حين يتلاشى الرمز وتنهار قلاع المحدود باللامحدود في سلطة التكنولوجيا
2021-01-10
محمد اللوزي
محمد اللوزي

لم يعد ثمة نجومية ولم يعد ثمة احتكار في عالم اتسعت خارطته من القطرية إلى الكونية ,وصار مليئا بأصناف المبدعين والمفكرين والعمالقة الذين لايعدون .وحده الفضاء (السيبرنطيقي )كسر التابو وقهر الرموز وفتح فضاءه الذي يروي المتلقي كيف يشاء وأنتج المعرفة اللا محدودة والمكتبة اللا منتهيه والمعلومة المتجددة .لم يعد هناك من ألقاب واستاذية تتعالى على المعرفي وتتبختر عليه وتتقن فن الهيمنة .العالم المتسع اللامحدود بديل الفردية والتفرد سلطة التكنولوجيا وحدها من يثرينا ويمنحنا مانرغب .لننتقل من التسلط إلى السلطة، من التفرد إلى التدفق .لاشيء اليوم يمكنه الإختباء هناك دوننا .فالعالم متفتح ومفتوح يفضي إلى مانريد .
عليناإذا أن نحتفي بالمعرفي من استحضارنا الآخر بسهولة ويسر ودونما ممانعة أو جعل الحرف وما بعد الحرف أشبه بسلعة تتناول خارج عنا وبرغبة الممتلك لها الأناني في تشكيلها ،المدعي أنه وحده الأقدر في المنغلق ا(لدوغما) .

هكذا يتلاشى الرمز وتنهار قلاع المحدود باللا محدود ونطل على الهناك لنكتشف النحن ،ونعرف بالضبط مقدار عطائنا المتواضع جدا أمام تدفق هائل من الإبداع اليومي وأمام تقنية ترسخ في أعماقنا تكوينات أجد بالعديد من المتقدم دونما استئذان أو تبجيل واقتصار على الهو فقط .فيما التكوينات التي تتموضع قريبة المنال منا جميعا وتقبل بالوافد بالمتلقي، تعيره ذاتها تريده معها .هكذا العالم اليوم غير القاهر المستحوذ الناشر البسيط أو الكاتب الذي يجود علينا ونشكر مساعيه .لاشك في المعرفي نجدفضاءات العالم الجديد وغزارة القادم وتنوع جغرافيا الأسماء والألقاب لدرجة أنها تذوب ،ليبقى النص وحده وقدرته على التمكن فينا وجعله مشاعا يأتي إليه المتلقي بكل مستوياته من الأمي إلى المفكر .

سلطة المعرفة اليوم في المتناول لاتحتاج أن نتوجس أو نشعر بخيبة فينا أو نتمنى أن نصل الى نص ماأو كتاب لمؤلف ما .تلاشت الحدود وذابت الأسماء وبقي العالم بفضائه الكبير يقدم مانريده ومالانريده يغزونا رغما عنا ،يتناولنا كما نتناوله دونما سابق معرفه سلطة التقنية عالم الإتصال ،تمكن من تكوين معرفته جعلها مشاعة وتغري كثير بالتعايش معها .إنهار سقف القديم سقف الأباء والمبرزون والأعلام وما جادبه اللاحق على السبق من تمايز .وبرزت فضاءات العالم الجديد دونما ألقاب أو إدعاء أو تراتبية فجة, في العالم الواسع في الكوكبية لاتمايز لاإدعاء ولاإرتهان ..المعرفة أما أن تخوضها بيسر وسهولة وتمكنها منك كماهي تمكنك أو تندثر تصير ذكرى إنسان وذكرى مجتمع وذكرى نص .

هكذا الكوكبي يتألق بسخاء على مادونه ويهزاء بالمتمترس خلف ظنونه كذات متوحشه تدعي الفرادة وتدعو إليها .اليوم ماهو متاح ليس سوى التلقي بلا وجل وخوف وبتسابق من أجلنا كي نتزود ونمنحنا مانريد بتنوع أسلوب وتعدد لغات ومعاني تتقارب معنا، وتنبذنا، وتقصينا، وتحتفي بنا، وتمنحنا عافية الفكرة وسلامة المعنى، كما ترهقنا .هكذا العالم اللامحدود ،جغرافيا من التشكل المستمر لاتقف عند حد، وترفض الحدود والحواجز والقطيعة .

كونها انطلاقة متاحة لنا ،نطوفها وندخلها ونرانا كذوات بشرية تدرك بالضبط أين هي في هذا المتزاحم معرفيا، وقد تصاب بوجع حين تفقه حدودها وتجربتها المتواضعة مهما حازت على اللقب أو تميزت ووصلت ألى معارج المرجعية .ولامرجعية في عالم اليوم المعلوماتي، لاأحد يمكنه ان يكون مرجعا، مرجعية المعرفة اليوم هي متناولنا جميعا .هي الكل في فضاء هائل يتدفق في كل لحظة بالجديد، وجديد المعرفة يكمن في ذاتها ،في أيقاعها السريع جدا علينا لدرجة تنعدم قدرتنا على المتابعة ونظل قطرة من مطر غزير .هكذا علينا أن ندرك نحن من خلال الهم.

أن نكتشف القادم في تلاحقه وتلاقحه بنا ،في قدرتنا على التفاعل معه إن استطعنا قبل أن تذرونا رياح التكنولوجيا التي تطالنا رغما عنا، ونحن في رفض وجمود وادعاء قدرة على كبحها ،وهي علم ومعرفة واتصال كوكبي لانستطيع لجمه، ونخافه، ونموت فيه اختناقا حين لانقبل التواصل القهري أردنا أم لم نرد وإذا كيف؟ نحوله بكياسة من أجلنا بدلا من خوف نضيع فيه ونمضي في رغبة رموز وسلطة مؤلف وتسلط كاتب فيما العولمة تقول لك أنا قريب منك في متناولك أريدك تفتحا وتريدني غباءا. سلطة اليوم لاتحتفي وترفض الإقصاء وتتمرد على المألوف ،القار، الجامد.

فلم تعد الكتابةا(لهيروغليفية )ولاا(لمسند السبئي) هوية تحدد مجتمعا وتميزه .كما إنهاليست حدود جغرافية ولاتعبر عن تاريخ... بمعنى ما، تاريخ الإنسان اليوم هوالمعرفي الذي تنتجه البشرية، وليس له محددات ،إنه تمازج، وتلاقح، وتكوين علمي معرفي، نسهم فيه أو نستهلك منه فيما هو يبقى تاريخناالجديد ،هويتنا ،قدرتنا على الغوص لإستحضار ما يلبي حدودنا قدر الممكن ,ولست هنااستهدف مكونات الهوية (دينية أو قيمية) وأرجو أن لاننطلق من أحكام جاهزة ومواقف مسبقة حتى لانقراء قراءة عرجاء ومشوهة تعيق التفكير والتناول لإشكالية العالم الجديد بكل صخبه وانتظامه وعنفوانه ،وبكل تقنيته الرهيبة المتفتحة والمعطية بسخاء والقابلة لنحن في المعرفي فقط وليس الممانعة للقادم من فراغ ومن تراث نأكله أكلا لما، حتى لانقدر على التطور واستيعاب المتغير والتعامل مع تكوينات الراهن والمستقبل دونما ارتهان لجدارية الماضي وتدجين السلطوي .فالواقع اليوم لاتدجين فيه، أو إغواء، أو تقتير على الجماهير لتبقى في انتظار المرغوب أو المسموح منه أو إجازته ودعه يمر ويتداول من جهات رقابية تسلطية تحرس القمعي وتلغي التنوع كسنة إلهية .

في عالم اليوم الكوكبي كل شيء لك وفي متناولك ومسموح به ولا تسلط، أو إجازة تداول لكتاب أو فلم أو سلعة ما .لم يعد كل ذلك مقبولا في عالم مفتوح، وربما كانت سرعة( السيبرنطيقي) أكبر من أن تحد، وهي كذلك وقد صارت جزءا منا لايقبل المحو أو التأجيل أو الهروبية .بهذا المعنى ثمة هوية تتقدم لتتموضع في سياق العصر بكل إيقاعاته وتموجاته وبكل مالديها من ممكن يستحيل صده .هكذا يغدو الراهن البشري تاريخ (الأنا )كما تاريخ (الهوا )كلاهما معنيان بالعالم بتداخل أحلامه وهواجسه وطموحاته فينا .وهكذدولاب التغيير ينتج مكوناته التي نجد إرهاصاتها في مايسمى بالربيع العربي والذي ينطلق ألى فتح مجالات واسعة للتغيير لاتقف عند رغباتنا وتمترسنا ومواقفنا من (الهو) على ضؤ الماضي .اليوم ثمة صيغة جديدة للإنسانية بمعنى ما، وتشكل هوية تمتد وتذوب وفق القدرة على الحضور والإسهام المعرفي، والقدرة على الإبداع والإنتاج وفهم معنى الإستهلاك في ضؤ الموارد، والممكن المنظم .

وفهم التعاطي مع التكنولوجيا كقدر لامفر منه ولايقبل المداهنة والهروب الذي يعجل بالقضاء على الممانع سلطة نظام، أو تسلط دولة، البقاء هنا للمعرفي، للقادر على رسم معالم تواجده معرفيا لإقامة شراكة مع الآخر بروح ديمقراطية لامتسلطة ولا ممانعة ولامتخوفة فكل ذلك يعني الصراع مع دولاب الكوكبية القادر على دك أي ساتر أو حاجز أو عائق، وثمة راهن يقدم نفسه بسقوط أكثر من نموذج ديكتاتوري، بفعل المعرفي من وسائل اتصال وتقنية معلومات الحقت الدمار الكبير بأعتى الممانعين للتفتح، وكانت كنموذج ا(لجزيرة )و(الشبكة العنكبوتية )،هي رأس التغيير وسنامه .

هكذا سنجد أكثر من (جزيرة) وأكثر من تقنية تصفع التقوقع والتميز والإنغلاق، ولن يكون أحد بمنأى من تسارع قطار العلم الكبير مالم يثق في المستقبل ويتعايش معه معرفيا ويسهم في إثراء تاريخنا البشري، فالبقاء للمنتج للقادر على التمازج الثقافي، للمستوعب ممكنات التحول، البقاء للأكثر قدرة في معرفة ممكنات الهوية الحضارية القادمة مع استيعاب التراث والتعامل معه كمعطى قابل للتجدد، وليس التمترس في تاريخ ربمانكون في تعاطينا وبإسراف معه مجرد متحف ومتحف فقط .والسؤال كيف نتجاوز معوقات الماضي مع الإحتفاظ بخصوصيتنا في تعاملنا مع المعرفي الكبير ؟سؤال وجودي في تقديري.. آمل أحد يسهم في ملامحه لنبصرنا على تحادد مع المنقول في ضؤ المعقول .


*كاتب يمني

*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • هل نحن أمام نصر تحوز عليه السعودية ؟ وماهي خيارات التحول الى فرص سلام حقيقي؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي