الفصام ثيمة روائية عند الجزائرية ربيعة دويبي

2021-02-08

لوحة للفنانة سارة شمةالجزائر- تدعو الكاتبة الجزائرية ربيعة دويبي في آخر أعمالها الروائية بعنوان “يوميات شابة مصابة بالفصام”، القارئ من خلال القصة المؤثرة للشابة دنيا التي اختفت بشكل مأساوي، إلى التأمل في قيم الاستقامة والكفاءة التي تعد من المتطلبات الأساسية لمواطنة كاملة ومفيدة، والتي ينظر إليها في المجتمعات الخاضعة بشكل سلبي كأسباب لعدم الأهلية.

وصدرت هذه الرواية الخيالية التي تحوي 173 صفحة، والتي نشرتها المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار، في أربعة أجزاء، وتبدأ بالاكتشاف المصادف لمذكرات الشابة دنيا التي تعاني من مرض انفصام الشخصية، والتي قررت الانتحار بتناول جرعة زائدة من مضادات الذهان.

ومع ذلك، إذا ما تمعنا مذكراتها التي تنقلها لنا الكاتبة في قصة داخل القصة، لم يكن هناك ما ينبئ بمثل هذه النهاية لهذه المرأة الشابة المشبعة بقيم الاستقامة والمواطنة والأفكار الخلاقة.

فقد كانت دنيا، بطبيعتها نشيطة ورياضية ومتفوقة في دراستها وقد تم اختيارها من قبل إدارة معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية على قائمة طلاب الدكتوراه الشباب.

وكانت والدتها آسيا أول من اكتشف “يوميات ابنتها”، حيث علقت على كتابات مؤرخة من ابنتها في ظل المعاناة والندم، بأنها غير قادرة على الحداد وأرجعت المسؤولية إلى جمال زوجها، رجل الأعمال الثري ورئيس حزب سياسي ذي توجه إسلامي.

يكتشف والد المرأة البائسة، بدوره، “مذكرات الحالة النفسية” لابنته، وسرعان ما يجد نفسه في مواجهة عيوبه غير المقبولة وتقلبات مزاجه غير الملائمة، وهي مصادر كل المشاكل التي أدت بابنته إلى الإقدام على الانتحار.

ربيعة الدويبي تدعو إلى التأمل في قيم الاستقامة والكفاءة

وباعترافه “بذنبه”، فإن جمال الذي أراد إجبار ابنته على جلسات طرد الأرواح الشريرة، يحاول إرجاع المسؤولية في ما حدث إلى السيدة دياب، المعالجة النفسية التي، حسب قوله، لم تستطع التنبؤ بالمأساة القادمة، ولكنه يقر بالأخطاء التي سببتها أفكاره المحافظة القديمة ومفهومه الضيق للأشياء.

ويتواصل سرد هذه المأساة مع الطبيبة النفسية التي شرعت في “تشريح عملية الانتحار”، بعد أن أعطتها آسيا تلك اليوميات، على أمل زيادة الوعي بهذه القضية الحساسة.

فدنيا لم تستطع مقاومة توالي الخيبات في علاقتها مع أهلها ومع الآخرين، ولم تتمكن من مطاردة التشاؤم المتزايد، لذلك غمرها اليأس، وعجزت عن حماية نفسها من كل هذه الأصوات الخبيثة في رأسها، والتي استمرت في دفعها إلى ارتكاب ما لا يمكن إصلاحه.

وقد أعطت ربيعة دويبي لنفسها في القصة الخيالية “يوميات شابة مصابة بانفصام الشخصية”، الذرائع اللازمة للتنديد بهذا الميل إلى العزلة والابتعاد لأي شخص يتمتع بالنزاهة والكفاءة، والمشبع بقيم المواطنة.

وتذكرنا رواية دويبي برواية “قلبي وثقوب سوداء أخرى” لجاسمين ورقة، وتحكي الرواية عن آيسل، الصبية المراهقة التي لم يعد باستطاعتها الاستمرار في حياتها مع أمها التي كلما نظرت إليها ارتعبت، وكذلك إلى زملائها في الدراسة الذين يتهامسون وراء ظهرها بسب الجريمة التي اقترفها أبوها في البلدة، وهي الآن مستعدة لأن تضع حدًا لكل ذلك، عبر توديع نفسها، لكن هناك مشكلة واحدة، وهي أنها ليست متأكدة من امتلاكها الشجاعة للقيام بذلك بمفردها.

رواية خيالية تتناول مذكرات شابة

وفي أثناء تصفحها على الإنترنت اكتشفت صدفة موقعًا يجمع “الشركاء الانتحاريين”، هناك عثرت على رومان البالغ 16 سنة، وهو الآخر تطارده مأساة عائلية. وعلى الرغم من أن آيسل ورومان لا يشتركان في شيء، إلا أنهما يبدآن ببطء في ملء حياة بعضهما البعض، وأصبح اتفاقهما الانتحاري أكثر واقعية، لكن آيسل تبدأ في التساؤل عما إذا كانت تريد إنهاء حياتها حقا. في نهاية المطاف، يجب عليها الاختيار بين الرغبة في الموت أو محاولة إقناع رومان بالعيش حتى يتمكنا من اكتشاف ذواتهما معًا.

والأدب مثل السينما وبقية الفنون الأخرى هو مرآة للمجتمع، ولذلك فإنه من المهم أن يتطرق للأمراض النفسية وتأثيرها على الناس، لكن هذا الأمر الذي أثار جدلاً كثيراً لأن الأطباء النفسيين اعتبروا أن ما يعرض غير صحيح، ورغم الانتقاد فإن الكثير من الأعمال الأدبية حققت نجاحاً جماهيرياً، وكانت إضاءة هامة على عوالم علم النفس.

وعلاقة الأدب بعلم النفس ليست جديدة، فالتحليل النفسي يشابه كثيراً في تقنياته تقنيات السرد والحكاية، فالمريض يحاول بمساعدة المحلل النفسي أن يصوغ “حكايته” الخاصة، في سبيل حل “سوء الفهم” في الحكاية الشخصية للمريض، ومحاولة جعلها منطقية.

رواية خيالية تتناول مذكرات شابة

ولطالما اعتمد الكثير من الباحثين والمحللين على الأعمال الأدبيّة في سبيل فهم الذات الإنسانيّة واستخلاص توصيفات لبعض الظواهر الإنسانيّة والنفسية، فظهر مصطلح العلاج بالرواية، الذي قد يبدو غريباً نوعاً ما، لكنه حقيقة، وموجود ضمن تقنيات علم النفس.

لذلك يمكن لرواية مهما كانت ثيمتها النفسية خطرة أن تنقذ حياة أحدهم، وهو ما حاولت بشأنه دويبي في هذه الرواية، أن تؤسس لعالم جريء ومكشوف حول المرض النفسي وضرورة عدم الاستهانة به، وإمكانية العلاج.

ونذكر أن ربيعة دويبي ولدت في سنة 1957، وهي حاصلة على ليسانس في تعليم اللغة الفرنسية وشهادة في التربية، ولديها أربعة أعمال أخرى في رصيدها، “مثل صحراء” (2004) و”المرأة ذات الكاحل الموشوم” (2008) و”قصيدة الأهقار” (2011 و 2014) و”رياح الفتنة” (2014).







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي