اللاجئون ليسوا مهاجرين.. هذا ما تثبته الروايات

2021-02-02

اللاجئ صورة خلقتها البروباغندا (لوحة للفنان عبدالله العمري)

عواد علي*

نجد للمتغيرات الاجتماعية والسياسية تأثيرا بالغا في النصوص الأدبية المعاصرة. فمع ارتفاع وسائل التحرر وانفتاح الأقلام العربية على هامش أوسع من الحرية ومساحة أكبر من التجريب، انطلق الكثير من الأدباء في تماس جريء مع الواقع، لذلك صار الأدب، بعيدا عن تقييمه فنيا، مرآة لواقعه. ولا أدل على ذلك من انعكاس ظواهر العنف والتهجير والنفي والتعصب على الروايات التي تكتب اليوم.

لفتت ظاهرة اللجوء في الأدب العربي، خاصة في الرواية، اهتمام العديد من النقاد والباحثين، نظرا إلى غزارة النتاج الروائي الذي تناولها في السنوات الأخيرة إثر استفحالها بسبب ويلات الحروب والكوارث وحالات القمع والاضطهاد في بعض الدول العربية.

وقد جرى تمييز سرديات اللجوء عن سرديات الهجرة وسرديات المنفى أو الاغتراب أو الشتات، على الرغم من اشتراك هذه السرديات في ثيمة عامة هي أزمة شخصية العربي قبل مغادرته بلاده أو بعدها قسرا أو طوعا، ومعاناته من القهر والانكسار والتمزق والنوستالجيا.

اللاجئ ليس مهاجرا

الباحثة العراقية نور الهدى محمد جريو درست ظاهرة اللجوء في بحث أكاديمي، عنوانه “صورة اللاجئ في الرواية العراقية 2003 - 2017”، نالت عليه مؤخرا درجة الماجستير في كلية التربية للعلوم الإنسانية بجامعة المثنى.

تميز الباحثة بين المغتربين (المهاجرين) والمنفيين، فالصنف الأول هم أناس اختاروا العيش في بلد غريب ولم يُجبروا على ذلك، أما الصنف الثاني فقد أُرغمتهم سلطة ما على ترك ديارهم لأسباب شتى.

ويرجع إدوارد سعيد “النفي” إلى كونه ينبع من ممارسات قديمة قدم الدهر أهمها الإبعاد، فهو ليس خيارا فرديا، كما هو الأمر مع “الغربة”، بل هو أمر مفروض وجبري. ويُعدّ المنفى واحدا من المصائر الأكثر حزنا.

وتتفق معه الباحثة نانسي برج، صاحبة كتاب “المنفى من المنفى”، في أن “الاختلاف بين المنفي والمهاجر يتمثل في فكرة الإقامة، فالمهاجر ينقل معه فكرة ‘البيت’ سعيا إلى الاستقرار لا العودة”.

وتقتبس الباحثة من الناقد عبدالله إبراهيم تعريفه للمنفى بأنه “مكان يتعذر فيه ممارسة الانتماء، والمنفي ذات بشرية واعية، لكنها ممزقة هُتكت عذريتها، وخُرّبت سويتها الطبيعية فلا سبيل إلى إعادة تشكيلها في كينونة منسجمة مع نفسها أو مع العالم”. لكنّ المغتربين قد يشاركون المنفيين في الشعور بالوحدة والمرارة والاغتراب.

ترى الباحثة جريو، في مقدمة بحثها، أن الرواية العراقية شهدت اليوم تطوراً واضحًا على صعيد المعالجات الموضوعية التي يقوم عليها محكيها السردي، إذ شكل الواقع العراقي بتحولاته المستمرة مادةً خاما لظهور تجارب روائية معتبرة، ولأن قضية اللجوء واحدة من أبرز قضايا المجتمع العراقي المعاصر، فقد أفرزت مشاكل وأزمات مختلفة، وعبرت عن تطلعات شرائح شعبية واسعة، رافقها بروز أزمات جديدة تتصل بقضايا الراهن المحلي المتصل بقضايا الراهن العالمي سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا.

وأصبحت صورة اللاجئ محط اهتمام البروباغندا العالمية لأنها أحدثت تغيرات مفاجئة في بنية مجتمعات العالم، ولاسيما في أوروبا وأميركا، فشغلت علماء السياسة والاجتماع والأنثروبولوجيا، وانتقلت لتشغل حيزا مهمًا في الأعمال الأدبية. فهي ترتبط بواقع إثبات الهوية والوجود للشرا ئح اللاجئة، خاصة أنها تحولت إلى مجتمعات تجاوزت جيلها الأول، ووصلت إلى الجيلين الثاني والثالث.

إلا أن مشكلة الشرائح اللاجئة تكمن في عيشها منعزلا ثقافيا جعلها تعاني انغلاقًا وانحسارا في الانفتاح على الآخر الأصلي، فجاءت محاولات إثبات وجودها وهويتها عبر التمثيل الأدبي، الذي يحاول البحث رصد أبرز إشكالاته الثقافية على صعيد المضمون، وما أحدثته من متغيرات جديرة بالاهتمام على صعيد البنية الفنية للنوع الأدبي، فجاء هذا البحث لدراسة قضية اللجوء بوصفها ثيمةً روائية بارزة شكلت خلفية لأحداث نصوص روائية غزيرة، متسقة بأطر متشابهة، وبقضايا وهموم مشتركة لفتت النظر لمعالجتها وقراءتها فنيًا وثقافيًا.

عشرون رواية

معاناة من القهر والانكسار والتمزق والنوستالجيا (لوحة للفنان عبدالله العمري)

تضيف الباحثة أن رواية اللجوء قدمت تجارب غنية، يمكن أن تكون حكاياتها وقضاياها حكاية كل فرد عراقي وقضيته؛ لأنها نتجت عن ذوات دوّنت تجربتها كشاهد عيان ينوب عن الجماعة، وهو ما يفسر السرد بلسان الجماعة فيها.

ويحمل الفصل الأول من البحث عنوان “تمثيلات اللاجئ روائيا”، وجاء في ثلاثة مباحث تناول الأول أنماط اللاجئ وصوره وقضاياه في الرواية العراقية، وقرأ المبحث الثاني بناء الروائي لشخصية اللاجئ العراقي، ودرس المبحث الثالث تمثيلات مجتمعات اللجوء.

ودرست الباحثة في الفصل الثاني قضية “الإيقاع الزماني في رواية اللجوء”، حيث تناولت جدل أزمنة الكتابة وميدان اشتغال الذاكرة الروائية، علاوة على دلالات الزمن الأسطوري والتاريخي في رواية اللجوء، وآليات بناء الزمن.

أما الفصل الثالث والأخير فحمل عنوان “فاعلية المكان في رواية اللجوء”، وقد تناول في مباحثه بناء المكان ودلالته في رواية اللجوء، من حيث الكيفية التي تم بها بناء الأماكن وفقا لاشتراطات الحكاية الإطار، والمكان بؤرةً مركزية في رواية اللجوء، من خلال قراءة الأماكن الواقعية والمتخيلة، وتفسير مركزية المكان وآليات عرضه في متونها.

ونظرا إلى سعة الروايات العراقية، التي تناولت ظاهرة اللجوء، فقد انتخبت الباحثة عشرين رواية، ذات قيمة فنية عالية، من وجهة نظرها، عادّةً دراستها محاولة لقراءة الموضوعات المستحدثة في النتاج الروائي العراقي مما يستحق القراءة والتنقيب، ولم تمسه يد الدراسات البحثية بعد.

ولكن وإن استبعدت الباحثة بعض النماذج التي “لا ترتقي إلى القراءة المنهجية” في رأيها، فإنها أغفلت روايات عديدة، تناولت قضايا اللاجئين، لروائيين عراقيين مقيمين في الخارج، ونالت اهتماما نقديا على مدار العقدين الأخيرين منها على سبيل التمثيل، ثلاث روايات لكاتب هذه السطور “حليب المارينز”، “أبناء الماء” و“جسر التفاحة”.

 

  • كاتب عراقي






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي