين والأفارقة والآسيويين والعرب لها مقدمات في تاريخنا.
وفي شهر الاحتفال بالهجرة، وقبل عقد من الزمن، أشار عدد من أعضاء الكونجرس باعتزاز إلى أننا أمة المهاجرين، واستنكروا التعصب وجهود استبعاد بعض جماعات المهاجرين. واستهجنوا هذه التصرفات باعتبارها «لا تتوافق مع تاريخنا كأمة مرحبة».
وحين جاء دوري في الكلام، كان لدي تحفظات على هذه التعليقات. نعم، نحن أمة مهاجرين نستمد إلهامنا من القصيدة المرحبة المنقوشة على قاعدة تمثال سيدة الميناء (تمثال الحرية). لكني أذكرهم أننا أيضاً أمة عاملت السود وسكان أميركا الأصليين في غاية السوء. ونحن الأمة التي ظهرت فيها عبارات مثل «غير مسموح للأيرلنديين بالتقدم». ونحن الأمة التي أقرت قانون «استبعاد الآسيويين». ونحن الأمة التي سرقت ممتلكات الأميركيين اليابانيين وأرغمتهم على الإقامة الجبرية. كما قتلنا أميركيين إيطاليين من دون محاكمات واضطهدنا اليهود باعتبارهم اشتراكيين ومخربين. فكلا جانبي قصتنا صحيح ويجب الاعتراف به. وإذا تقاعسنا عن الاعتراف بالجانب المظلم والدروس المستفادة منه، فإننا نعرض أنفسنا لتكرار خطايا الماضي. وفي الوقت نفسه، إذا تقاعسنا عن الاعتراف بمثالياتنا، فإننا قد نستسلم لليأس ولا ندرك أنه بمقدورنا القيام والتصدي لتحدي التعصب، كما فعلنا في كل عصر، كي نعد مكاناً جديداً في طاولة الترحيب في أميركا للذين يسعون إلى الحصول على ملجأ وفرص.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • 1982 مقابل 2024.. قصة ثلاث مدن
  • انتخابات "المعركة الفاصلة"!
  • غزة..وتغيرات الرأى العام الأميركي





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي